هل تطعَّمت …

حجم الخط
11

هل تطعّمت؟ ألم تشعر بأعراضٍ جانبية بعد التَّطعيم؟ لا أبدًا، بل هي أعراضٌ خفيفةٌ، تشبه تلك التي كانت تظهر في الطفولة بعد التطعيم ضد الحصبة والتيفوئيد والسِّل، وغيرها، هل تذكرونها؟ وأنت لماذا لم تتطعّم بعد؟
-أنا متردّد!
-لا تصدِّق نظريات المؤامرة، ولا الإشاعات، لوكان في التطعيم أي شكٍّ لما تطعم ملايين الأمريكيين والإسرائيليين والأوروبيين وغيرهم حول العالم، القضية ليست فوضى، منظَّمة الصحة العالمية هي التي تصادق على فعالية هذه الأمصال، وتتأكد من عدم وجود أعراض جانبية خطيرة، إلا بنسبة ضئيلة وفي حالات نادرة جداً، تُجرى اختبارات على عشرات الآلاف من البشر قبل تسويقها بشكل واسع، ثم هل أنت أفضل من ملايين المتطعّمين؟ إذا ماتوا فمُتْ أنت معهم، أين المشكلة؟ يجب أن تتطعَّم، فالأجيال الجديدة من الفيروس قد تكون أخطر، فهذا الملعون يطوّر نفسه ومناعته تلقائياً، وقد صار منه عدَّة نسخات، بريطاني، برازيلي، جنوب أفريقي، وقد يصل التُركي والهندي وغيرهم والله أعلم ماذا!
-هل حصلت على جواز أخضر يعفيك من العزل الصحي عند دخول دولة أخرى؟
-لم تعترف أي دولة من دول العالم بالجواز الإسرائيلي الأخضر سوى جورجيا، يبدو أن الرَّشوة وصلت القيادة الجورجية، نتنياهو يوزع أمصالاً مقابل مواقف سياسية، حتى اليونان وقبرص، اللذان كانا قد أعلنا أنهما سيعترفان بالجواز الأخضر الإسرائيلي، تراجعا، وذلك لأن الاتحاد الأوروبي رفض ذلك، وألمانيا أوَّل المعارضين، كي تشجّع السيّاحة الداخلية بين دول الاتحاد لتعويض شيء من خسائر الجائحة، إضافة إلى أن مصداقية الجواز الإسرائيلي الأخضر مشكوكٌ فيها، هنالك طريقة صارت معروفة للحصول عليه مقابل مبلغ بسيط من المال، وقد اعتقل مسؤولون منحوا جوازات خضراء مقابل رشوة مالية، وبالمناسبة فقد تراجع تصنيف إسرائيل في سلم الفساد والشفافية، كانت في يوم ما أقل فساداً، في السنوات الأخيرة تراجعت كثيراً، بسبب حملة الفساد التي يقودها رئيس الحكومة شخصياً.
أصحاب المحلات التّجارية، وأصحاب المطاعم والمقاهي يرحِّبون بالزبائن، ويقولون لسنا شُرطة، كي نسأل كل زبون عن بطاقة خضراء، نحن نريد عملاً، كي ننقذ ما يمكن إنقاذه من المصلحة، لقد أفلست كثير من المطاعم والمقاهي والمصالح رغم الدّعم الحكومي، ويبدو أن من لم يكن يُسجِّل دخله بأمانة في العام 2019 للتهرَّب من دفع الضرائب دفع الثمن في عام 2020، لأن الحكومة تدعم حسب الدخل الذي كان يقدّم إلى مصلحة الضرائب، وهكذا من غشَّ الحكومة قبل الجائحة خسر دعمها، هذا الدعم وصل إلى حوالي ثمانية وأربعين مليار دولار حتى أواخر العام المنصرم، ولكن لا خوف على الاقتصاد الإسرائيلي.
في إحدى سنوات الخمسينيات أمحَلت، فأخبروا دافيد بن غوريون رئيس الحكومة في حينه وهم قلقون بأنه عام محل، فضحك وقال: هل يوجد محلٌ في أمريكا؟
فقالوا لا، فرد عليهم: لا مكان لأي قلق ما دامت أمريكا بخير. طبعاً لدى أمريكا مشاكلها، ولكن الأب لا يتخلى عن ابنه.
قبل أيام، كانت بلدتنا مصنّفة كبلدة صفراء، وأوشكنا أن ندخل اللون الأخضر، المنطقة الآمنة، ولكنَّ موجة جديدة من المصابين أعادتنا إلى الأحمر، هذه الزيادة المفاجئة تحدث عادة بعد وفاة شخص، حيث يتجمَّع الناس في بيوت العزاء بدون حذر، يضعون الكِمامات على ذقونهم، يا جماعة، الإنسان لا يتنفس من ذقنه، الكِمامة للحماية من الفيروس وليست خوفاً من مخالفة الشُّرطة، الإحصاءات التي نشرتها صحف إسرائيلية كشفت أن تسجيل الغرامات في البلدات العربية أكثر بكثير من البلدات اليهودية.
أعترف أن كثيرين منا غير منضبطين، أحد الأسباب هو أننا لا نخدم في الجيش، الخدمة العسكرية تعلّم الشّباب الانضباط مدى الحياة، نحن كعرب نرفضها أصلاً في جيش الاحتلال، ولهذا ينشأ أبناؤنا غير منضبطين، إضافة إلى الاكتظاظ السُّكاني في البلدات العربية، ولهذا نرى أن أوّل خمسة وعشرين بلدة حمراء في داخل الخط الأخضر هي بلدات عربية باستثناء أربع من بلدات الحريديم اليهود.
خالي ابن التسعين عاماً، استقر في غزة منذ أواخر الخسمينيات من القرن الماضي، بعد تنقلات بين مخيمات جنين والوحدات وبرج الشمالي وعين الحلوة، استقر في مخيم الشاطئ، ثم في غزة البلد، اتّصلت لأطمئن عليه.
فقال: بارك لي يا خال..
-مبروك يا خال، على شو؟
-بالأمس استعملت العكّاز لأول مرّة!
-آه مبروك مبروك، ظننت أنك تطعَّمت…
-لا، نحن ننتظر حتى يصلنا الدّور، لقد بدأوا في تطعيم الطواقم الطبية، ونحن نؤمن بأن ما كتبه الله لنا فهو ما سيحدث، كلنا سنموت، ولكن لكل موت سبب وتوقيت، لا يقدّمون ساعة ولا يستأخرون، سنموت بكورونا أو بغيرها.
-اعقل وتوكّل يا خال، ضع كِمامة عند الخروج من البيت.
-نعم، أنا أضعها حتى داخل البيت إذا دخل الأولاد أو الأحفاد.
نتحدث عن البلدة والتغييرات والناس والسِّياسة، وبين حين وآخر تتكرَّر مني ومنه كلمات، الله يرحمه الله يرحمه.
ها قد أقاموا محطات تطعيم لـ 120 ألفاً من العمال الفلسطينيين الذين يدخلون للعمل داخل الخط الأخضر وفي المستوطنات، وهؤلاء يدخلون بترخيص عمل وحجز مسبق، أما المساكين الذين يدخلون خلسة وتسلّلاً، فقد قُتل كثيرون منهم برصاص حرس الحدود وجيش الاحتلال وهم يحاولون التسلّل من فتحات يحفرونها في الجدار العنصري وتحته للوصول إلى مكان يبيعون فيه قوَّة عملهم.
ابنة خالتي التي ولدت في أحد مخيمات جنوب لبنان، ثم انتقلت للعيش في صور، ترسل لي في كل صباح أدعية بالرِّزق الحلال والتوفيق، تتابع ما أنشر، وأحياناً تعقّب على منشوراتي بدعاء لي بالتوفيق، معظم ما تنشره نقلٌ عن السّلف الصالح.
زارت فلسطين في معيّة خالتي منذ عقود، كانت طفلة، الآن صارت تحكي لي عن أحفادها.
تحدثنا صوتياً عن الشؤون العامة وعن الفيروس، هل تطعمت؟
-لا، يا بن خالتي، حتى الآن لم نتطعَّم، نحن والسوريون غرباء وننتظر، الأمر لا يسير بسهولة، هناك بعض التعقيدات بالنسبة للاجئين، الأونروا تتحمل مسؤولية تطعيم اللاجئين، وقد توصلوا لاتفاق مع الحكومة اللبنانية، وها نحن ننتظر.
ولكن ما مصير غير المسجلين في الأونروا؟ وما مصير ملايين النازحين السوريين في لبنان والعراق والأردن وتركيا وغيرها…

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فاضل علي:

    رائع كالعادة..اجمل سلام…

  2. يقول هاني كيوان:

    تتسارع عمليات التلقيح عالمياً في مختلف دول العالم، ففي الوقت الذي كان يتم فيه تطعيم نحو 500 ألف شخص في اليوم، عالمياً، منذ بدء إنتاج اللقاحات الشهر الماضي، بات يتم تطعيم نحو 4.5 مليون شخص يومياً حسب الإحصائيات الأخيرة.
    المواطنون يأملون أن يطبق تخفيف الإغلاق الذي يرتسم حالياً مع تلقيح ألاغلبيه.
    فبعدما تحقق الهدف الطموح؛ القاضي بتلقيح الفئات الأربع الأولى التي تضمّ أكثر الأشخاص ضعفاً (فوق 70 عاماً إضافة إلى المعالجين الطبيين بشكل خاص) شهري شباط/فبراير، تم توسيع برنامج التلقيح ليشمل الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 65 و69 عاماً.
    ومع تراجع عدد الإصابات ودخول المستشفيات، جاء النبأ ليثير آمالاً لدى الجميع برفع سريع للإغلاق؛ حيث ما نأمل رؤيته هو تقدم لا عودة عنه؛ لكن بحذر.
    ومع ذلك هناك مجموعتين متناقضتين :حيث يزعم الممتنعين بحجه الأضرار والأعراض الجانبيه او نظرية المؤامرة والمجموعة الأخرى المحرومه حكوميا وسياسيا من التطعيمات .

  3. يقول حسين حمود:

    خوفنا بات على الذين بنتظرون اللقاح او التطعيم حتى يصلهم ونحن نخاف من المصل او اللقاح الذي ينتظرنا اي مفارقة ما بين هذا وذاك في المواقف الحياتيه شيء محزن للأسف.
    كان الله في عون ذاك الشعب الفقير الذي بات لا حول له ولا قوة.
    سلم فكرك النير اديبنا المرموق.

  4. يقول هاديه:

    يعطيك الف عافيه سلمت وسلم فكرك النير
    كان الله في عون الشعب المغلوب على امره ليس له حول ولا قوة

  5. يقول كمال - نيويورك:

    الجهل و الفقر أشد أعداء البشر، اللهم عافنا في من عافيت. لقد أخذت اللقاح اليوم.

  6. يقول ريم شكيب مناع:

    أشكرك جدا على إشراكي بمقالتك الرائعة يستفزني جدا أولئك الذين لا زالوا يرفضون التطعيم ببحجة نظرية المؤامرة وكأنه الكون اقتصر عليهم وانحصر فيهم وحفظ أهلنا في الضفة والشتات . ولكني لحظت أسلوبا مختلفا عن كتاباتك التي شهدتها في مقالاتك السابقة اعجبني وشدني كثيرا . تحياتي الكاتب المتميز دائما

  7. يقول اضاءة في زمن الغموض:

    يبدو ان التطعيم مبدأ ثابت، خصوصا لكبار السن والفئات المهنية الطبية ذات المخاطر العالية، لكن هنالك تحفظات على لقاحات لم تخضع لخمس سنوات من التجارب البشرية للتأكد من غياب الاثار الجانبية الخطيرة طويلة الاجل (لا تظهر الا بعد سنوات!). اذن هي نوع من المخاطرة بين خطرين. ثم ان هنالك التحور في الفيروس واثره على فعالية المطعوم. عودوا الى خالقكم.

