■ نيويورك – وكالات: في القمة الأخيرة لتجمع «بريكس» في مدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية في الأسبوع الماضي قررت الدول الخمس الأعضاء دعوة 6 دول أخرى للانضمام إلى التجمع. ولا يبدو أن ضم الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى التجمع الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، سيكون نهاية المطاف ، خاصة مع وجود 16 دولة أخرى قدمت طلبات رسمية للانضمام إليه.
وحسب البيان الختامي لقمة جوهانسبرغ فإن ضم الدول الست يمثل مرحلة أولى من توسيع أكبر لعضوية «بريكس» بهدف منح الدول النامية نصيباً أكبر في صناعة القرار العالمي.
وفي مقالة افتتاحية أمس الأربعاء قالت وكالة بلومبرغ للأنباء أن التجمع الجديد المكون من 11 دولة لن يجد التوفيق بين مصالح وسياسات الدول الأعضاء أقل صعوبة مما واجهه التجمع وهو يضم 5 دول فقط. والاحتمال الأكبر أن يؤدي توسيع «بريكس» إلى زيادة صعوبة التنسيق بين مواقف الأعضاء. معنى هذا أن إعلان ضم الأعضاء الجدد أقل أهمية مما يتم محاولة الإيحاء به. ورغم ذلك من الصعب تجاهل ما حدث. فالتجمع بتشكيلته الجديدة يمكن أن يضعف قنوات التواصل الدولي القائمة في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى تحرك جماعي لمواجهة المخاطر التي لم يواجهها العالم من قبل.
فالرغبة المتزايدة من جانب دول العالم لإيجاد بديل للنظام العالمي السائد حالياً هو تطور مهم في حد ذاته ويمثل فشلاً للقيادة الأمريكية للعالم.
وحسب افتتاحية بلومبرغ فإن الصين، وهي المهندس الرئيسي والمؤيد الدائم لتوسيع التجمع، ترى فيه وسيلة لممارسة قيادتها الاقتصادية والجيوسياسية على المسرح العالمي.
كما أن روسيا، التي تبحث عن شركاء اقتصاديين جدد وتخفيف تكلفة حربها في أوكرانيا، متحمسة أيضاً لضم دول جديدة إلى بريكس. ورغم أن الدول الأخرى الأعضاء في «بريكس» كانت متشككة في البداية ولا ترغب في رؤية التجمع يناوئ بشدة الولايات المتحدة وشركائها في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، فإنها وافقت على توسيع التجمع بغض النظر غن ذلك.
ورغم كل التباينات بين دول «بريكس» الـ11 فإنها تتفق بوضوح على أن القواعد والمؤسسات العالمية الحالية لا تخدم مصالحها بالطريقة الصحيحة.
وفي أفضل الأحوال فإن احتمالات تحقيق التجمع لنتائج إيجابية تظل محدودة. ففي عام 2016 أسست الدول الأعضاء آلية مشتركة للسيولة المالية، تسمح له بإقراض بعضها البعض في حالات الطوارئ، وتقديم بديل لـ»صندوق النقد الدولي». كما أسسوا بنك التنمية الجديد على غرار البنك الدولي. ومولت الصين برامج للبُنية التحتية في الدول الأعضاء ودول نامية أخرى كجزء من «مبادرة الحزام والطريق». وتأمل الدول الأعضاء في تطوير ترتيبات تجارية جديدة خارج نطاق «منظمة التجارة العالمية». كما تتحدث هذه الدول أيضاً عن إطلاق عملة جديدة تحررها بدرجة ما من سيطرة الدولار الأمريكي.
ومع ذلك ترى بلومبرغ أن تجمع «بريكس» لم يحقق حتى الآن شيئا مهماً على صعيد دعم الاستقرار وزيادة القدرات الاقتصادية للدول الأعضاء. في المقابل فإن إضعاف المؤسسات الدولية القائمة ستجعل التعاون متعدد الأطراف الحقيقي أشد صعوبة.
وتعترف وكالة بلومبرغ بأن السخط على المؤسسات الدولية والقيادة الأمريكية للعالم له ما يبرره. وليس من قبيل المصادفة أن يتزامن وصول أعضاء بريكس إلى 11 دولة، مع ابتعاد الولايات المتحدة عن القيادة الاقتصادية للعالم، والذي تسارع في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وتأكد في عهد خلفيته الرئيس الحالي جو بايدن.
