إسطنبول ـ «القدس العربي»: خلال الأيام الأولى لوقوع حادثة اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول تعاملت الجهات الرسمية والإعلامية التركية بطريقة ساد فيها الإرباك والتضارب ما أعطى انطباعاً سلبياً على الصعيدين الداخلي والخارجي، وولد شكوكاً واسعة حول مدى قدرة أنقرة على التعامل مع هذا الملف بطريقة أفضل سياسياً وامنياً وإعلامياً.
لكن هذه الحالة من الإرتباك لم تستمر أكثر من يومين أو ثلاثة أيام حتى بدأت أنقرة تتعامل مع الملف بحرفية أكبر على كافة الصعد وهو ما ظهر جلياً بنجاحها في إثارة القضية إعلامياً وتدويلها، وهو ما ساهم في المحصلة في تشكيل رأي عام دولي الأمر الذي ترجم على الصعيد الرسمي بضغوط هائلة على السعودية لكشف مصير خاشقجي ووعودات بمعاقبتها في حال ثبوت إدانتها بقتله.
وعلى الرغم من أن أنقرة عملت ـ ظاهرياً ـ على عدم إظهار القضية على أنها أزمة سياسية بين بلدين (تركيا والسعودية) واتجهت إلى إعطائها انطباعاً جنائياً وقضائياً، إلا أن التطورات الأخيرة كشفت عن تركيز تركي كبير على محاولة اثبات علاقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المباشرة عن العملية التي جرى تنفيذها ضد خاشقجي، وهو ما يعني في حال إثباته بالأدلة الجنائية والقضائية تشكيل رأي عام عالمي ضده وصولاً إلى إنهاء وجوده بالحكم في المملكة.
وتؤكد تركيا على الدوام رغبتها في إقامة علاقات استراتيجية مع السعودية، إلا أن أوساطها الرسمية تعلم جيداً توجهات محمد بن سلمان نحو تركيا ومساعيه الدائمة لتحجيم نفوذها وضرب استقرارها حسب ما يقول كتاب أتراك مقربون من الحكومة، وبالتالي فإن إنهاء وجوده في دائرة الحكم بالمملكة هو رغبة تركية جامحة لكنها غير معلنة.
واتجه الإعلام التركي لا سيما الموجه من قبل الحكومة التركية والحزب الحاكم إلى التركيز على مسؤولية محمد بن سلمان عن العملية ومحاولة إثبات أنها نفذت من أشخاص مقربين منه وبأوامر مباشرة إلى جانب التأكيد على التفريق بين العلاقات السعودية التركية، وما قام به محمد بن سلمان، حسب طرحها، في محاولة لعدم ظهورها في قالب المعادي للسعودية كدولة وإنما لأحد أعمدة الحكم فيها فقط.
وبدأت تركيا أولى خطواتها عندما قررت التريث في ملف خاشقجي، وعدم كشف كل ما لديها من معلومات ومؤشرات على مقتله، وتجنب أي تصريحات سياسية مباشرة ضد السعودية، مع التركيز على عملية البحث الجنائي في القضية.
وفي هذا الإطار، ولتشكيل ضغط أكبر على السعودية، وعلى الرغم من أن كافة المؤشرات تؤكد امتلاك تركيا أدلة هامة تثبت مقتل خاشقجي منذ اليوم الأول، إلا أنها فضلت الضغط على السعودية من خلال التسريبات لإجبارها على الاعتراف بما حصل، وهو ما وصلت إليه التطورات فعلياً حتى الآن.
حيث قامت الجهات الأمنية التركية بتسريبات منظمة وتدريجية، وكان كل تأخير أو رفض أو مماطلة سعودية في التعاون مع المحققين الأتراك يرافقه تسريب مهم ومنظم يزيد الضغط على السعودية ويدفعها للتعاون في فرق التحقيق التركية.
ومنذ الأيام الأولى، عملت تركيا ضمن خطة منظمة لتدويل القضية من خلال الإعلام، وتمكنت بالفعل من جعل قضية خاشقجي الأبرز في كافة وسائل الإعلام العالمية، وذلك من خلال بث التسريبات إلى الصحف الأمريكية ووكالات الأنباء العالمية وأقوى وسائل الإعلام العربية، بدرجة أكبر مما تم منحه من تسريبات لوسائل الإعلام التركية المقربة من الحكومة.
تسريبات إعلامية منظمة هدفت لتدويل القضية وزيادة الضغط على السعودية
وعلمت «القدس العربي» من مسؤولين في وسائل إعلام تركية كبيرة أنهم احتجوا بقوة لدى أعلى المستويات في الدولة على أنهم الأحق بالحصول على التسريبات كون الحدث وقع في تركيا، لكن المسؤولين الحكوميين ردوا عليهم بأن ذلك يأتي في إطار عمل منظم لتدويل القضية، حيث بدأت التسريبات بمنح صحيفة واشنطن بوست صورة خاشقجي لأول مرة، وفحوى التسجيلات الصوتية لوكالات الأنباء العالمية، إلى جانب منح قناة الجزيرة الأكثر تأثيراً في العالم العربي الكثير من التسريبات الهامة.
وفي مرحلة لاحقة، ركزت تركيا عقب نشر صور السعودية الـ15 المشتبه أنهم «فريق الاغتيال» الذي أرسل خصيصاً من السعودية لتنفيذ عملية خطف أو قتل خاشقجي، ومنحت وسائل الإعلام التركية معلومات مفصلة عنهم تركز على مناصبهم وصلاتهم مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو ما ولد الانطباع العالمي الأولي بأن العملية نفذت بأوامر مباشرة من ولي العهد.
وإلى جانب صورهم التي التقطت في مطار أتاتورك بإسطنبول نشرت صور الكثير من أعضاء الفريق وهم إلى جانب محمد بن سلمان في مناسبات رسمية أو حفلات تكريم أو كونهم أعضاء مباشرين في طاقمه الأمني المقرب داخل السعودية وخلال زيارات خارجية له.
وفي المرحلة الأولى أعلنت تركيا عن معلوماتهم الكاملة للإعلام التركي الذي عمل مع الجهات الرسمية على نشر التفاصيل الكاملة لارتباطاتهم المباشرة بأجهزة الأمن المقربة من بن سلمان وعلاقاتهم معه وصورهم إلى جانبه ضمن الفريق الأمني الضيق الخاص بالأخير.
والثلاثاء أيضاً، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ ماهر عبد العزيز مترب، المقرّب من بن سلمان، هو من بين الأشخاص الذين حدّدت السلطات التركية أنهم مسؤولون عن اختفاء خاشقجي، وأوضحت بالصور أن مترب رافق وليّ العهد خلال زياراته للولايات المتحدة في آذار/مارس 2018 ولمدريد وباريس في نيسان/أبريل 2018.
وأضافت «نيويورك تايمز» أنّ ثلاثة مشتبه فيهم آخرين ـ عرّفت عنهم على أنهم عبد العزيز محمد الحساوي وثائر غالب الحربي ومحمد سعد الزهراني ـ مرتبطون بأجهزة أمن وليّ العهد، وأشارت إلى أنّ هناك رجلاً خامسًا أيضا، هو طبيب شرعي تم التعريف عنه على أنه صلاح الطبيقي وقد شغل مناصب عليا في وزارة الداخلية السعودية وفي القطاع الطبي السعودي، مشيرة إلى أن «شخصية بهذا الحجم لا يمكن أن تديرها إلا سلطة سعودية عليا».
ومع هذه المعلومات التي نشرتها أغلب وسائل الإعلام العالمية، تسعى تركيا في المرحلة الحالية الاستمرار في التركيز على الجانب القضائي، المتوقع أن يصل في النهائية إلى الطريقة النهائية التي جرى من خلالها قتل خاشقجي والأشخاص الذين نفذوا هذه العملية بشكل مباشر وهم موزعون بين موظفي القنصلية والفريق المكون من الـ15 شخصاً الذي وصل تركيا.
وتعتقد أنقرة أن الإثبات الجنائي للمشاركين المباشرين في قتل خاشقجي، سوف ينقل السؤال مباشرة إلى المحطة الثانية وهي البحث عن المسؤول الأمني الأكبر الذي منحهم الأوامر لتنفيذ هذه العملة، ولاحقاً المستوى السياسي الذي أصدر هذا الامر.
وبينما حاول الجانب السعودي لا سيما من خلال اتصال الملك سلمان بأردوغان ومن خلال مبعوث الملك لأنقرة البحث عن حل سياسي لهذه الأزمة، إلا أن أنقرة ما زالت مصرة على اكتمال التحقيقات بجانبها الجنائي والقضائي وأكدت على أنها لا ترغب في تحويلها إلى قضية سياسية وأن الحكومة لا تملك أي تأثير على القضاء الذي يجب عليه مواصلة التحقيق في القضية لكشف كافة خيوطها الجنائية التي ستفتح الباب مباشرة على الجانب السياسي للقضية ما يعني أن ولي العهد سوف يواجه ضغوطاً دولية أكبر وحراكاً داخلياً ربما ينتهي بإنهاء وجوده في الحكم.
هذا تحليل رائع! سياسة الطبخ على نار هادئة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
إن شاء الله تعالى ….. يمهل و لا يهمل !
و حسبنا الله و نعم الوكيل !
SORRY FOR THIS BARBARISM BANAUSOCRACY …. POLICY
اللهم أظهر الحقيقة كاملة وتدين القاتل المجرم .
تحليل ممتاز، ابو منشار فاكر ادارة الدول مثل العاب الVIDEO التى يدمنها
الخاسر الأكبر في هذه المعمعة من خارج المملكة هو دون شك محمد بن زايد الذي سيفقد حليفا مهما جدا ، خصوصا في صراعه مع قطر .
ذكاء أردوغان في استغلال هذه الحادثة للنيل من الطاغية الدب الداشر الذي مابرح هو و عيال زايد يحرضون ضد تركيا و هم من ساندوا الانقلاب و هم من جوعوا الشعب اليمني و هم من تنكروا للثورة السورية و غيرها كثير!!!!