قبل أسابيع طرح الأوروبيون ما سموه «النص النهائي»، الذي كان عبارة عن وثيقة توافقية حاولوا جعلها مرضية لكل من الطرفين الأمريكي والإيراني، وكافية لإنقاذ «الاتفاق النووي». منذ طرح الوثيقة كان هناك الكثير من التصريحات المتفائلة عن قرب العودة للاتفاق، خاصة من الجانب الأوروبي، أما المفاوضون الإيرانيون والأمريكيون فقد عبروا كذلك عن موافقتهم المبدئية، مع إبداء التحفظات على بعض النقاط والتفاصيل.
لاحقاً سوف نكتشف أن هذه النقاط الصغيرة والتفاصيل الجانبية سوف تكون قادرة على تعطيل أي تقدم نحو إنجاز اتفاق. بهذا لا تصبح الموافقة المبدئية القديمة ذات قيمة، حيث عاد الطرفان للتمترس حول مواقفهما، التي تدل على أن لكل منهما تفسيره الخاص للغرض من توقيع أي اتفاق جديد.
بخروج الولايات المتحدة وانسحابها من الاتفاق في حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن البرنامج النووي الإيراني دخل مرحلة «الغموض النووي»
في الأثناء كان كثير من المحللين يطرحون سؤالاً حول مدى اقتراب إيران من الوصول إلى العتبة النووية. هذا السؤال شديد الأهمية، لأنه إذا صح ما يردده الإسرائيليون من أن أسابيع، أو حتى أشهراً، تفصلنا عن تحول إيران إلى دولة نووية، فإن هذا يعني أن المفاوضات حول برنامجها النووي، التي كان الغرض الأساسي منها تأجيل وصول إيران إلى السلاح النووي، باتت غير ذات جدوى.
قبل نحو أسبوع حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران سوف تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية، وذلك خلال فترة أسابيع، ما أكد وجهة النظر الإسرائيلية التي كان يعتبرها البعض نوعاً من المبالغة. لم يقدم تقرير الوكالة الدولية تفاصيل كثيرة، لكنه عرض مخاوف وفتح باب أسئلة من بينها، ما إذا كانت إيران بالفعل عازمة على الوصول إلى القنبلة النووية، وما إذا كانت كل تلك الحلقة الطويلة من الجولات التفاوضية هي مجرد مساع لكسب الوقت. هل يمكن أن يكون الغرض الأساسي من البرنامج النووي عسكرياً وليس مدنياً أو سلمياً، على عكس ما ظلت إيران تردده على مدى السنوات الماضية؟ الجهة الوحيدة المخولة بتقديم إجابة علمية ومنهجية حول الموضوع هي الوكالة الدولية، لكن تقريرها المتشكك وما ورد فيه من أن إيران استغلت تعطل الاتفاق من أجل مضاعفة تخصيب اليورانيوم (وصل لما يقدر تسع عشرة مرة) يدق ناقوس الخطر، حيث ورد فيه أن الوكالة لا تستطيع أن تقدم تأكيدات على أن برنامج إيران هو بالفعل سلمي. الذي حدث هو أنه، وبمجرد خروج الولايات المتحدة وانسحابها من الاتفاق في حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن البرنامج النووي الإيراني دخل مرحلة «الغموض النووي»، حيث أوقفت طهران تعاونها مع الوكالة الدولية، وباتت لا تصرّح عن مواقعها النووية، بل مضت أكثر من ذلك لتعطيل كاميرات المراقبة التي كانت موضوعة لإثبات حسن النية وتعزيز الشفافية، ما جعل الوكالة غير قادرة على معرفة ما يدور داخل المنشآت النووية.
كل ما سبق يشرح الدور الأساسي، الذي تلعبه الوكالة الدولية في المفاوضات، حيث تدعم جهود العودة للاتفاق، من أجل أن تتمكن من تقييم الموقف الإيراني، كما تدعم الوكالة فكرة أن تكون هناك مواد قوية ضامنة لعدم تنصل إيران مرة أخرى بشكل أحادي، تحت أي ذريعة، من التزاماتها. ما تطرحه الوكالة الدولية المهتمة بالمسألة التقنية، وبمنع الانتشار النووي، يجد اعتراضاً من الجانب الإيراني، ويضيف مزيداً من التعقيد لمسار التفاوض الجاري المعقد أصلاً، حيث ترى إيران في طرح الوكالة نوعاً من التآمر عليها، وتعتبر أن الوكالة، وبتحريض من بعض الدول، قد تتخذ مسألة الضمانات الفنية مسوغا لفرض عقوبات جديدة، بحجة أن إيران لم تلتزم بتعهداتها. في تقريره حول الموضوع استعان موقع قناة «دي دبليو» الألمانية برأي محمد باقر فاروق الباحث في معهد دراسات الشرق الأوسط في هامبورغ، الذي قلل بدوره من أهمية الموضوع بانياً وجهة نظره على نقطتين، الأولى هي أن إيران ربما تكون اقتربت من تصنيع قنبلة نووية واحدة، لكن هذا الأمر لا أهمية استراتيجية له، لأن لا أحد يمكنه أن يخوض حرباً اعتماداً على قنبلة واحدة، خاصة إذا كانت هذه الحرب في مقابل من يمتلك كميات أكبر من القنابل. النقطة الثانية، وفق فاروق، هي أن الحصول على ترسانة من القنابل النووية يتطلب مزيداً من الوقت والإمكانيات والمكونات التي لا تملكها إيران حالياً، وهو يقدر أن اكتمال البرنامج النووي من أجل تحقيق سلسلة من القنابل النووية يستغرق عدداً من السنوات، وهو ما تدلل عليه تجارب الدول النووية الأخرى. أما إعلان إيران عن عدم التزامها وتماديها في التخصيب الحر فيقرؤه فاروق على أساس كونه مجرد وسيلة لضغط الولايات المتحدة، وحثها على العودة للاتفاق، لا على كونه مؤشراً على أن القنبلة النووية الإيرانية باتت وشيكة. من جهة أخرى عرض الموقع وجهة نظر خبير آخر هو أوليفر ماير من جامعة هامبورغ، الذي بدا أكثر قلقاً من تقرير الوكالة، خاصة الكمية الكبيرة من اليورانيوم المخصب التي باتت تملكها إيران. يلفت ماير أيضاً إلى أن مفاعلات الماء الثقيل القادرة على إنتاج البلوتونيوم، يمكن أن تستخدم أيضاً لصنع القنبلة النووية، وكذلك كثير من الآليات والمعدات. هذا يعني أن هناك خطاً فاصلاً صغيراً بين التجارب النووية السلمية، والأخرى الهادفة لصنع قنبلة، أو للاستخدام العسكري، والوحيدون القادرون على التقييم هنا هم الخبراء المهنيون من الوكالة الدولية، الذين أصبح وصولهم وتفتيشهم للمواقع النووية غير سهل.
يتضح من تباين الآراء أن السؤال الذي كان كولون لينش طرحه في بداية هذا العام في مجلة «فورين بوليسي» عن مدى اقتراب إيران من الحصول على قنبلة نووية، والذي ظلت تطرحه أيضاً كثير من التقارير الإعلامية العربية والدولية، ما يزال صعب الإجابة. ما يزيد من الصعوبة هنا هو أن الاتفاق، الذي كان يلوح في الأفق قبل عدة أشهر لدرجة استعداد البعض للاحتفال وقطف ثمار عودة إيران وانفتاحها اقتصادياً وتجارياً على العالم، أصبح اليوم بعيد المنال، حيث يرى المحللون أن كل شيء سوف يتجمد بانتظار الانتخابات النصفية الأمريكية، التي قد تقود الجمهوريين مجدداً لهرم السلطة. في خضم كل ذلك، فإن السياسة الحكيمة لدول المنطقة، يجب أن تكون على استعداد لتحول إيران لدولة نووية، بما يعنيه ذلك من تغير في مكانتها الدولية والإقليمية، هذا يدفع للعمل في إطار تحقيق الفوائد أو الخروج بأقل الخسائر. البديل الآخر هو الاطمئنان للآراء التي ترى أن القنبلة النووية ما تزال هدفاً صعباً، أو الثقة في أن الأمريكيين سوف يتدخلون في لحظة ما، حينما تخرج الأمور عن السيطرة، أو أن الإسرائيليين سيوجهون، لا محالة، ضربة عسكرية تقضي على الطموح النووي الإيراني. مع مرور الوقت تبدو الخيارات أكثر ضيقاً، فسواء استعادت الأطراف المفاوضة اتفاقها القديم، الذي لا يهدف سوى إلى تأجيل الحصول على السلاح النووي، أو تم الإعلان عن انهيار نهائي، بما يؤدي لأن تواصل إيران برنامجها بشكل أسرع وبلا رقابة، فإن النتيجة تكاد تكون واحدة.
كاتب سوداني
الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما هي إلا اداة بيد الغرب بزعامة أمريكا للتصدي للدول الخارجة عن الحلف الغربي حتى لا تمتلك قوة نووية للردع.
على الإيرانيين الإسراع لإنتاج سلاح نووي لأنه الحل الوحيد لمواجهة الغرب الخطير الذي إذا تمكن من خصمه سحقه و شله لمدة طويلة إلى أن يستسلم أو يعش مكبلا بالعقوبات و الحصار. لا ثقة في الغرب نهائيا و الايرانيون يعرفون ذلك، انظروا كيف تنكرت امريكا لتعهداتها في اتفاق 2015 !!!!