  8. يقول الفائض:

    الحكومة الأمريكية حاليا تشتري كميات هائلة من اللقاح مع احتمال حدوث فائض في المستقبل، المهم أن صحافيا سأل الرئيس بايدن عن كيفية التصرف بهذا الفائض المحتمل من اللقاح فأجابه بأنه سوف يتم توزيعه على الدول التي تحتاجه لضمان القضاء على الفيروس في العالم لأن أي بؤرة متبقية للوباء سوف تؤدي إلى نشوء سلالات جديدة للفيروس تنتقل إلى الدول الأخرى. هذا الموقف ذكرني بمواقف نتنياهو و الإمارات و ما يمارسانه من الابتزاز السياسي في هذا المجال. لا أخفي عليك أخي العزيز الأستاذ سهيل بأنني أشعر بالارتياح بعد قلق لازمني في بداية الجائحة بأن تكون دولة العدوان والاحتلال سباقة إلى إنتاج اللقاح و تظهر بمظهر الدولة التي تخدم الإنسانية بما يخالف حقيقتها التي نعرفها.

  9. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

    السلام عليكم
    تحية طيبة مباركة للجميع قرّاء ومعلقي القدس العربي وطاقمها و(سي سهيل)
    إنّ خوف الناس من “التطعيم” له ما يبرره كل حسب ما يعتقد به , فمنهم من يؤمن بأنّ الأجال لا يتقدم ولا يتأخر ولذلك ما الفائدة من التطعيم والأجل أت ــونسي أنّ لكل داء دواء ــ كما أوصانا رسولنا الكريم
    والبعض من يرى في المنظومة الصحية ليلاده غير جذيره بالثقة فيم تعلن عليه من إحصائيات مرضى ووفيات “كوفيد19” وكذلك بعض المعلومات عن ما تستورده من مواد غذائية مغشوشة وغير صالحة للإستهلاك فمابالك باللقاح وقد جاء في ظروف خاصة وإستثنائية فالكثير رأى في العملية أنّها تجارية محضة…ورأوا في عملية الإشهار للقاح في صورة أنّ بعض المشاهير والشخصيات يتلقون التطعيم ما هو إلّا عملية تمويه للعامة…لكن هذا الوهم الذي سيطر على الكثير منّا يجب أن يبدد ويتلاشى :
    أولا: إعادة الثقة للمواطن وتقريب المعلومة منه
    ثانيا: يجب على السلطات أن ترفع الحجاب عن بعض “الطابوهات” التي لا ينفع معها الحجب
    ثالثا: أن يكون المواطن على صلة بوطنه ويثق في رجاله ليس كل مسؤول خائن
    رابعا:تقريب المسافة بين المسؤول والمواطن خطوة لترميم ما أفسده الخونة ولبنة في بناء الوطن
    ولله في خلقه شؤون
    وسبحان الله.

  10. يقول رسيله:

    مقاله رائعه كاتبنا تتلخص في الحقوق الطبيعية التي يجب على الإنسان التمتع بها و هي حقوق تولد مع الإنسان وكيف ان من واجب الدولة أن تحافظ عليها, بحيث لا يجوز للسلطة حرمان الفرد منها, هذه الحقوق تشمل: الحق في الحياة والأمن وسلامة الجسد.
    حيث ان من حق كل إنسان أن يحصل على حماية لحياته وسلامته ألجسديه وأمنه وأن لا يعيش في خوف من أن يحصل له مس جسدي او نفسيي.
    وينطوي التصدي للوباء على إمكانية التأثير على حقوق الإنسان لملايين البشر. أولاً وقبل كل شيء، فحق الفرد في الصحة، مكفول بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على الحق في الوصول إلى الرعاية الصحية، والحق في الوصول إلى المعلومات، وحظر التمييز في تقديم الخدمات الطبية، وعدم الإخضاع للعلاج الطبي دون موافقة المريض، وغيرها من الضمانات المهمة.(يتبع)

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية