هل تغلبت ألمانيا على تبعات كورونا اقتصاديا وما هي خططها في دعم الاقتصاد المحلي والأوروبي؟

علاء جمعة
حجم الخط
0

تتوقع أكثر من جهة تعافي الاقتصاد بحلول نهاية العام المقبل

برلين ـ “القدس العربي”:ساهمت جائحة كورونا في تباطؤ الاقتصاد الألماني، كما حرمت الإغلاقات العالمية للأسواق البلد الأوروبي من أسواق خارجية اعتمد عليها في ازدهاره. وباتت حكومة ميركل أمام تحديات اقتصادية جديدة أضيفت لسلسلة كبيرة أخرى من التحديات السياسية والمجتمعية وشؤون الاندماج داخل المجتمع. ومن أجل تحريك الاقتصاد، وإبعاد شبح الانهيار الاقتصادي ركزت ألمانيا على سياسة أوروبية داعمة تضمن تكاملا اقتصاديا للقارة العجوز. بالإضافة لذلك كان للجانب المحلي في جانبا كبيرا من الاهتمام الحكومي، فبدأت العمل على إيجاد سياسات اقتصادية لتحفيز الطلب المحلي. وكان تقرير صحافي قد كشف أن ألمانيا وفرنسا هما البلدان الوحيدان اللذان يمكنهما توقع حوافز مالية من خطة إعادة الإعمار الخاصة بالاتحاد الأوروبي لمواجهة تداعيات أزمة كورونا، تزيد قيمتها على ما اقترحته المفوضية الأوروبية.

وجاء في صحيفة “فيلت” الألمانية في عددها الصادر الخميس أنه وفقا لدراسة أجراها مركز “بروغل” لأبحاث السياسات الاقتصادية في بروكسل، يمكن أن تتوقع ألمانيا، وفقا لأعداد أولية 47.2 مليار يورو بدلا من 33.8 مليار فيما تبلغ الزيادة في فرنسا 7.4 مليار يورو ليصل إجمالي المبلغ إلى 50.7 مليار يورو. وأضافت صحيفة “فيلت” أنه باستثناء ألمانيا وفرنسا، سيتعين على جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي توقع أموال أقل، لافتة إلى أن أكبر الخاسرين هما إسبانيا وبولندا.

وكان زعماء دول الاتحاد الأوروبي توصلوا قبل أيام وبعد مفاوضات استمرت لمدة أربعة أيام إلى اتفاق على حزمة بقيمة 1.8 تريليون يورو، منها 1074 مليار يورو مخصصة لإطار موازنة الاتحاد حتى عام 2027 و750 مليار يورو كبرنامج اقتصادي واستثماري للمساعدة في مواجهة تداعيات أزمة كورونا.

يذكر أن القمة الأوروبية التي انعقدت مؤخرا قلصت مبلغ الحوافز المالية من برنامج إعادة الإعمار لمواجهة كورونا من 500 مليار إلى 390 مليار يورو، فضلا عن 360 مليار يورو في صورة قروض.

 الشركات الألمانية أعربت عن شعورها بالارتياح حيال الاتفاق الذي توصلت إليه القمة الأوروبية الأخيرة بشأن صندوق إعادة الإعمار والإطار المالي للتكتل على مدار السنوات السبع المقبلة.

وقال إريك شفايتسر، رئيس غرفة الصناعة والتجارة الألمانية، إن هذا الاتفاق يمثل “إشارة مهمة للاقتصاد الألماني”. وأضاف أن “تعزيز السوق الداخلية والتعافي الاقتصادي في الدول الأعضاء هي شروط محورية للاقتصاد الألماني للتغلب على الأزمة”.

كما أعرب يوأخيم لانغ، الرئيس التنفيذي للرابطة الاتحادية لشركات الصناعة الألمانية، عن اعتقاده بأن الاتحاد الأوروبي “من خلال الحل التوافقي على أكبر حزمة استثمار في تاريخه، أثبت في أسوأ أزمة منذ الحرب العالمية الثانية، أنه قادر على التصرف والتضامن”.

وأضاف: “والآن يجب أن يدور الأمر حول سرعة طرح الحكومات لخططها الخاصة بإعادة الإعمار على المستوى الوطني”.

وأعربت رابطة شركات صناعة الآلات والأنظمة الألمانية، عن ارتياحها للاتفاق، وقال تيلو بروتمان، الرئيس التنفيذي للرابطة: “كانت ستصبح إشارة خطيرة إذا لم تكن أوروبا مستعدة للتضامن في مثل هذا الموقف الاستثنائي مع الدول الأكثر تضررا من الجائحة”. وأضاف: “ليس المهم الآن ترك أموال المساعدة تتلاشى بدون تأثير، بل إنعاش الاقتصاد الأوروبي بكفاءة مرة أخرى”.

ورأت اينس كتسينغ، نائبة رئيس رابطة تجارة الجملة والتجارة الخارجية، أنه يوم سعيد لأوروبا “فالقرار ذهب في الاتجاه الصحيح لدفع التعافي الاقتصادي للسوق الأوروبية، كما أنه إشارة صحيحة بالنسبة لألمانيا أيضا”.

ورحب يوأخيم روكفيد، رئيس رابطة المزارعين الألمان بشكل خاص بالاتفاق بشأن الإطار المالي للاتحاد الأوروبي وقال: “لقد أثبت التكتل بهذا قدرته على التصرف” ورأى أن القرار أتاح لقطاع الزراعة “أساسا للتخطيط” مشيرا إلى أن هذا الأساس تضاءل بشكل زائد عن الحد في ظل التحديات العديدة في الأسواق وفي ظل التغير المناخي والحفاظ على الموارد وتغير الأجيال.

دعم الاقتصاد المحلي

 

منذ بداية جائحة كورونا، أصدرت ألمانيا حزما اقتصادية تحفيزية من أجل دعم الاقتصاد والأسواق الداخلية. حيث تبنى البرلمان الألماني في آذار/مارس الماضي، خطة تدابير شاملة بقيمة 1100 مليار يورو سمحت لأول قوة اقتصادية في أوروبا بمواجهة تبعات وباء كورونا المستجدّ.

وصادق النواب الذين توزعوا في أرجاء القاعة على قروض جديدة تصل قيمتها إلى 156 مليار يورو، لدعم الشركات والموظفين ونظام الصحة، وكذلك على مئات المليارات كضمانات للقروض المصرفية الممنوحة للشركات.

كما أقرت الحكومة في حزيران/يونيو خطة دعم للشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تضررت بشدة من أزمة جائحة كورونا، خلال هذا الصيف بأموال إضافية، حيث وافق مجلس الوزراء على تخصيص مساعدات بقيمة 25 مليار يورو لهذه الشركات للحيلولة دون حدوث موجة إفلاس.

 فدفعت أموالا طائلة لدعم المطاعم والحانات والمعارض وبيوت الشباب ومكاتب السفر والمرافق الخاصة بمساعدة المعاقين والأندية الرياضية المحترفة في دوريات الدرجات الدنيا.

وبررت وزارة الاقتصاد هذه المساعدات بأنه لا يمكن لجميع هذه الجهات التقدم بطلب للحصول على قروض لأنها لا تستطيع تعويض الخسائر في إيراداتها، لذلك ستتحمل الحكومة الاتحادية خلال الفترة من حزيران/يونيو حتى آب/أغسطس المقبل جزءاً من التكاليف التشغيلية الثابتة. كما سنت ألمانيا قانون التخفيض الضريبي والذي سمح ابتداء من تموز/يوليو ولغاية نهاية هذا العام بتخفيض قسمة الضريبة المضافة حوالي 3 في المئة وذلك من أجل تشجيع الحركة الشرائية ودعمت العائلات والشرائح الفقيرة بمبالغ مالية إضافية من أجل توفر سيولة نقدية لديهم.

الرابحون والخاسرون

في تقرير له عن نجاعة الخطوات الألمانية في دفع الاقتصاد ذهب الكاتب والمحلل الاقتصادي إبراهيم محمد إلى أن هذه الخطوات خدمت شرائح معينة إلا أنها أغفلت عن شرائح أخرى هامة داخل المجتمع. ووفقا للتقرير المنشور على موقعDW

أن من شأن هذه البرامج أن تنعش آلاف الشركات وتأتي بفرص عمل جديدة لعشرات الآلاف من الكفاءات المتوسطة والعالية وخاصة من خارج ألمانيا. وتكمن الحاجة إلى هؤلاء بشكل خاص في مجال تقنيات الاتصال والخدمات على اختلافها. وتفيد الجهات المتخصصة أن هناك حاجة إلى أكثر من مليون قوة عمل شابة في المستقبل المتوسط، كان من المنتظر تسهيل قدومها اعتبارا من آذار/مارس الماضي. غير أن أزمة كورونا عطلت ذلك إلى أن تعود عجلة الاقتصاد الألماني إلى الدوران من جديد. وتتوقع أكثر من جهة متخصصة تعافي هذا الاقتصاد بحلول نهاية العام المقبل 2021. ومع تعافيه وعودة حركة السفر سيتم فتح المجال مجددا لاستقدام الكفاءات الأجنبية من خارج الاتحاد الأوروبي للعمل في ألمانيا.

وإذا كان الرابحون من الحزمة كثر، حسب الكاتب إبراهيم فإن قطاع السيارات الذي يعاني من توقف واسع عن العمل بسبب كورونا يعد أول الخاسرين. فرغم الضغط الكبير الذي مارسه لوبي هذا القطاع، لم تتضمن الحزمة تقديم إعانات لشراء السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل ولا تراعي متطلبات البيئة. وسبق لإعانات مماثلة أن ساعدت صناعة السيارات الألمانية التي توظف أكثر من 800 ألف عامل على تخطي تبعات الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008. وبدلا من تقديم إعانات لشراء مختلف أنواع السيارات تم حصر تقديمها بموجب الحزمة الجديدة في شراء السيارات الكهربائية، حسب الموقع الألماني.

هل بدأ الاقتصاد بالتحسن؟

بالرغم من التشكيكات الكبيرة التي واجهتها السياسة الألمانية من قبل الشعب، فإن نتائج هذه الحزم الاقتصادية بدأت بالظهور. وأظهر مسح الخميس أن معنويات المستهلكين الألمان تحسنت بأكثر من المتوقع مع الاقتراب من آب/أغسطس، بدعم من تخفيض مؤقت لضريبة القيمة المضافة في إطار حزمة تحفيز حكومية لمساعدة الاقتصاد على التعافي من صدمة فيروس كورونا.

وارتفع مؤشر معنويات المستهلكين، الذي ينشره معهد جي.إف.كيه ويستند إلى مسح يشمل نحو ألفي ألماني، إلى 0.3 مع الاقتراب من آب/أغسطس من مستوى معدل قدره 9.4 في الشهر السابق.

والارتفاع هو الشهري الثالث على التوالي ويفوق توقعات رويترز بتسجيل 5.0.

وشملت حزمة الحوافز الألمانية خفض ضريبة القيمة المضافة للسلع العادية إلى 16 في المئة من 19 في المئة وللأغذية وبعض السلع الأخرى إلى خمسة في المئة من سبعة في المئة اعتبارا من أول تموز/يوليو إلى 31 كانون الأول/ديسمبر. وسيكلف الخفض الحكومة الاتحادية ما يصل إلى 20 مليار يورو (23.17 مليار دولار).

وقال جي.إف.كيه إن ميل المستهلكين للشراء وتوقعاتهم بشأن دخلهم الشخصي شهد تحسنا للشهر الثالث على التوالي. كما أن تفاؤل المستهلكين زاد إزاء تطور الاقتصاد ككل.

وتسجيل المؤشر قراءة فوق الصفر يشير إلى نمو على أساس سنوي في الاستهلاك الخاص. وتشير القيمة دون الصفر إلى انخفاض مقارنة مع نفس الفترة قبل عام.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية