لعله بإمكان المرء وصف هذه العشرية في العالم العربي بعشرية التغيير، فالملاحظ أن الشعوب تتحرك أكان ذلك بملء إرادتها وفعل خيارها، أم بمحفزات خارجية يسعى أصحابها للحفاظ على مواطئ اقدامهم، في رقعة جغرافية تحسب صرة العالم، ومورد طاقاته الأهم، فضـــلا عن كونه خط التماس الساخن بين الغرب والشرق منذ فجر تاريخ البشرية. وقد ارتفع السؤال بخصوص مستقبل الجزائر، ومدى تفاعل شعبها مع المتغيرات في تونس الشقيقة، ويزداد التساؤل الحاحا كلما تمدد الحراك على رقعة العالم العربي، الذي تداعت على اثره أنظمة تونس ومصر وليبيا واليمن، والسؤال مازال يراوح الاستفهام بتعجب: أين الشعب الجزائري من كل ما يحدث في محيطه العربي؟ من الانصاف القول بأن الشعب الجزائري له فضل السبق لثورات، كان لها أثر بالغ في وعيه الجمعي، وشكلت نوعا وكما ثروة عالية القيمة بكل أبعادها، وما يراه المواطن أو يعايشه اليوم في بلد عربي ممن سبق ذكره، قرأه الشعب الجزائري منذ ربع قرن، أعني منذ انتفاضة عام 1988، التي شكلت منعرجا وتجربة فريدة حينها على المستوى الاقليمي، بل حتى الدولي، فقد شُهد للرئيس الراحل الشاذلي بن جديد بالسبق بخصوص البريسترويكا عن نظيره السوفييتي حينذاك ميخائيل سيرغيفيتش غرباتشوف، ثم تعرف الشعب الجزائري معايشة، على الفضاء الاعلامي المفتوح والحر والمهني، كما تابع عن كثب ممارسة التيارات السياسية بكل ألوانها، من اليمين الاسلماوي المتطرف، الى أقصى اليسار الشيوعي، كما عاين منها مشاهدة سلوكيات رموزها، وهنّات بعض مرتكزات حراكها، عرقية وقبلية وغيرها، وكان له السبق كذلك في انجاز أول انتخابات بمستوييها البلدي والبرلماني في العالم العربي، ثم انتهى الى تجربة الاحتراب بين الاسلاميين والعسكر ليقع الانقلاب، ومر على اثرها الى ما يشبه حربا اهلية دامية، التهمت أرواحا لا تحصى ودمرت بنى تحتية لا تقدر بثمن. كل هذه التجارب وتراكمات ما قبلها، تشكل رصيدا مهما، وأداة ضرورية لمعرفة الاجابة عن السؤال في مقدمة المقال. من كان يتوقع بأن الشعب الجزائري سيقتدي بغيره من الشعوب العربية، فلا شك أنه لم يضع تلكم التجــــارب في موضع الحساب، ولم يعرف حقيقة مدى أثرها على وعي الشعب، ولا شك أن المعادلة موضوعيا مقلوبة، فالأحرى والاكثر صوابا كان انتفاع النخب والانظمة العربية بما سبقت اليه الجزائر وما خلصت له من نتائج وعبر؛ ومن هنا يكون مدخل الجواب عن السؤال. الشعب الجزائري طوى صفحات تجارب عديدة تخوضها اليوم شعوب عربية، بأوجه وإن تباينت في بعض التفاصيل فهي مجتمعة تحت عناوين واحدة، مستوعبا في ما أتصور كل محصلتها، ويقف اليوم في مرحلة داخلية مفصلية؛ وعلى النخب سواء منها الحاكمة او الفكرية والسياسية والمجتمعية، أن تستثمر الماضي بوعي عميق ومسؤول، وتبتدع لهذا الوطن طريقة انتقال سلسة جدية، من مرحلة الأشخاص الى مرحلة المؤسسات، ومن مستوى الشخصنة الى مقام مفهوم الدولة، وضرورة ترسيخه في ممارستها لمهامها. وإن كنت في مقالي الاسبوع الماضي ‘مواصفات رئيس الجزائر القادم’، قد اشرت فيه لضرورة اختيار شخصية تجمع عليها المؤسسات السيادية والطبقة السياسية، فضلا عن تميزها بالكفاءة والخبرة والمستوى التعليمي العالي، وجمعها بين العمل العسكري والمدني؛ فذلك ليس لذاتها والعودة الى مربعنا الاول، وإنما يصحب هذا الخيار قرار جاد بضرورة التغيير على كل المستويات، بما فيها الطبقة الحزبية او السياسية والعسكرية والامنية والقضائية، ليستلم جيل الاستقلال المشعل، ويرفع قواعد بيت نظام ديمقراطي جمهوري محكم البناء. فمن يتأمل الوعيّ الجمعي للشعب الجزائري يقف حتما على حقيقة لفضه التيار الإسلماوي بشقيه، الوهابي المتطرف الذي لا يتقن سوى لغة التكفير وفكر القتل، وتوأمه الإخواني الذي انكشف تمثله فلكلور الوسطية والاعتدال، فضلا عن سوء تقديره، وجهله المطلق بمقتضيات المسؤوليات السياسية، كما تعرت أمامه بقية الاحزاب التي جعلت من عناوينها مجرد سجلات تجارية تافهة، ولم يبق في ما يبدو من رجاء إلا في التيار الوطني الخالص، الذي يرتكز في مبادئه على مكونات الشخصية الجزائرية. هذا التيار مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتصحيح أخطائه، وترميم صورته التي هزها الفساد، وشتت ألوانها العمل خارج أطر مفهوم الدولة، ما يستوجب بداية اطلاق طاقات الكفاءات الشابة، ودعوة الشعب بكل أطيافه للعمل الجاد على بناء دولة المؤسسات؛ متجاوزا خطاب تصفية الحسابات، والتغطية والتمويه بافتعال العداوة لبعض أهم مكونات الدولة ودعائمها، ذلك أنه ليس من أهداف الشعب ولا من همه متابعة رموز بخصوص قضايا الفساد، بقدر ما يهمه استرداد سيادة القرار وصناعته، ووضع البلد على سكة النمو العملي وقوانين تضمن مستقبلا العدالة الاجتماعية، فضلا عن حقوق المواطن الاساسية من حرية وكرامة. الشهور القليلة القادمة، ستبين إذا تمكنت دوائر السلطة الفعلية في الجزائر، من الإجماع على هكذا خيار كخلاصة تجارب صعبة، فقد تكون حينها حقا الجزائر مثالا رائدا للتغيير في العالم العربي. ‘ فلاح جزائري
ان شاء الله و لما لا تستلم الجزائر المشعل…و تقود الامة الى الصحوة الاسلامية