هل تعيد الإمارات المسيرة السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين إلى جدول أعمال الشرق الأوسط؟

حجم الخط
0

صدر الخميس، 13 آب، إعلان رسمي مشترك للولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية، ستبدأ إسرائيل والإمارات بموجبه، في خطوة سياسية نهايتها التطبيع الكامل للعلاقات بينهما. وجاء في الإعلان بأن وفوداً من إسرائيل ومن الإمارات ستباشر قريباً في بلورة اتفاقات في مجالات مختلفة كي تصب مضموناً في العلاقات. يلقي هذا المقال الضوء على الدوافع المحتملة خلف خطوة الإمارات الدراماتيكية على خلفية التغييرات في محيطها الاستراتيجي وعلى تداعياتها المحتملة، بما فيها فرصة تشجع الخطوة الإماراتية لاستئناف المسيرة السياسية الإسرائيلية – الفلسطينية.

لقد فاجأ توقيت إعلان التطبيع الكثيرين، وإن كان إنضاج الخطوة يستوي مع توثيق العلاقات التدريجي بين الدولتين الذي سجل في السنوات الأخيرة. يدور الحديث عن خطوة زعامية شجاعة من حاكم الإمارات الفعلي، ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد. تطورت هذه العلاقات في عدة قنوات متوازية، وأحياناً متطابقة: أمنية – استخبارية؛ اقتصادية – تجارية؛ وقناة علنية تضمنت في السنوات الأخيرة حواراً دينياً إقليمياً، يهودياً – إسلامياً – مسيحياً، كانت الإمارات من رواده. يذكر أن بن زايد إلى جانب ملك الأردن عبد الله، كان من وقف على رأس المعسكر العربي الذي خرج علناً ضد نية إسرائيل بسط سيادتها على الضفة الغربية، ولولا هذا الموقف القاطع، لما كانت عملية التطبيع تخرج إلى حيز التنفيذ في الوقت الحالي.

لقد تمسكت الدول العربية، بشرط مبادرة السلام العربية، أن تطوير العلاقات بينها وبين إسرائيل منوط بتسوية سلمية شاملة بين إسرائيل والفلسطينيين. أما إسرائيل فطلبت إعطاء أولوية لتحسين العلاقات مع الدول العربية على إعادة المسيرة السياسية مع الفلسطينيين إلى جدول الأعمال، بينما عمل الفلسطينيون على كبح مظاهر التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج لإبقائها ورقة مساومة مع إسرائيل. ولكن موقف دول الخليج تجاه إسرائيل لم يكن ثابتاً، بل اجتاز تغييرات على مدى الزمن، في ظل تآكل شرط مبادرة السلام العربية. غير أن هناك دولاً، مثل الكويت، لا تزال تتمسك بشرط المبادرة العربية وتحفظت من خطوة الإمارات.

في السنتين الأخيرتين، عزف في الإمارات وحدها النشيد القومي الإسرائيلي في المسابقات الرياضية، وأجريت زيارات لوزراء إسرائيليين، وعين حاخام رئيس للجالية اليهودية في دبي، ودعيت إسرائيل للمشاركة في معرض “اكسبو” (الذي تأجل بسبب وباء كورونا)، ونقلت أبو ظبي إلى الضفة الغربية مساعدة لمكافحة وباء كورونا (ولكن السلطة الفلسطينية رفضتها لأنها أرسلت عبر إسرائيل)، ونشر سفير اتحاد الإمارات في الولايات المتحدة مقالاً في صحيفة إسرائيلية، ثم توقيع إسرائيل والإمارات اتفاقاً للتعاون في مجال مكافحة كورونا.

أبدت الإمارات في الماضي ضبط نفس وكبح جماح في إدارة علاقاتها الخارجية، ووقفت في ظل الأخرين. أما اليوم فهي قوة محركة من خلف كثير من التغييرات الإقليمية ولاعب أساسي في ساحات كثيرة، بقدر لا يقل، وأحياناً أكبر، من جارتها – شريكتها السعودية. جيش الإمارات الصغير، المدرب والمجهز من بين الجيوش العربية، مشارك في ساحات بعيدة، مثل اليمن وليبيا وأفغانستان. والنسبة بين العدد القليل من السكان في الإمارات (مليون مواطن من أصل نحو 9 مليون نسمة) وبين احتياطات النفط الهائلة في أراضيها (نحو 100 مليار برميل نفط مؤكد) تجعلها إحدى الدول الأغنى في العالم بتعابير الناتج القومي الخام للفرد. هذا الثراء ساعد الإمارات على وضع نفسها في المكان الأول في العالم العربي، في مجالات عديدة، بينها النووي المدني، والصناعة الأمنية، والسايبر والفضاء.

تعرض الإمارات اتفاقها مع إسرائيل كنصر دبلوماسي موجه لصالح الفلسطينيين، وكثمن ضروري يستهدف وقف نية بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. وعلى حد قول الناطقين بلسانها، فإن الاستعداد للتطبيع مع إسرائيل لا يساعد فقط في الإبقاء على حل الدولتين، بل ويساهم أيضاً في استقرار الشرق الأوسط. يحتمل أن بن زايد يؤمن بأن الثمن الذي يدفعه لقاء الخطوة في الساحة الداخلية، التي لا تبدي بعد محبة زائدة لإسرائيل، أدنى من الإنجاز الكامن فيها؛ فقد أشارت استطلاعات أجريت في السنوات الأخيرة في الإمارات إلى أن الرأي العام قلق من التهديد الإيراني، وفي الوقت نفسه يضع المسألة الفلسطينية في أسفل القائمة.

