هل تشكل السعودية تهديدا لدوريات أوروبا الكبرى؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: «في رأيي الدوري السعودي أصبح أفضل، الموسم القادم سيكون أفضل بكثير، خطوة بخطوة، أعتقد أن الدوري سيكون ضمن أفضل 5 دوريات حول العالم، لكن يحتاج الوقت واللاعبين والبنية التحتية، أعتقد أن هذا البلد لديه إمكانيات مذهلة، أُناس مذهلون، والدوري سيكون رائعا في رأيي» بهذه الكلمات التي تُرجمت الشهر الماضي إلى كل لغات البشر، ضرب ملك كرة القدم كريستيانو رونالدو، عصفورين بحجر واحد، الأول وهو الأهم، تفعيل الشروط المتفق عليها في عقده الخرافي، بتغيير الصورة البائسة المحفورة في الأذهان عن الدوري السعودي والكرة العربية عموما، وذلك بالترويج لدوري روشن وخطط القادة والمسؤولين، لتحويل المملكة إلى قوة استثمارية عظمى في عالم الساحرة المستديرة ضمن ما تُعرف بـ «رؤية 2030» والثاني تشجيع أصدقاء وخصوم الأمس القريب في أوروبا، من أجل اللحاق به في المملكة.

ماذا بعد بنزيما وميسي؟

لاحظنا حالة من الجدل واللغط في ردة فعل الإعلام الغربي على انتقال أسطورة ريال مدريد كريم بنزيما إلى اتحاد جدة السعودي، ما بين آراء كانت وما زالت تُحذر عمالقة الكرة في القارة العجوز مما وُصف بـ «التهديد السعودي» على اعتبار أن الآتي سيكون أكثر خطرا على الأندية المرموقة في الدوريات الخمس الكبرى، وآخرون يرفضون المبالغة، بمقارنة الثورة السعودية الحالية بالنموذج الأمريكي القديم وما حدث قبل سنوات في الصين واليابان، منهم زميلي سابقا في منصة «Goal» ماركو دويل، الذي تساءل في تحقيق مطول عنوانه «هل يشكل دوري المحترفين السعودي خطرا على أندية النخبة في أوروبا أم مجرد دوري تقاعدي فاخر للعواجيز؟». لكن بإلقاء نظرة واقعية على ما يحدث في المملكة النفطية منذ قدوم صاروخ ماديرا إلى النصر العالمي، والحديث عن الصفقات الرنانة المستهدفة بعد توقيع الاتحاد مع صاحب «البالون دور» بنزيما، أمثال سيرخيو راموس، ونغولو كانتي، ونيمار جونيور، ولوكا مودريتش، ولوكا مودريتش، سنلاحظ العامل المشترك بينهم، أنهم في خريف عمرهم الكروي، بالعربي البسيط لاعبين «ميغا ستار» لكنهم تجاوزا مرحلة الذروة داخل المستطيل الأخضر بعد الوصول أو الاقتراب بدرجات متفاوتة إلى منتصف عقد الثلاثينات. وكما نعرف جميعا، ما تسبب في إفساد الخطة وأخذها إلى القمة بأثر فوري، ما فعله الفضائي ليونيل ميسي، بتمنعه على عرض الهلال العاصمي، بعد مفاوضات شاقة يُقال إنها بدأت منذ عودة البرغوث من رحلة مونديال الأحلام القطري، أملا في إقناعه بالتوقيع للزعيم، لإحياء صراعه الأزلي مع الغريم التاريخي كريستيانو رونالدو في الرياض، لكن في الأخير تجاهل العرض الفلكي، وفَضل الذهاب إلى إنتر ميامي الأمريكي، وفعل ذلك لأسباب عائلية، كما أوضح في مقابلة حصرية مع صحيفة «موندو ديبورتيفو» الكاتالونية، معترفا بشكل لا لبس فيه، أنه لو كان الأمر يتعلق بالمال، لاختار الذهاب إلى المملكة أو أي مكان آخر، في إشارة واضحة إلى أنه رضخ لرغبة زوجته أنتونيلا، بحثا عن الاستقرار وضمان حياة أفضل للأطفال في المستقبل هناك في ميامي، تلك المدينة شبه الإسبانية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الرفض في حد ذاته، كان بمثابة «النكسة» للتوجه السعودي الجديد، الذي كان يرتكز على فكرة توسيع دائرة الانتشار، من خلال استقطاب أفضل اثنين في التاريخ المعاصر قبل توقفهما عن اللعب، الأمر الذي كان سيسهل إنجاز باقي الخطة، بفتح الباب على مصراعيه أمام صفوة نجوم العقد الماضي في الدوريات الأوروبية الكبرى، الذين يفكرون جديا في الانتقال إلى الخطوة التالية والأخيرة، بالاكتفاء باللعب والقتال في أعلى مستوى تنافسي، والبحث عن تأمين مستقبل الأطفال في دوري تقاعدي للمسنين.

