تواجه البشرية اليوم واحداً من أخطر التحديات التي مرت به على مدى قرون، فهناك كما بات معروفاً للكثيرين جماعات ضغط وقوى نافذة في العديد من الدول العظمى تحاول اليوم أن تعبث بالجنس البشري، وبالأعراف والقوانين البشرية المعمول بها منذ نشأة الخليقة.
والمؤسف في الأمر أن العلماء الذين ارتقوا باكتشافاتهم واختراعاتهم، بالبشر إلى أعظم المراتب بعضهم اليوم متورط في لعبة كبرى، ويشارك في حملة غير مسبوقة تاريخياً للتلاعب بجينات البشر وطريقة تزاوجهم وعلاقاتهم الجنسية والقيم العائلية التي يمارسونها منذ آلاف السنين.
ونحن هنا لا نحاول الدفاع عن الأديان، بل ندافع عن قيم علمية وبشرية طبيعية أرساها العلم والعلماء قبل غيرهم، ونقصد بها طبعاً عملية التزاوج البشري بمفهومها الأزلي، لكنها اليوم تواجه هجمة غير مسبوقة للتلاعب بها وتحويرها واستغلالها لأغراض لا يعلم بها إلا الله. في بلدان عدة هذه الأيام، لم يعد معترفاً برجل وامرأة، بل صار من الممكن أن تجري عمليات تحول جنسي للرجل بحيث يصبح امرأة، والعكس صحيح. ولا ننسى عمليات الزواج من نفس الجنس سواء كانت بين الرجال أو النساء. وهذا يعد انقلاباً غير مسبوق في تاريخ البشرية، ولا شك أنه إذا نجح في مراميه، سيقلب العالم رأساً على عقب، وستكون له تبعات ستغير وجه المعمورة. وكما نرى اليوم فإن المدافعين عن هذا التوجه يتمتعون بقوة رهيبة، ويحاولون فرض أجنداتهم على الجميع بشتى الطرق، لا بل إن الدول العظمى تخشى نفوذهم، وتحاول أن تتعامل معهم بقفاز من حرير خوفاً من تأثيرهم وسلطتهم وبطشهم، وفي بعض الأحيان تشد على أيديهم بفرض القوانين الجديدة التي يريدها هؤلاء القوم رغماً عن أنف الشعوب. لكن هل تنصاع البشرية، وخاصة في الغرب إلى أجندات تلك المخططات المرعبة، أم إنها قادرة بفطرتها الانتصار عليها مهما امتلك أصحابها من نفوذ وجبروت؟
واضح تماماً أن المجتمع المدني في الغرب بدأ يتحرك بقوة ليخوض اليوم معركة ناجحة ضد جماعات الضغط التي تعمل على تدمير القيم العائلية والطبيعة البشرية
من الملفت هذه الأيام أنه في الوقت الذي تشتد فيها الحملة لترسيخ مفاهيم الجنس والتزاوج الجديدة وفرضها على البشرية والانقلاب على القيم والقوانين العائلية الطبيعية، يخرج لنا مسلسل غربي عظيم يجتاح العالم كاجتياح النار للهشيم. اسم المسلسل )المُختارون) (The Chosen) وهو ليس جديداً في فكرته، لكنه جديد في تناوله للموضوع. على عكس كل الأفلام والمسلسلات القديمة التي تحكي سيرة السيد المسيح، يعمد المسلسل الجديد إلى تقديم شخصيات السيرة اليسوعية بشكل بسيط بعيداً عن التمجيد والتجميل والتضخيم، فالسيد المسيح نفسه يظهر في المسلسل كشخص عادي شكلاً ومضموناً ذي بشرة ليست بيضاء تماماً وعينين بنيتين، وشخصية محببة وبسيطة وقريبة لقلوب الجميع، كذلك الأمر بالنسبة لوالدته السيدة مريم التي تظهر أيضاً كامرأة بسيطة جداً في شكلها، ولا تملك أياً من الصفات التي صورها بها المخيال الغربي قديماً بجمال ملائكي أخاذ وعيون ملونة، مما يجعلها أيضاً قريبة جداً للمشاهد. وينسحب الأمر ذاته على تلاميذ المسيح الإثني عشر، فهم يبدون في المسلسل أشخاصاً عاديين بدون رتوش وإضافات تجميلية متمسكين بالقيم المسيحية والإنسانية الأساسية.
وعلى الرغم من أن المسلسل يبتعد كثيراً عن البهرجه والتلميع والمبالغة في تصوير شخصياته وأبطاله، إلا أنه يحظى اليوم بشعبية لم يسبق لها مثيل مطلقاً في أرجاء العالم كافة، وخاصة في الغرب، فقد وصل عدد مشاهدي الجزء الأول من المسلسل إلى أكثر من ستمائة مليون مشاهد، والرقم مرشح للوصول للمليار بسرعة هائلة. وتشير ردود الأفعال على ذلك المسلسل إلى أن الكثير من الغربيين عادوا إلى ممارسة الشعائر الدينية لشدة تأثرهم بشخصيات المسلسل وقصته والقيم التي يحاول ترويجها وإعادة إحيائها، كالمحبة والأخلاق والفضائل الأساسية، وخاصة القيم والقوانين العائلية التي تعرضت على مدى عقود في الغرب إلى التآكل والاضمحلال. الكثيرون اليوم في الغرب تأثروا بالمسلسل بعد أن اجتاح مواقع التواصل بطريقة لا مثيل لها. والملفت جداً في الأمر، أن تمويل هذا المسلسل الرائع لم يأت من حكومات أو مؤسسات ذات أهداف معينة، بل إن التمويل جاء كلياً من الناس العاديين الذين تبرعوا للشركة المنتجة كي تنتج ذلك المسلسل البديع. ولعلنا نستشف من عملية التمويل الشعبية أن القاعدة المسيحية العريضة في الغرب بالرغم من كل محاولات إضعافها وتطويعها وغسل أدمغتها والتلاعب بتركيبتها وعقليتها وقيمها عبر الأذرع الرأسمالية الشيطانية، إلا أنها لم تفقد قيمها الدينية الطبيعية وفطرتها الإنسانية، فها هي اليوم من خلال إقبالها منقطع النظير على متابعة مسلسل (المُختارون) والقيم التي يركز عليها توجه رسالة للذين يحاولون العبث بالقيم البشرية الفطرية وجذورها تقول فيها: «نحن لكم بالمرصاد. نحن متمسكون بقيمنا وفطرتنا البشرية، ولن نسمح لكم بالعبث بها وتحويرها لأهدافكم الشيطانية».
واضح تماماً أن المجتمع المدني في الغرب بدأ يتحرك بقوة ليخوض اليوم معركة ناجحة ضد جماعات الضغط التي تعمل على تدمير القيم العائلية والطبيعة البشرية والتلاعب بخلق الخالق والأقانيم الإنسانية من خلال لعبة ما يسمى (الجندر). وقد علق البعض على المسلسل قائلاً: أيها العابثون بالخلق البشري: ألم تروا ما حدث للأقوام التي حاولت في التاريخ القديم العمل ضد الفطرة والغريزة والطبيعة البشرية؟ ألا تتفق كل الأديان السماوية على نبذ تلك الظاهرة ومحاربتها كما جاء في الكتب المقدسة؟
لا شك أن المعركة طويلة بين الشعوب والحركات الجديدة الرهيبة والنافذة التي باتت تعبث بتركيبة البشرية والبشر، لكن المسلسل الجديد يشكل بداية صحوة شعبية عالمية كبيرة كما يظهر من عدد مشاهديه والاهتمام الشعبي الكبير بمحتواه ورسالته، فهل تنتصر البشرية على شياطين الأرض؟
كاتب واعلامي سوري
[email protected]