تدور مؤخراً رحى معارك بين جيش أذربيجان وقوات أرمينية انعزالية في منطقة نغورنو قره باغ، موضع الخلاف. تقع المنطقة في أذربيجان كجيب، ولكنها عملياً محكومة وتعيش بشكل مستقل تحت إدارة انعزاليين أرمينيين. ونشبت المعارك بعد ادعاء الطرفين بقصف مدفعي الواحد ضد الآخر. ليست هذه هي المرة الأولى التي تتصارع فيها الدولتان على هذه المنطقة؛ فبعد انحلال الاتحاد السوفياتي وقعت حرب بين الدولتين من 1991 حتى 1994. ومنذ ذلك الحين، بقيت المنطقة بحكم الأمر الواقع تحت أرمينيا. وفي السنوات التالية، وقعت معارك أخرى بين الدولتين.
فضلاً عن الصراع على المنطقة، فإن المواجهة بين أذربيجان وأرمينيا ذات أبعاد دينية، تعود إلى بداية القرن الثامن عشر. على مدى التاريخ، مثلت أرمينيا المسيحية الأرثوذكسية، بينما مثلت أذربيجان الإسلام. وبشكل طبيعي، فإن القوتين التاريخيتين -الإمبراطورية الروسية التي مثلت المسيحية الأرثوذكسية الشرقية، والإمبراطورية العثمانية التي مثلت الإسلام العالمي– تقاتلتا على مناطق النفوذ هذه ودافعت كل منهما عن حلفائها (روسيا دافعت عن أرمينيا، والعثمانيون عن أذربيجان). ويجد البعد الديني تعبيره أيضاً هذه الأيام، حين يحاول الرئيس التركي أردوغان تصنيف دولته وشعبه كزعماء العالم الإسلامي، فسارع إلى الإعلان عن مساعدة أذربيجان. وبالفعل، حركت تركيا منذ الآن إلى منطقة المعارك مئات المرتزقة السوريين مباشرة إلى ساحة القتال من إدلب في سوريا بهدف مساعدة القوات الأذربيجانيين.
بالمقابل، اكتفت روسيا حتى الآن بتصريحات دبلوماسية حيادية، ولكن السنوات الأخيرة شهدت على أنها تعرف كيف تستغل الأزمات في دول الاتحاد السوفياتي سابقاً كي تعمق نفوذها في هذه الدول. مثلاً السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم في 2014، والتدخل الروسي في الحرب الأهلية في أوكرانيا. كلما استمرت المواجهة العسكرية المباشرة بين أذربيجان وأرمينيا، تتعاظم احتمالات المواجهة بين القوى العظمى.
من ناحية إسرائيل تستوجب المواجهة بين أذربيجان وأرمينيا حذراً دبلوماسياً أقصى، وسياسة مسؤولة من السير على الحبل. هذه مهمة معقدة للغاية. والدليل على ذلك جاء عندما أعلنت وزارة خارجية أرمينيا مؤخراً عن إعادة سفير أرمينيا في إسرائيل. (السفارة الأرمنية فتحت في إسرائيل قبل بضعة أسابيع) للتشاور كاحتجاج على توريد السلاح الإسرائيلي لأذربيجان. من جهة، تقيم إسرائيل وأرمينيا علاقات دبلوماسية، وللدولتين تماثل في جملة مواضيع، بينها قتل الشعب الأرمني على أيدي تركيا (والذي يذكر إلى جانب الكارثة) وحقيقة أن الدولتين محوطتان بدول إسلامية معادية. إضافة إلى ذلك، اقتربت إسرائيل من أرمينيا في السنوات الأخيرة على خلفية تدهور العلاقات بينها وبين تركيا، كنتيجة لسياسة أردوغان المناهضة لإسرائيل. وفي السنوات الأخيرة تتردد إسرائيل في مسألة هل تعترف بقتل الشعب الأرمني كرد على سياسة أردوغان – الخطوة التي من المؤكد ستدهور العلاقات مع تركيا أكثر فأكثر.
من جهة ثانية، فإن لإسرائيل وأذربيجان علاقات مهمة. فلإسرائيل مصلحة أمنية في الحفاظ على العلاقات مع الأذربيجانيين، أولاً لأن أذربيجان مجاورة لإيران، وهو واقع يعزز ردع طهران. وثانيًا بسبب بيع وسائل قتالية من إسرائيل للأذربيجانيين؛ وثالثاً تشكل أذربيجان لإسرائيل مصدراً مهماً للطاقة، إذ تشتري إسرائيل النفط منها. على الهدف الإسرائيلي أن يكون المناورة بين الاعتبارات المتضاربة وإرضاء الطرفين. مثلاً، يمكن لإسرائيل أن تعمل من خلف الكواليس مع الدولتين في محاولة للوصول إلى تفاهمات حول تأخير توريد السلاح إلى أذربيجان في فترة القتال. في مثل هذا الوضع، سيكون بالتأكيد رضى سواء من أرمينيا أم من أذربيجان. خيراً تفعل القدس إذا ما حافظت على الحيادية وألا يغريها رد من طرف واحد في صالح أحد الطرفين في المواجهة الحالية.
بقلم: عومر دوستري
باحث في معهد القدس للاستراتيجية والأمن
معاريف 8/10/2020
عندما تتقاطع مصالحك مع مصالح الكيان الصهيوني فاعلم بأنك بالجانب الخطأ .بعيدا عن المشاعر والتعصب الاعمى.