ويفقد صندوق النقد والبنك الدوليان بوصلتيهما بصورة متزايدة، كما أصبحت «منظمة التجارة العالمية» شبه ميتة، بعد أن عرقلت الولايات المتحدة عملها بدرجة كبيرة. كما أن المبدأ الحاكم للسياسة الأمريكية لم يعد «الرخاء العالمي» وإنما «صنع في أمريكا». لذلك يمكن التسامح مع رغبة الاقتصادات الناشئة في إيجاد بدائل للنظام العالمي الذي يبدو أنه يضع مصالحها في المرتبة الأخيرة.
غير أن المأساة في رأي محللي بلومبرغ تكمن في هذا الانقسام العالمي يأتي في أسوأ وقت ممكن. فأسعار الفائدة المرتفعة تزيد الضغوط المالية التي تواجهها الكثير من الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط. وإذا حدثت أزمة ديون عالمية جديدة، فلن يمكن محاصرتها في نطاق ضيق. كما أن تكلفة التغير المناخي تتزايد، وجهود دول «بريكس» لمواجهة هذا التحدي ستكون حيوية سواء الآن أو في المستقبل. وهذه التحديات حتمية وتحتاج إلى تعاون عالمي لمواجهتها.
معنى هذا أن تفكك النظام العالمي متعدد الأطراف حالياً أمر بالغ الخطورة. وعلى الولايات المتحدة وشركائها التحرك بشكل عاجل لإصلاح هذا النظام، مدفوعين بالقلق من تداعيات توسيع تجمع «بريكس».
في هذه الأثناء تسعى الولايات المتحدة جاهدة لتطوير خطابها الموجّه إلى بلدان العالم النامية في ظل توسيع مجموعة «بريكس»، إلا أن قلة في واشنطن يرون في النادي المدعوم صينيا تهديداً مباشرا للولايات المتحدة. وبينما اجتمع قادة بلدان «بريكس» في جوهانسبرغ، كرّرت إدارة الرئيس جو بايدن تعهّداتها بشأن زيادة تمويل دول العالم النامية عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتعهّد مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جيك ساليفان بالكفاح من أجل إصلاح البن وصندوق النقد الدوليين اللذين يتخذان من واشنطن مقرا خلال قمة مرتقبة لمجموعة العشرين تستضيفها نيودلهي.
وقلّلت واشنطن علناً من أهمية توسيع «بريكس»، واكتفت بالتنويه إلى أنّ من حقّ البلدان اختيار شركائها.
وبينما لفت إلى التباينات الكبيرة في السياسات بين دولها، قال ساليفان للصحافيين في وقت سابق «لا نرى أن بريكس يمكن أن تتطور إلى خصم جيوسياسي من نوع ما للولايات المتحدة أو غيرها».
لكنّ خبراء يرون أنّ توسيع «بريكس» كشف على الأقلّ عن حاجة للتعامل بطريقة جديدة مع الاحتياجات التي لا تتمّ تلبيتها، على الصعيد الاقتصادي إن لم يكن الأمني.
وقال سارانغ شيدور مدير برنامج «غلوبال ساوث» في معهد «كوينسي» المدافع عن سياسة خارجية أمريكية أقلّ تركيزاً على الجانب العسكري أنّ البلدان الناشئة «تبحث عن خيارات لا بدائل».
وأضاف «إنها رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنّ هذه الفجوات مؤذية وأن بلداننا لا تكتفي بالشكوى منها وتوجيه الانتقادات من الهامش، بل تتحرّك في مسعى لسدّ هذه الفجوات».
وأوضحت المحلّلة السابقة المتخصصة في وكالة الاستخبارات المركزية لدى المجلس الأطلسي، كولين كوتل، أنّه بالنسبة للصين كان توسيع «بريكس» مرتبطاً أكثر بخطاب هدفه إظهار أنّ الدول النامية تصطف إلى جانبها، بدلاً من أيّ خطط ملموسة للعمل المشترك.
مع ذلك، يعكس التوسيع في رأيها وجود رغبة في إحداث تغيّر.
وأضافت أنّ على الولايات المتحدة أن تضع إستراتيجية أكثر فعالية من إصرارها الدائم على العمل مع «بلدان تفكر بالطريقة نفسها»، لكن يُستبعد أن تنجح في استنساخ نهج الصين في الإنفاق على مشاريع البُنى التحتية.
وقالت أيضاً «يجب أن تكون هناك حزمة كاملة — الرؤية المفصّلة البعيدة الأمد إضافة إلى الأموال الملموسة الداعمة لها».