دمشق – «القدس العربي» : ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أنّ إيران بصدد نقل قاعدتها العسكرية التي تستقبل شحنات الأسلحة، بالقرب من العاصمة السورية دمشق، إلى قاعدة «تيفور» القريبة من مدينة حمص وسط البلاد. وكشفت الصحيفة أن القرار الإيراني بنقل قاعدته العسكرية من مطار العاصمة إلى أكبر مطار عسكري في سوريا جاء في اعقاب «طلب النظام السوري الذي شعر بالإحراج بسبب تكرار الهجمات التي تشنّها إسرائيل، والتي تستهدف المنطقة».
خبير إيراني لـ «القدس العربي»: انتقال طهران إلى «التيفور» هدفه الابتعاد عن المواجهة مع إسرائيل
ويشكل هذا الخبر – ان تأكدت صحته فعلاً- نقطة تغير في موقف النظام الإيراني، برأي خبراء ومطلعين، وهو دليل حسب رأيهم على ان إيران ليس لديها نوايا حقيقية بمواجهة إسرائيل على الرغم من كل الشعارات والتصريحات التي تخرج على لسان مسؤوليها حول حقيقة «الحرب مع إسرائيل».
د. حسن هاشميان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإيرانية اعتبر ان نقل ثقل إيران وقواتها من محيط مطار دمشق الاقرب إلى الحدود الإسرائيلية إلى مطار التيفور وسط سوريا، له دلالة بالغة، ويشير إلى رسائل تفيد بوقف إرسال المعدات العسكرية والتعزيزات إلى حزب الله كما وضع السياسة السابقة لطهران في تغذية مخلبها في سوريا ولبنان، لافتاً لـ»القدس العربي» إلى ان الخطوة اذا فعّلت من شأنها تبديد حجة إسرائيل في الهجوم على مواقع إيران في سوريا، كون مطار دمشق هو أهم مقرات التذخير والعتاد والاسلحة لحزب الله.
ترك الحدود والمواجهة
وقال الخبير في الشأن الإيراني ان انتقال إيران إلى «التيفور» هو بهدف الابتعاد عن الحدود مع قوات الاحتلال الإسرائيلي «وكأنها تقول لتل أبيب نحن نبتعد عن تمويل أنشطة الحزب» ودعم تحركاته ذات الاستراتيجية الإيرانية التوسعية السابقة التي سببت تحرك الجيش الإسرائيلي ضد طهران في سوريا.
وأعرب هاشميان عن ثقته بأن خطة طهران لن تؤتي أكلها، حيث كان مطار التيفور قد تعرض مرتين على الأقل لغارات الإسرائيلية خلال شهري شباط/فبراير وأيار/مايو العام الماضي، واعتقد المتحدث ان لا شيء سيغير في الخطة الإسرائيلية والهجمات ضد مواقع إيران في سوريا، بل انها ستستمر حتى في مطار التيفور العسكري قرب حمص، مضيفاً ان هذه الخطة لن تغير شيئاً داخل إسرائيل في ظل حاجة نتنياهو إلى هذه المواجهة غير المتكافئة مع الإيرانيين، خاصة انه تحت الضغط من اجل انتخابات جديدة.
وقال إن إيران خلقت في سوريا معادلة لصالحها ضد الشعب السوري، والانظمة المحلية الموجودة في المنطقة، ولكنها لا تسعى لخلق توازن عسكري مع إسرائيل، وهي تدرك انه في أي مواجهة ضد تل ابيب سوف يبرز ضعف طهران امامها، لذلك فإن إيران تريد الاستغلال والاستفادة من قوتها في المعادلة التي حصلت في الداخل ضد الشعب السوري والاحتفاظ بنظام بشار الأسد دون الدخول بموازنات اخرى تعرف نهايتها الخاسرة وخاصة مع إسرائيل وهي من اهم اسباب هرب طهران من التيفور.
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن مركز الإمدادات العسكرية الإيراني الحالي المعروف بـ»بيت الزجاج» يقع داخل حرم مطار دمشق على مسافة عشرات الأمتار فقط من مبناه الرئيسي، وذهبت للقول، إن إسرائيل تعتقد أن وجود هذا المركز «يهدد أمن المسافرين ويعرض للخطر أمن السلطات السورية».
وأشارت الصحيفة حسب موقع «روسيا اليوم» إلى أن إيران اتخذت خلال السنوات الأخيرة من «بيت الزجاج» مركزاً لإدارة عملياتها العسكرية في سوريا، والقيود مفروضة على الوصول إليه، ويضم هذا الموقع مستودعات للأسلحة، بما فيها مخبآن تحت الأرض.
وحول الازدواجية وعلاقة روسيا مع كل من إسرائيل وإيران، قال الخبير الإيراني هاشميان لـ»القدس العربي»، إن موسكو تولي تل ابيب اهمية بالغة لوجود علاقات قوية بين الجانبين وهذه العلاقات لا تقلل من علاقتها مع ايران، لكن موسكو تستخدم إسرائيل كورقة ضغط ضد الوجود الإيراني في سوريا.
ويجمع مراقبون أن الهجمات والحملات الإسرائيلية ضد الايرانيين في سوريا جاءت بالتنسيق مع الروس، في وقت يبدو فيه لافتاً لعب الموقف الروسي على الحبال بين حليفيه إسرائيل وإيران، حيث تستخدم موسكو قوات المشاة الإيرانية وعناصر ميليشياتها في سوريا عند الحاجة إلى أي تتحرك على الأرض، بدون تغير رغبتها في تقويض التوسع الإيراني وتحجيم نفوذها بالتنسيق مع الكيان الصهيوني في تل أبيب، اذ يبدو بذلك جلياً استخدام موسكو لورقة إسرائيل لصالحها ضد إيران.
خلافات روسية – إيرانية
الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، د. علاء السعيد، رأى ان القرار السوري مقيد ومرتبط بشكل مباشر بالأوامر الإيرانية، معتبراً أن طهران تحاول خلق أوراق قوة لها في سوريا وخاصة بعد تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي الأخيرة والتي أعلن فيها وبكل وضوح أن روسيا تقف في صف الكيان الصهيوني وتعمل على ضمان أمن إسرائيل، وذلك من خلال دعوتها لوزير الخارجية السوري وليد المعلم التي جاءت بالأمر المباشر من طهران تزامنًا مع تواجد غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا والتي كانت مقررة مسبقاً.
وقال الخبير في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية «أفايب» لـ «القدس العربي»، انه من ذلك المنطلق لاح في الأفق ظهور خلافات روسية – إيرانية في سوريا رغم الشراكات المتعددة والرشاوى الاقتصادية التي تقدمها إيران لروسيا من تنازلات كبيرة في حصة نفط بحر قزوين أو صفقات الأسلحة والمعدات والتي تصب كلها في مصلحة «الدب الروسي» فكان توقيت الزيارة للضغط على الشريك الروسي وكذلك على الشريك التركي الضامنين لعملية أستانة. لافتاً إلى ان زيارة المعلم إلى طهران، جاءت للتأكيد على ترحيب نظام دمشق بالتواجد الايراني على أرض سوريا و»أن النظام هو من طلب من طهران التدخل حتى يكون ذلك ورقة ضغط من أجل تمديد بقاء ميليشيات إيران في سوريا وبطريقة شرعية منعاً لمؤاخذة طهران على ذلك التدخل ولذلك جاءت زيارة المعلم إلى طهران أثناء زيارة المبعوث الأممي لطهران».
أما عن التهديدات الإسرائيلية لإيران، فقال السعيد «عهدنا تلك التهديدات من آن لآخر وعندما تقوم إسرائيل بضرب قواعد إيرانية أو تجمعات لمليشيات إيرانية إنما لتقول أننا نشارك في اللعبة العسكرية داخل سوريا وإننا قادرون على الوصول إلى أي مكان لأي دولة في الجوار ولذلك تختار الطرف الأضعف من المتواجدين في سوريا وهو الجانب الإيراني كمسرح لعملياتها، وإن كان هناك شك في ضرب مواقع حساسة لإيران بل قد يمتد الأمر إلى تكملة ما عجزت عنه إيران في القضاء على المكون الثوري في سوريا أو على الأقل إنهاك سوريا وتدميرها «حتى لا يكون هناك أي تهديد مستقبلي من الحدود السورية.