أضواء أوروبا وصداع الرواتب

يشهد الداني والقاصي بالتحول الثقافي التاريخي في المملكة في عهد ما يُعرف في وسائل الإعلام العالمية بـ «الحاكم الفعلي للسعودية» الأمير محمد، وهذا نشاهده ونتابعه يوميا في حفلات الترفيه الصاخبة، وباقي مشاهد الانفتاح، التي تبدو صادمة للبعض في المنطقة العربية، لكن ما حدث مع ميسي، يعطي مؤشرات لاحتمال تكراره مع نماذج أخرى، بسبب الصورة المحفورة في الأذهان عن التقاليد الثقافية والدينية والقوانين الصارمة في السعودية، بعبارة أخرى، لن يتأثر كل نجوم الصفوة بالأموال الهائلة المعروضة في دوري روشن، خاصة الذين يفكرون بطريقة أنتونيلا ميسي، والعكس تماما للمشاهير المسلمين والعرب، الذين يراودهم دائما حلم الإقامة والعيش في بلاد مهد الإسلام، والدليل على ذلك ما قاله أبو إبراهيم – بنزيما – فور توقيعه على عقده مع الاتحاد «أنا مسلم وهذه دولة مسلمة، ولطالما تمنيت العيش هنا». ومؤخرا بدأت تنتشر تسريبات بشأن انفتاح نجم مانشستر سيتي وقائد المنتخب الجزائري رياض محرز، على فكرة الذهاب إلى الدوري السعودي، حتى أن بعض المصادر التي تحظى بمصداقية لا بأس بها، أكدت أن رئيس نادي أهلي جدة، العائد مجددا لدوري الكبار، طار إلى عاصمة الضباب بعد نهائي دوري أبطال أوروبا، لجس نبض رياض ومعرفة شروطه، قبل الدخول في مفاوضات مع مسؤولي السكاي بلو، وقيل أيضا، أن المسؤولين في النادي الساحلي المُلقب بـ «قلعة الكؤوس» عرضوا على بيئة محرز ما مجموعه 10 أضعاف راتبه الحالي مع فريقه في الدوري الإنكليزي الممتاز، تحديدا 100 مليون يورو بعقد مدته موسمين، بخلاف مكافأة التوقيع وحوافز نهاية الموسم، وامتيازات أخرى تصل لضعف راتبه، إذا وافق الطرفان على تمديد العقد لموسم ثالث، وهذا يعني أن المشروع السعودي لا يستهدف بالضرورة ألمع الجواهر الشابة وفئة النجوم الذين يعيشون مرحلة النضوج الكروي في منتصف العشرينات، وذلك بطبيعة الحال، لهوس هؤلاء بفكرة المنافسة على الألقاب الكبرى في أوروبا بوجه عام، وإنكلترا بالتحديد التي تستحوذ على نصيب الأسد في الأموال التي تُحرك اللعبة بُرمتها، لذا سيكون من الصعب جدا، إغراء أي نوع آخر غير ما يُعرفون بـ «المحاربون القدامى» في أوروبا، هذا بخلاف السمعة القديمة الرائجة في أوروبا وأمريكا الجنوبية، استنادا إلى بيان رابطة اللاعبين المحترفين بالفيفا «فيفبرو» الذي تعمد تشويه سمعة الأندية والكرة السعودية العام الماضي، بتحذير واضح وصريح للاعبين الأجانب، لتجنب الدخول في صدمات ونزعات قضائية مع الأندية السعودية، بعد وصول شكاوى المحترفين الأجانب من عدم التزام الأندية بدفع الرواتب واستسهال خيار فسخ العقود، إلى مستويات غير مسبوقة في مثل هذه الأيام 2022 وهذه النظرة التشاؤمية، قد تجعل بعض المواهب ومشاهير الصف الثاني في أوروبا، يُعيدون النظر حول فكرة الذهاب إلى دوري روشن، أما الصفقات الكبرى التي تفوق مفهوم كرة القدم، فبنسبة كبيرة، ستكون في مأمن من هذه الإشكالية.

