هل تعود كرة القدم إلى بيتها الليلة؟

لم يعد الحديث عن مجرد تمريرة رائعة او تسجيل هدف أو تألق لاعب بالنسبة للجماهير الانكليزية كافياً على غرار كل مشاركة لمنتخبها في بطولة كبيرة، لأنها هذه المرة تعيش نشوة مهولة بحلم احراز لقب لم يسبق له مثيل منذ العام 1966.
نعم، مجرد التأهل إلى المباراة النهائية لكأس الأمم الاوروبية التي يستضيفها استاد «ويمبلي» في العاصمة البريطانية لندن الليلة، قلب المزاج العام في عموم انكلترا، بعد عام ونصف العام على اغلاق متقطع، بين مشدد وملطف، منعاً لانتشار فيروس كورونا. ورغم استمرار انتشار هذا الاخير بتحور جديد أكثر شراسة حمل اسمي «دلتا» و«دلتا بلس»، لم يعد الانكليز يكترثون كثيراً، بعد تلقي غالبيتهم جرعة أو جرعتين للحماية من كوفيد، فكانت التجمعات خارج استاد «ويمبلي»، في ساحات وقاعات عامة وخاصة، اكثر بكثير ممن سمح لهم في الدخول لمشاهدة انتصار «الاسود الثلاثة» على المنتخب الدنماركي الشجاع، وكأن الاكتفاء بثلثي سعة الاستاد سيمنع انتشار الفيروس أو الاصابة به، رغم السماح لمئات الألوف في التجمهر بدون احتراز، ان كان بالتباعد «الاجتماعي» المتعارف عليه، أو بارتداء الكمامات، علماً أن المشهد كان مألوفا في ساحات المدن والعواصم لكل المنتخبات التي شاركت في النهائيات الاوروبية في الاسابيع الاخيرة.
وفي حين صدحت الاغنية الشهيرة «فوتبول از كامينغ هوم» (كرة القدم تعود إلى مهدها) في أرجاء البلاد، بل أصبحت النشيد الوطني للمنتخب قبل كل بطولة كبيرة، الا انها أيضاً باتت تثير حفيظة مشجعي المنتخبات المنافسة، بل نجومها أيضاً، اذا علق حارس الدنمارك قبل الخسارة أمام انكلترا: «هل حقا عادت إلى مهدها… أنتم لم تحرزوا لقب هذه البطولة مطلقاً من قبل»، وهذا الكلام صحيح، علماً ان هذه الاغنية أصدرت في المرة الاولى في 1996 قبيل استضافة كأس الامم الاوروبية في انكلترا، وهو بالضبط ما عنته كلمات الأغنية، بان كرة القدم عادت لتلعب في مهدها، في أرض البلد الذي وضع قوانين هذه اللعبة، ورغم ان الاغنية تطرقت إلى ألم طال 30 عاما بدون احراز لقب (بين 1966 و1996)، فان النغمة السلسة ارتبطت بأمل تحقيق المنتخب اللقب المرجو.
نعم، هو النهائي الأول لانكلترا بعد مرور 55 عاماً، وخوض 27 بطولة، ولعب 302 مباراة، وبمشاركة أكثر من 300 لاعب مختلف، وتحت ادارة 14 مدرباً، حيث نجح المدرب غاريث ساوثغيت، بأسلوبه الفريد والراقي، في كسر الكثير من الحواجز وفك الكثير من العقد، وفي أجواء هادئة، لم يعهدها المنتخب. ففي 34 عاما من عيشي في هذا البلد ومتابعتي لكل البطولات الكبرى التي شارك فيه المنتخب الانكليزي، لم يمر عليه حملة هادئة خلال فترة استعداداته وخلال معسكره التدريبي وخلال مبارياته، مثلما هو الحال اليوم. فرغم الملاحظات على التحفظ الزائد والحذر المبالغ فيه الذي ينتهجه ساوثغيت في أسلوب لعب الفريق، الا انه لم يتعرض للانتقادات اللاذعة كأسلافه السابقين، ان كان من الصحف أو وسائل الاعلام المرئية أو المسموعة او النقاد او النجوم السابقين، لان نتائجه كانت دائما ايجابية، وكأنه يقول: «لا تحكموا على العروض بل على النتائج»، رغم التساؤل عن عدم اشراك الموهبة غريليتش أساسياً، او فودن بصورة اكثر، او سر اختفاء المتألق سانشو، بل عن سبب اشراك الظهير الأيمن تريبيير في مركز الظهير الأيسر، وتهميش المدافع اليساري تشيلويل الذي ساهم في فوز تشلسي بدوري الأبطال. وكانت الاجابة دائما تأتي بالنتائج الايجابية، على غرار تحقيق انتصار في المباراة الأولى للمرة الأولى في اي بطولة يشارك فيها المنتخب، وأيضاً فك العقدة الألمانية بانتصار هو الأول على «المانشافت» في أدوار خروج المغلوب في بطولة كبرى، وأيضاً القدرة على ابقاء شباك الفريق نظيفة بدون استقبال أي هدف في المباريات الخمس الأولى. وبتلقيه هدفاً في المباراة السادسة (امام الدنمارك) يبقى هو صاحب أقوى خط دفاع في البطولة.
لكن الليلة على ساوثغيت ورجاله التخلص من «العقبة الهائلة» الاخيرة، أمام المنتخب الايطالي القوي، والذي بدوره أيضاً حقق أفضل مما توقعه له مشجعوه، بل نجح عقب الاخفاق في التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2018، تحت ادارة روبرتو مانشيني في خوض 33 مباراة على التوالي بلا هزيمة، ونجح في اقصاء المرشحين بلجيكا واسبانيا في الدورين السابقين، بفضل فريق ممزوج بين الخبرة المتمثلة بقلبي الدفاع كيليني وبونوتشي، وبين مجموعة من الشبان الواعدين على غرار كييزا وباريلا ودوناروما.
سجل انكلترا أمام ايطاليا سيئ للغاية، فخلال 14 مواجهة في مختلف المناسبات لم ينجح الانكليز في الفوز سوى بمباراتين، وفي البطولتين الكبيرتين (اليورو وكأس العالم) تعادل مرة وخسر 3 مرات، ولهذا سيكون الطليان الأكثر ترشيحا لاحراز اللقب، رغم عامل الأرض والجمهور، رغم ان الانكليز قدموا أفضل عروضهم في هذه البطولة في المباراة الوحيدة التي خاضوها بعيدا عن «ويمبلي»، وبالتحديد أمام أوكرانيا، وللصدفة، كانت في العاصمة الايطالية روما، لكن يبقى أمل مخترعي اللعبة بأن تعود إلى بيتها الليلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالله السوري:

    ولو انه ليس لنا ناقة ولاجمل في هذه المباراة ولكننا نتمنى فوز الطليان على الإنجليز لانه مهما وصلت زنانة جبنة البرمجانوا الإيطالية الى انوفنا فسوف تبقى مقبولة وليست ثقيلة على المعدة بالمقارنة مع ( منتجات) الإنكليز التي لم ننسى اثارها المدمرة على ( المعدة) العربية حتى ولو انتجوا ملايين المستر بين فلن نستطيع هضمهم

  2. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    تجاح إيطاليا في إحراز اللقب سيتم ترجمته سياسيًا انتصار للإتحاد الأوربي على انكلترا التي خرجت منه ولهذا السبب السياسي بالتأكيد أتمنى فوز المنتخب الإنكليزي لأن السياسة الأوربية مرفوضة كونها تريد فقط إعادة أمجاد الأستعمار كما هو واضح في سياسة ماكرون الشرق أوسطية والإفريقية. طبعًا الإنكليز ليسوا أقل سوءًا من هذه الناحية لكن سياسة الإتحاد الإوربي أصبحت عبىء ثقيل علينا! ومن النفارقات أن إيطاليا تعارض هذه السياسة الأوربية البائسة في ليبيا مثلًا!

إشترك في قائمتنا البريدية