بالنسبة الإمارات، فإن ميزة الخطوة الأهم الكامنة لا تتلخص في وقف بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة أو في المكاسب التي قد ينطوي عليها توثيق العلاقات مع إسرائيل والتي كانت راسخة على أي حال. فمن المتوقع للاتفاق، كما يأمل بن زايد، أن يحسن صورة الإمارات التي تضررت أساساً بسبب تدخلها العسكري في اليمن وتعاونها مع محمد بن سلمان، الذي أضر عدد من أعماله مكانة السعودية ونفوذها.

ويأمل بن زايد في أن تعزز خطوته الشجاعة علاقات الإمارات والولايات المتحدة، ولا سيما في المجال الأمني وتمنح إنجازاً ما للرئيس الأمريكي الذي يأمل بواسطتها في الحصول على ولاية ثانية. لهذا السبب تم اختيار التوقيت الحالي لتحريك الخطوة مع إسرائيل. في السنوات الأخيرة، تعاظم الشك في أوساط القيادة الإماراتية بالنسبة لتواصل الالتزام الأمريكي بأمن الاتحاد. وكجزء من الاتفاق المتبلور مع إسرائيل، يحتمل أن تكون هناك تفاهمات هادئة تحققت بين الولايات المتحدة والإمارات، ذات ضمانات مختلفة وقدرة وصول إلى وسائل قتالية أمريكية متطورة لم تورد لها بعد. في هذا السياق، يذكر أن الإمارات قد مارست في السنوات الأخيرة ضغطاً على واشنطن لتزويدها بمنصات متطورة، بينها الطائرة القتالية المتطورة “إف 35” التي تتفرد إسرائيل باستخدامها في المنطقة. إذا ما بيعت الطائرة المتطورة بالفعل للإمارات فإن ذلك يجعل التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي يتآكل بل ويساهم في تسريع سباق التسلح في المنطقة.

لا يفترض بزخم العلاقات بين إسرائيل والإمارات أن يحسن التنسيق والتعاون بينهما بالنسبة لإيران، إذ إنه وثيق على أي حال. العكس هو الصحيح، فأحياناً يكون من الأفضل للأمور أن تبقى في السر وإن كان، لأن الاتفاق سيعرض الإمارات لانتقاد إيراني وتركي وقد يصعد الدافع في إيران للمس بها (في ظل الحفاظ على علاقات تجارية سليمة بين دبي وطهران – وهي مصلحة أساسية مشتركة للدولتين). ولكن اتفاقاً مستقبلياً لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الدولتين – التي لا يزال طريق تحققها طويلاً – سيوسع ويسهل التعاون الاقتصادي – التجاري بين إسرائيل والإمارات.

إن خطوة بن زايد لن تمس بالمسيرة السلمية الإسرائيلية الفلسطينية، المجمدة على أي حال بسبب المواقف الفلسطينية الرافضة. ومع ذلك، فإن مسيرة تطبيع إقليمية كفيلة، وثمة من يقولون محملة بالمفارقة، ستساهم في دفع التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين إلى الأمام. وذلك لأن كسر الإمارات للإجماع العربي كفيل بأن يمارس على الفلسطينيين ضغطاً لإبداء المرونة والموافقة على حل وسط سياسي، خشية أن تسبقها دول أخرى في المنطقة، تقفز على عربة السلام، وتشدد عزلتهم.

ستسمح الخطوة الإماراتية لدول أخرى في الخليج للسير في المسار الذي خطته، مما سينزل الرف الذي بموجبه يفترض بكل تطبيع في العلاقات مع إسرائيل أن يكون متعلقاً بموافقة فلسطينية. دليل على موقف البحرين وعمان في هذا السياق كان في مباركتهما للخطوة التي نشرت بعد أن باركتها مصر. وثمة اهتمام خاص يجب أن يوجه للسعودية. معقول أن يفضل محمد بن سلمان فحص جملة ردود الفعل على الخطوة الإماراتية، وينظر هل وفي أي ظروف يمكنه أن يعلن علاقاته مع إسرائيل. مهما يكن من أمر، فإن السعوديين سيدعمون وسيساندون الإمارات، مثلما ينعكس الآن في وسائل الإعلام السعودية.

أهمية الإعلان عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات دبلوماسية – اقتصادية في أساسها، فثمة تعاون أمني – سياسي وثيق بين الدولتين اللتين تريان المحيط الاستراتيجي بشكل مشابه؛ فكلتاهما تخافان تطلعات إيران وتركيا لزيادة وتوسيع نفوذهما في المجال العربي. في نظرة تستشرف المستقبل، إذا وقع اتفاق سلام بين إسرائيل و الإمارات معقول أن يكون هذا سلاماً حاراً أكثر من السلام الذي لإسرائيل مع جارتيها مصر والأردن، لأنه ليس بينهما نزاع إقليمي ولا “دم فاسد” بين النخبتين وبين الشعبين.

كثيرون يرون في الإمارات مؤثرة على اتجاه التطورات الإقليمية في الوقت الحالي، ربما أكثر من كل دولة عربية أخرى. ومع ذلك، فإن جزءاً من “المشاريع” الإقليمية التي كانت تشارك فيها في السنوات الأخيرة، مثل مقاطعة قطر، والحرب في اليمن، والحرب في ليبيا.. لم تحقق نجاحاً كبيراً. يبدو أن القيادة الإماراتية سعت لتحقق لنفسها إنجازاً واضحاً، لتثبت مكانتها الإقليمية الرائدة. وستبين الأيام إذا كانت ستتمكن، وحدها أو كجزء من منظومة إقليمية، أن تعيد المسيرة السلمية الإسرائيلية الفلسطينية إلى رأس جدول الأعمال في الشرق الأوسط.

بقلم: يوئيل جوجنسكي

نظرة عليا 23/8/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية