يطرح الدعم الكبير الذي قدمته الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإسرائيل على كافة المستويات أسئلة متشعبة، حول ما تمثله الدولة العصابة إسرائيل بالنسبة لأمريكا ومصالحها، وثمة أخطاء سياسية لدى بعض المحللين والمتابعين الذين يشيرون إلى أن إسرائيل تتحكم بالتوجهات السياسية للإدارة الأمريكية الحاكمة؛ وبطبيعة الحال هذا التوصيف غير دقيق، نظراً لكون إسرائيل استطالة أمريكية في عمق الشرق الأوسط والشواهد ماثلة وكثيرة.
مصالح مشتركة
تبعًا لقراءة متأنية تعتبر العلاقة بين أمريكا وإسرائيل استراتيجية وتشاركيه في آن، نظراً لأن إسرائيل تستمد قوتها الخشنة من الدعم الأمريكي غير المحدود، وفي الوقت ذاته هي بمثابة سيف أمريكا المسلط على الدول العربية بغرض إخضاعها للمصالح والرغبات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط .
لقد تكشفت تلك العلاقة أكثر من أي وقت مضى خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس والداخل الفلسطيني منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقد تجلت تلك العلاقة بتبني إدارة بايدن للرواية الإسرائيلية حول المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وبذلك تعتبر إسرائيل استطالة أمريكية بصرف النظر عن الإدارة الحاكمة وسيد البيت الأبيض.
أمريكا أولاً
لم تخلُ العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية من تناقضات ثانوية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عَبَّر الرئيس الأمريكي “دوايت أيزنهاور” في عام 1956 عن غضب أمريكا من استيلاء إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في حملة عسكرية منظمة مع فرنسا وبريطانيا، بتهديده بتعليق الدعم المالي الحيوي لإسرائيل ما لم تنسحب، ولكن يجب فهم ذلك الموقف في سياقه العام، المتمثل بالقلق الأمريكي من احتمال ازدياد النفوذ البريطاني والفرنسي في منطقة الشرق الأوسط .
وعلى مدى العقود الماضية، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل منعطفات كثيرة لكنها لم تثنِ واشنطن إطلاقاً عن دعمها لإسرائيل، ففي عام 1975، هدد الرئيس جيرالد فورد بإعادة تقييم هذه العلاقات إذا لم توافق على انسحاب إسرائيلي جزئي من سيناء، أما في عام 1981 فقد أدانت الولايات المتحدة قصف إسرائيل مفاعل “أوزيراك” النووي العراقي الذي أنشئ بالاتفاق مع فرنسا، وفي عام 1990، أعرب وزير الخارجية جيمس بيكر، عن إحباطه إزاء التقدم البطيء الذي أحرزته إسرائيل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين.
وقد اعترف الرئيس جورج دبليو بوش، في رسالة أرسلها عام 2004 إلى رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون، بتعقيدات العودة إلى خطوط هدنة عام 1949 في ضوء التعنت الإسرائيلي وزيادة المستوطنات بالضفة الغربية، أما في نهاية عهد الرئيس باراك أوباما فقد نشأت توترات بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وللمرة الأولى منذ عام 1979 ، لم تستخدم إدارة أوباما حق النقض (الفيتو) ضد قرار يدين السياسات الإسرائيلية .
رغم ظهور بعض التناقضات في إطار العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، لكنها لم تَمَسَّ بجوهر تلك العلاقات الاستراتيجية، حيث لعبت وتلعب إسرائيل دورًا هامًّا في إطار المصالح الأميركية الشرق أوسطية، وتؤكد ذلك على الدوام وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية على حد سواء.
وقد تجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الاستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل كحاجة جوهرية في قلب المنطقة العربية، وقد تجلى ذلك بالدعم الأمريكي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام قرار النقض الفيتو ضد أي محاولة لاستصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل العدوانية والتعسفية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
استخدام الفيتو
وقد استخدمت أمريكا الفيتو في مجلس أربع مرات منذ بدء العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني لتحبط إصدار أي قرار يدين عصابة إسرائيل ؛ وذلك بالتوازي مع تقديم المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل لتمويل حربها الفاشية على الشعب الفلسطيني بغرض التقتيل والتهجير وتدمير البنى التحتية؛ وهي بذلك، أي أمريكا، شريكة في العدوان وعملية الإبادة الجماعية التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل على مدار الساعة.
وقد أشار قادة من المستويين العسكري والسياسي الإسرائيلي إلى ضرورة الإبقاء على العلاقة الاستراتيجية مع إدارة بايدن رغم وجود تناقضات ثانوية معها؛ وقد عزز ذلك تضمين بند في أجندة مؤتمر هرتسيليا الأخير، أكد خلاله تجنب المفاجآت والعلاقات مع أميركا الأمر الذي يشي أن أمريكا هي التي تضبط إيقاع إسرائيل وتشرف على عدوانها واستمرارها كدولة احتلال للإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، فضلاً عن كونها استطالة أمريكية في عمق الشرق الأوسط، وبذلك لا يمكن لعصابة إسرائيل المنفلتة الاستغناء عن أمريكا.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا