نتباهى على المستوى العربي بالمؤرخ والمنظر السياسي والاجتماعي عبد الرحمن بن خلدون، ونكاد نأخذ عنه من الأفكار والآراء، دون كثير من التقييم أو المحاكمة الفكرية، وبصورة قد تصل إلى حد التقديس، وأتذكر في بواكير الشباب معركة فكرية طاحنة حدثت بين الأكاديمي المصري محمود إسماعيل ونخبة من المفكرين التونسييين، عندما أقدم على التشكيك في أصالة أفكار ابن خلدون وسطوه الفكري على رسائل إخوان الصفا، وأخذت المعركة الفكرية المنحى الشوفيني، وأظهرت جوانب من الاعتداد القومي، أطاحت بأصول الحوار العقلاني.
ابن خلدون مثقف تابع للسلطان في النهاية، وظهرت هذه الصورة بوضوح في علاقته مع تيمورلنك، إذ يذهب البعض من المؤرخين إلى أن ابن خلدون تقدم بتقرير استخباراتي لتيمورلنك، يصف بدقة بلاد المغرب وتفاصيلها الطبيعية والاجتماعية والسياسية، تحت دعوى كتاب يهديه عادة المثقفون للحكام عرفاناً بالرعاية المادية والمعنوية. لم يكن ابن خلدون في تنظيره للدول والسلطة بصراحة ومكاشفة، وحتى وقاحة مكيافيلي، كما لم يكن على القدر نفسه من الإتقان والعملية، اللذين قدمهما نظام الملك الطوسي في كتابه «سياست نامة»، فهو مثقف قلق وأعمق من مكيافيلي ونظام الملك، وأخطر كثيراً أيضاً، فأثره على الحكام العرب، خاصة ممن أدعوا لأنفسهم الثقافة والفكر كان ملتبساً، وخفيف الخطى، مثل قاتل يتربص بضحيته في زقاق معتم.
يمثل ابن خلدون الارستقراطية العربية بكل عيوبها ونقائصها، ولذلك انطبعت أفكاره عميقاً حتى بين الحكام العرب من غير المثقفين، فهو ليس صريحاً أو مباشراً ويفضل تغليف أفكاره بشيء من التلطف والترفع، حتى لو كانت تعالج أمراً عملياً للغاية، فالحاكم العربي يفضل دور الأب، الذي يفهم مصلحة أبنائه أكثر منهم، كما ويضيق بالتفاصيل مفضلاً بالتحليق على مستوى مرتفع، يحدث عاجلاً أم آجلاً، انفصاماً بين الرؤية التي يحملها الحاكم وما يجري على أرض الواقع، ولمسات الخلدونية كانت موجودة لدى جمال عبد الناصر وصدام حسين والقذافي، وبشكل مكثف لدى الحبيب بورقيبة.
ابن خلدون ينتمي للتاريخ، وتونس جزء من المستقبل في مخاضها الصعب الذي سيكون ملهماً لغيرها من الدول العربية
بورقيبة نموذج مختلف، فهو مثقف من حيث المبدأ، ويفوق في تأهيله العلمي والفكري ذي الصبغة العصامية أياً من مجايليه من الحكام العرب، وكانت واقعيته المختلفة تمثل صدمة للجميع، إلا أنه لم يكن رجل التفاصيل أيضاً، ومن عدم عنايته بهذه التفاصيل توسعت سلطات زين العابدين بن علي، وتمت الإطاحة بزعيم (الاستقلال) كشيخ خرف، وكالعادة لم يؤسس بورقيبة دولة منيعة، فحضرت المؤسسات والأجهزة والشعارات والمؤامرات، ولم تحضر الدولة، وتحولت تونس العميقة جداً بخبرتها التاريخية والحضارية، التي نافست الحضارة الرومانية يوماً إلى قبيلة أخرى. احتضنت تونس الخلدونية، ذلك الفهم العميق للمتناقضات، والإصرار على أن مناكفتها ومعاندتها والوقوف في وجهها وفي وجه حركة التاريخ، والخروج من بوتقة القبيلة الصريحة مع الانتخابات التونسية، والهرب إلى الأمام من حلقة العمامة والبندقية، مع جولة انتخابية تضع الأكاديمي وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد في مواجهة رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي، في نموذجين يبدوان جديدين على المشهد العربي بشكل عام. الباحث التونسي شريف مبروكي لم يستسلم لنشوة الإطلالة المدنية على الجولة الانتخابية المقبلة، وأبدى تخوفات من مشروع قيس سعيد المحافظ بوضوح، حتى أنه استدعى نموذج الديكتاتور البرتغالي أنطونيو سالازار، الذي كان أيضاً أكاديمياً في مجال القانون والاقتصاد، وتخوف مبروكي أيضاً من دفع البلاد إلى مشكلات قانونية تكبيلية أخرى، وعلى الرغم من إشارته إلى طيبة الرجل بالسليقة، إلا أنه يراها مشكلة أخرى لا تقل عن محافظته وتغيب مشروعه السياسي.
الخلدونيون في مواقع السلطة يتوزعون بين المثقفين وأنصاف المثقفين والجهلة والأميين تماماً، ولكنهم يفضلون الخلدونية الشعاراتية، وقليلة الحيلة أمام التفاصيل والتحديات اليومية، وقيس سعيد يشبه إلى حد بعيد رئيس وزراء الأردن عمر الرزاز، الذي أعلن عن خلدونيته مبكراً ويكاد يضع الأردن على فوهة أزمة واسعة مجدداً، ولذلك أشارك مبروكي تخوفاته لثقتي في آرائه بشكل عام، ولاقتراب الأردن من المدرسة الخلدونية بصورة كبيرة مؤخراً، وعلى الرغم من ذلك أتمنى أن يكون الصديق مبروكي مخطئاً.
الخروج من حلقة العسكر والإخوان خطوة جيدة، ولكنها لا تضمن الانتقال إلى مؤسسية الدولة، وتحويل الرئيس إلى موظف كبير يقود مشروع أمة تتحدد ملامحه من خلال التمثيل الجيد لمواطنيها ومصالحهم، والمشكلة مع ظاهرة الحكم العربي، تتمثل في إصرار الحاكم على الاستبداد بالرؤية وفرضها على الجميع، في شهوة مفتوحة لحيازة مجد شخصي يكون مستلباً في الأساس من المجد الوطني، الذي هو بحد ذاته مجرد وهم خلدوني آخر، فالأساس أن يعمل الحاكم على صيانة كرامة المواطنين وتوفير سبل المعيشة المحترمة. ربما المطلوب اليوم هو تأسيس هذه الكرامة الوطنية وفق مفهوم واقعي، والحل ليس في رئيس فرد يواجه الدولة العميقة وتقاليدها، ولا يبدو قيس وحده قادراً على هذه المهمة، والثقة في الشعب التونسي الذي يثبت مدى وعيه واختلافه، أن يساهم من خلال فعاليته السياسية في وضع الأمور في نصابها، وأن ينحي جانباً الأدبيات السياسية القديمة، من الممارسات الأبوية والوصائية، لمصلحة بناء أرضية جديدة تصلح لبناء دولة منيعة بمؤسساتها لا بأفرادها الملهمين، أو القادمين في موعدهم مع التاريخ. ابن خلدون على كل مكانته ينتمي للتاريخ، وتونس جزء من المستقبل في مخاضها الصعب الذي سيكون ملهماً لغيرها من الدول العربية.
كاتب أردني
كما عليسة …كما حنبعل….كما الملكة ديهيا ….كما سانت اوغستان ….كما ابن خلدون …كما بورقيبة ….هم تاريخ تونس و هم مستقبل تونس لأن كن لا تاريخ له لا مستقبل له …تونس صغيرة مساحة و جغرافيا نعم لكن كبيرة جدا تاريخ و حاضر و مستقبل أيضا لمن يفهم اما الأغبياء الذين يروجون لعمس ذالك فعذرهم معهم ….
في المغرب لدينا تاريخ حقيقي نفخر به وليس تاريخا مبنينا على أساطير وخرافات ما قبل التاريخ.
كان الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، من أشد معجبي ابن خلدون ….
لماذا يا تري سامي المحاريق لم يعجيه ابن خلدون بل والصق به طغاة الماضي والحاضر والمستقبل بابن خلدون لمثلبة واحدة تغرص لها حين غزا تييمورلنك بلاد الشرق والغرب وغلب الجيوش ويريد من ابن خلدون ان يفعل ما عجز العروبيون ان يفعلوه آنذاك لانهم ببساطة لم يقرؤوا مقدمته ولم يخبروا ان للدولة عمرا اذا لم تعد تجديد دورة حياتها فان طريقها الي الزوال وهذا ما جعل تيمورلنك يدني ابن خلدون منه , بل وامر ان تترجم كتبه لكي يستفيد منها قومه من بعده ؟!!!!
حرية الرأي يوصي بها بديع السموات و الأرض و رسوله المصطفى(ص)
هل هذا حكم على النوايا؟ الرجل لم يفز بعد!
ما أشبه البارحة باليوم وما أشبه بن خلدون بقيس فكلاهما له علاقة بالإجتماع الإنساني وكلاهما رمته سهام الحقد.
عنوان رائع بشرط (هل تنعتق تونس من ابن خلدون؟) لو تم تعميمه، على كل النظام البيروقراطي، الذي يُمثّل دولة الحداثة، في الأردن (الملكي) بالإضافة إلى تونس (الجمهوري)، لماذا؟!
عقلية بندقية للإيحار، هو أساس تكوين دولة الكيان الصهيوني، بعد عام 1947 بواسطة فرنسا وروسيا،
الإشكالية كل الإشكالية، هو بعد 11/9/2001، تم تعميم ذلك، على كل دول نظام الأمم المتحدة، عندما أعلن جورج بوش بكل صراحة (من ليس معنا فهو ضدنا)،
للتغطية على فساد/تقصير أداء النخب الحاكمة لأمريكا في واجبها تجاه الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمُنتجات الإنسانية في الدولة من دافعي الضرائب والرسوم والجمارك.??
??????
أهنىء الكاتب على جرأة إشاراته حول الفكر الخلدوني وشخصية ابن خلدون. ..وإن كنت أختلف معه في موضوع الالحاق القياسي لنماذج سياسية لايربطها سياق منطقي محدد. ..فهناك الزعيم القومي الطامح. ..وهناك مدعي الزعامة المفتون بثقافة الإستعمار والمسكون بنرجسية فاقت الحد الأقصى حسب تصنيف علم النفس…وللإشارة فإن ابن خلدون التقى فكريا في تيار الإسقاط التبخيسي لمنطقة المغرب الكبير. .لحساب التملق الشديد للمشرقية الفكرية والفقهية..