التجربة الصينية
والقوة الناعمة

لو عُدنا بالذاكر ست أو سبع سنوات إلى الوراء، سنتذكر النموذج الصيني، الذي حاول هز عرش أندية أوروبا في الفترة بين 2016 و2018 ما عُرفت بسنوات الطيور المهاجرة من أوروبا إلى بلاد التنين، ذاك المشروع الطموح، الذي استهدف في الأساس الذين تجاوزا مستوى الذروة في أوروبا، مع بعض الاستثناءات، التي تجلت في الصفقات البارزة للغاية، لعل أبرزها صفقة انتقال الشاب البرازيلي آنذاك أوسكار من تشيلسي اللندني إلى فريق ميناء شنغهاي، ووقتها قال المدرب الإيطالي المثير للجدل أنطونيو كونتي عندما كان مدربا للبلوز «السوق الصينية لا تشكل خطرا على تشيلسي فقط، بل على كل فرق أوروبا». ورغم استمرار الأندية الصينية في خطتها، بالحصول على توقيع عدد لا بأس به من مشاهير الدوريات الأوروبية، إلا أنه سرعان ما انفجرت الفقاعة، بانسحاب جماعي لرؤوس الأموال التي كانت تمول تلك الصفقات، بعد الاصطدام بأول عقبة، تأخر انتشار وتطوير الدوري جماهيريا وإعلاميا، ثم ما وُصف بالضريبة المفاجئة التي فرضتها الحكومة على الصفقات الأجنبية، وما قضى على الفكرة تماما، ما حدث بعد الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا، والتي تسببت في إلغاء الشراكة بين الأندية والشركات الممولة لهذا الاستثمار، لكن من قبل حتى تفكك المشاريع الصينية، التي كانت تُغري اللاعبين بأموال تفوق رواتبهم في بلدان كرة القدم الحقيقية، قبل التضخم المخيف في أسعار وأجور اللاعبين في السنوات الخمس الماضية، لم يُسحب البساط من تحت أقدام جبابرة البريميرليغ والبقية المعروفة بقوتها الشرائية في باقي الدوريات الخمس الكبرى، وهذا المتوقع حدوثه أو تكراره أمام الثورة السعودية، لعدم تمتع دوري روشن، بقوة الجذب في قمصان أندية النخبة في القارة العجوز، على غرار ما فعله فلورنتينو بيريز في ولايته الأولى مع ريال مدريد في بداية الألفية، بضم صفوة نجوم اللعبة آنذاك أمثال زين الدين زيدان، لويس فيغو، رونالدو الظاهرة، وديفيد بيكهام وآخرين بنفس الوزن والشهرة الطاغية، كأننا نتحدث عن كيليان مبابي ومحمد صلاح وإيرلينغ براوت هالاند وفينيسيوس جونيور وباقي نجوم الزمن الحالي، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن.. هل سنشاهد زحفا جماعيا لهذا المستوى من المحترفين الميغا ستار في الدوري السعودي؟ بالطبع أكثر المتفائلين بمستقبل الدوري وجعله ضمن أقوى 5 دوريات في العالم، لا يتوقع حدوث ذلك، على الأقل على المدى المتوسط.

قوة كروية عظمى

صحيح البعض يراهن على تكرار ومواجهة مصير التجربة الصينية، من منطلق أن أموال النفط لن تدوم إلى الأبد، لكن البعض الآخر، يرى كرة القدم، جزءا من خطة المملكة لتنويع طرق الاعتماد على الاقتصاد في «رؤية 2030» بعد عقود من الاعتماد المفرط على عوائد تصدير الذهب الأسود، وما يدعم هذا التوجه على الأقل لنهاية العقد، الفارق الجوهري بين الثقافة الكروية بين الشعب السعودي ونظيره الصيني، إذ تقول الإحصائية الصادرة عن الرئيس التنفيذي لدوري روشن، أن 80 في المئة من السعوديين، يتابعون المركولة المجنونة ويحرصون على المشاهدة من داخل الملعب، وهذا يظهر بوضوح منذ تخفيف القيود، بالسماح بدخول العائلات في مدرجات خاصة، وهذا في حد ذاته، يضمن للحكومة أو النظام الذي ينفق على هذه الخطة، عدم الاستمرار في التمويل بنفس السخاء، بعد تطبيق كافة شروط الاحتراف، بما في ذلك القرار التاريخي المقرر تفعيله مطلع تموز/يوليو المقبل، بالسماح للشركات بالاستثمار في أندية روشن، في محاولة جريئة لجذب المستثمرين، على طريقة استثمارات الملاك الأجانب والمحليين في الأندية الإنكليزية. وقبل هذا وذاك، دعونا لا ننسى أهداف المملكة المشروعة لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030 بعد انبهار الأمير محمد بن سلمان، بالنموذج القطري الذي فاق أحلام وتوقعات الجميع، ولعلنا تابعنا في أكثر من منصة إعلامية، أن واحدا من أسباب دعم هيئة الرياضة للأندية في الصفقات المدوية، هو التمهيد للحملة الترويجية لملف استضافة المونديال بعد المقبل، بالاعتماد على جيش النجوم والأساطير التي سيتم توزيعها على الكبار الأربعة الهلال، النصر، الاتحاد والأهلي، وبدرجة أقل الشباب، وكل ذلك، لتحقيق الهدف الكبير، بتحويل السعودية إلى قوة استثمارية عالمية في كرة القدم، كما هي الحال على مستوى الطاقة في الوقت الحالي، ويتجلى ذلك في الاهتمام الملحوظ باستضافة الأحداث الكروية العالمية، على غرار نسخة كأس السوبر الإسبانية الرباعية، وأيضا كأس السوبر الإيطالية وفكرة كأس مارادونا، والآن منافسة قطر في رعاية وإقامة كأس السوبر الأفريقية، وكل ما سبق، يأخذنا إلى الواقع والحقيقة، أنه مع استمرار الوضع الحالي كما هو عليه، أو كما نقول «إذا جرت الأمور» كما يخططون لها، باستقطاب ألمع وأشهر المحاربين القدامى في إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، فبنسبة تزيد عن 90 في المئة، ستحدث قفزات تاريخية في القيمة السوقية لدوري روشن، وهو هدف طموح للجميع، لكنه يحتاج لمزيد من الوقت والصبر، حتى يتحقق الهدف المنشود على المدى البعيد، ولو أنه بعد الاندماج التاريخي في لعبة الغولف لدوري بي جي أيه الأمريكي ودوري دي بي وورلد تور، في اتفاقية مع دوري ليف غولف، المدعوم من قبل الصندوق السعودي، يمكن القول، أنه لا يمكن استبعاد أي شيء فيما يخص الاستثمار في المملكة، طالما يتم توجيه واستغلال المال بشكل جيد لمزاحمة بلدان كرة القدم الحقيقية مع نهاية العقد، أما إذا توقف التمويل في مرحلة بناء السمعة والصيت، فسوف تكون نسخة كربونية جديدة للتجربة الصينية، لكن في كل الأحوال، كما اتفقنا أعلاه، ستبقى الأندية الأوروبية آمنة على مواهبها ونجومها الذين يعيشون أوج أوقاتهم في أعلى مستوى تنافسي. والآن السؤال لك عزيزي القارئ.. هل تعتقد أن تجني السعودية ثمار هذا الإنفاق المجنون بوضع الدوري المحلي على خريطة الأقوى عالميا تمهيدا لتنظيم كأس العالم؟ أم ستعيد إلى الأذهان المشهد الصيني؟ دعونا ننتظر ما سيحدث في المستقبل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية