على مدى فترة طويلة استعدت اسرائيل للتصعيد في الساحة الشمالية، خشية انتقال الاحداث من سوريا الى نطاق اسرائيل ونشوء منطقة جبهوية ليس فيها حكم مركزي، على طول الحدود في هضبة الجولان، تعمل منها جهات ارهابية وجهادية ضد اسرائيل. ويحتمل أن تكون احداث العنف الثلاثة على الحدود مع سوريا ولبنان منذ بداية اذار 2014، تنذر بتغيير في الوضع، وفيها امكانية تصعيد وانتقال من وضع مستمر لساحة شمالية هادئة نسبيا الى ساحة نشطة. التحدي المتوقع حيال الساحة الشمالية هو تحد معقد بسبب كثرة اللاعبين، اصحاب المصالح والاهداف المتضاربة، الامر الذي من شأنه أن يجر اسرائيل، بارادتها أو بغير ارادتها، الى مواجهة مستمرة، الى سلسلة من الاحداث الحدودية، بل وربما الى اطلاق/نار نحو الاراضي الاسرائيلي والى تصعيد واسع.
ومع ذلك، فان الحدث الاخير، المتمثل بزرع عبوة وتفعيلها ضد دورية حدودية من قوات الجيش الاسرائيلي في هضبة الجولان، ليس في لب السيناريوهات التي رسمت، كون كل المؤشرات تدل على ان العبوة وضعتها جهات استخدمها حزب الله، اغلب الظن، بمعرفة بل وبمساعدة قوات نظام الاسد. الاحداث الثلاثة اثنان على حدود سوريا، في المناطق التي بسيطرة نظام الاسد والموالين له، والثالث في قاطع هار دوف، منطقة عمل حزب الله تدل باحتمالية عالية على أن الحديث يدور عن سلسلة عمليات موجهة و/أو منفذة من حزب الله ضد اسرائيل.
إن الحدث الذي على ما يبدو تسبب بموجة الأحداث هو الهجوم الذي ينسب لسلاح الجو الاسرائيلي في 24 شباط ضد قافلة السلاح من سوريا الى لبنان. وخلافا لهجمات سابقة، هي الاخرى نسبت للجيش الاسرائيلي، فان الهجوم الاخير وقع في الاراضي اللبنانية وعلى ما يبدو أن نتائجه كانت أوسع من مجرد ضرب الوسائل القتالية، الامر الذي دفع زعيم حزب الله، حسن نصرالله الى التعهد بالرد في الزمان والمكان المناسبين. يحتمل أن يكون نصرالله وقواته، يقدرون بان الهجوم الجوي في لبنان يؤشر الى تغيير اسرائيلي في قواعد اللعب التي كانت مقبولة حتى الان، ولهذا فمطلوب من حزب الله أن يطلق الاشارة الى أنه لن يسلم باستمرار الهجمات الجوية في لبنان نفسه وانه ملزم بالرد، ضمن امور اخرى من أجل الحفاظ على صورة المنظمة كـ ‘درع لبنان’ في وجه اسرائيل.
اذا كان صحيحا التقدير بان الاسد (أو قواته) شريكا، بالعلم على الاقل، في زرع العبوات في هضبة الجولان، يطرح السؤال ما الذي جلب التغيير في سياسته التي تمثلت حتى الان بالقرار بعدم الرد على الهجمات الجوية المنسوبة لاسرائيل. في نظرة أوسع، توجد عدة تطورات كفيلة بان تؤثر على تقويم الوضع لدى الاسد وحزب الله بالنسبة لتقدير المنفعة حيال الكلفة والضرر المتوقع لهما، في الاستعداد لفحص حدود ‘قواعد اللعب’ حيال اسرائيل، مع مخاطرة بالتصعيد. لقد أعاد حزب الله لنفسه بعضا من ثقته الذاتية، في ضوء النجاحات العسكرية في سوريا، في قاطع يبرود ودحر قوات الثوار عن الحدود السورية اللبنانية. على المستوى اللبناني الداخلي، توصلت الجهات السياسية المتخاصمة الى توافق على اقامة حكومة انتقالية، في خطوطها الاساس موقع من حق العمل لحزب الله ضد اسرائيل ولا سيما ضد ‘الاحتلال’ الاسرائيلي للاراضي اللبنانية (مزارع شبعا هار دوف). ومع ذلك، بالنسبة لحزب الله، فان الوضع الداخلي في لبنان والتهديدات المحدقة بالمنظمة لا تبشر بالخير. والدليل على ذلك هو سلسلة عمليات السيارات المفخخة التي تمت ضد كبار رجالات المنظمة.
اما الاسد فخلافا لتوقعات عديدة فقد نجا في السنة الثالثة للثورة. والتفسير الذي منحه الاسد للاحداث في سوريا في بداية 2011، والذي يعتقد بان هذه ليست ثورة شعبية للجمهور السوري، بل هجوم لمحافل الارهاب السلفية الجهادية ضد الدولة السورية وحكمه هو، غايتها ليست مصلحة المواطنين السوريين يتحقق بالفعل عمليا ويبدو كوصف سليم للثورة في ضوء ضعف المعارضة المعتدلة والعلمانية. ويتلقى الاسد الدعم المالي والعسكري من ايران وروسيا، بل وحصل على الشرعية الدولية في أعقاب الاتفاق على نزع السلاح الكيمائي، والذي يشارك في تنفيذه. وتعمق روسيا دعمها لنظام الاسد بالوسائل وبالمستشارين، وذلك اضافة الى حقيقة أن بوتين يتبين كزعيم مصمم لا يرعوي من المواجهة مع الغرب وتثبيت حقائق بأفعال القوة على الارض (اوكرانيا وشبه جزيرة القرم). لكل هذه ينضم فشل مؤتمر جنيف الثاني، الذي اوضح بانه لا توجد معارضة تشكل بديلا لحكم الرئيس الاسد، المستعد لان يعرض نفسه على الانتخابات أمام المواطنين السوريين.
يطرح السؤال: هل وكم هي معنية الاطراف بتغيير ‘قواعد اللعب’ التي كانت متبعة حتى الان؟ معقول أن يكون الاسد، الذي شعر بانه قوي مؤخرا، يفهم بان مخاطرة انضمام اسرائيل الى المواجهة في سوريا معناها تغيير دراماتيكي في ميزان القوى ضده، لدرجة المخاطرة بحكمه ذاته. ولكن الى جانب ذلك، استوعب أيضا الرسائل التي توضح له بان اسرائيل تفضل عدم التدخل في المواجهات الداخلية وعدم الانجرار الى المستنقع السوري.
اما حزب الله الذي وقف وهو يكافح الى جانب الاسد، فيدفع لقاء ذلك بتآكل مكانته وشرعيته في لبنان. وبالتالي، اذا كان حكم عليه بان يصطدم باسرائيل، فانه يفضل نقل ميدان المعركة الى جبهة هضبة الجولان، لا أن يحققها في لبنان. وعلى ما يبدو يخشى نصرالله من أن تحاول اسرائيل استغلال أزمته فتعمل على تصميم ‘قواعد لعب’ جديدة. من هنا، من جهة، تعهد نصرالله بالرد على حدث الهجوم الاخير المنسوب لسلاح الجو الاسرائيلي في لبنان خشية تصميم ‘قواعد لعب’ جديدة من قبل اسرائيل، بهدف الاشارة لاسرائيل بان لديه ايضا امكانية لتغيير ‘قواعد اللعب’ (اختيار قاطع هضبة الجولان للعملية). من جهة اخرى، فان حزب الله ملتزم تجاه الاسد وبالتالي فان عليه بان يزن بحذر خطواته ويمتنع عن أعمال من شأنها أن تعرض للخطر مستقبل نظام الاسد في سوريا.
ان الرد الهجومي الاسرائيلي ضد مواقع لقوات الجيش والامن السوري في جبهة هضبة الجولان، يدل على أنه واضح لاسرائيل بان حزب الله وقوات الاسد (بالعلم على الاقل) مسؤولون عن زرع العبوات. ليس لاسرائيل في هذه المرحلة، لا النية ولا المصلحة للتدخل في ما يجري في سوريا، إذ لا ضمانة في أن يكون الوضع المتطور بعد تدخل اسرائيل افضل بالنسبة لها. فكل المؤشرات تبين انه لا يوجد بديل حقيقي معتدل لحكم الاسد وتوجد مخاطرة حقيقية في أن يؤدي اسقاطه الى سقوط سوريا في ايدي الجهات السلفية الجهادية.
ان انعدام اليقين بالنسبة لمستقبل سوريا يخلق مثابة وضع من الردع المثلث بين اسرائيل سوريا حزب الله، بحيث يكون لكل طرف من الاطراف ‘قوة اضرار’ تجاه الطرف الاخر من شأنه أن يؤدي الى دفع ثمن باهظ وتدهور غير مضبوط للوضع. وفقط اللاعبون غير الدول الجهات الجهادية، من معارضي حكم الاسد من شأنها ان تحاول استغلال الوضع والمبادرة الى احداث تحت غطاء أعمال الاسد وحزب الله، بتشجيع اسرائيل على رد تصعيدي والتسبب بواسطة ذلك بعملية تدهور لاسقاط نظام بشار الاسد.
من هنا يمكن التقدير باننا في ذروة حدث يحاول فيه الطرفان فحص أو تصميم بشكل محدود من جديد ‘لقواعد اللعب’، ولكن دون تحطيم الاطار العام المتبع حتى الان. ومع ذلك، في فحص الحدود والخطوط للطرف الاخر توجد امكانية للتصعيد، وذلك لان سوريا ولبنان هما منظومتان غير مستقرتين ومضعضعتين، وكل عمل من شأنه أن يخلق سلسلة آثار غير مقصودة وغير متوقعة، وبالتالي يوجد احتمال للتدهور غير المضبوط، كل طرف يؤشر برده الى الطرف الاخر وفي ظل ذلك تتشكل عملية تصعيدية.
تستعد اسرائيل لفترة طويلة من الواقع المتغير في سوريا وفي جبهة هضبة الجولان. ومع ذلك فان الرد الاسرائيلي وجه نحو ‘سوريا الاسد’ (رغم أنه لا يسيطر الا على خمس سوريا)، برؤية عنوان الدولة المسؤولية التي عليها أن تمنع كل عمل من الاراضي السورية نحو اسرائيل، رغم أنه معروف لنا بان قوات الاسد لا تسيطر على الوضع ورغم التقدير بان العمل تم بعلم الاسد يحتاج الى برهان. وبالتالي، على الجيش الاسرائيلي أن يكيف نشاطه مع الواقع الناشيء وان يكون مستعدا لسلسلة من الاستفزازات التي توجه نحو اسرائيل وان يمتنع عن الردود الفورية وغير المدروسة الموجهة نحو العناوين غير ذات الصلة، والا يسقط في فخ تحاول نصبه له سوريا، حزب الله أو الجهات المتمردة..
فقط في الاحداث التي يكون فيها واضح بان حزب الله وايران يقفان خلف الاعمال ضد اسرائيل، من المهم أن توجه اسرائيل ردها نحو القوى الداعمة لبشار الاسد، وذلك لان مصلحة استمرار حكمه هي المصلحة المركزية له ولايران وحزب الله.
نظرة عليا 25/3/2014