هل ثمة مبادرة لجهة معارضة تجاه نظام الأسد؟

حجم الخط
0

كشف سبهان ملا جياد، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي، عن «تلقي العراق طلباً رسمياً من أحد أطراف المعارضة السورية لرعاية حوار مع النظام السوري في بغداد»!
وهكذا، إذا حدث واستجاب نظام دمشق مع هذه الوساطة العراقية، سيسجل التاريخ أن ذلك «الطرف» المجهول قد سبق الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ودولاً أخرى في الالتحاق بقطار التطبيع المتسارع مع النظام الذي سعت لإسقاطه طوال العقد المنصرم، وفشلت في ذلك.
صحيح أن السياسة، عموماً، لا تقوم على ثوابت، بل تشهد الكثير من انقلاب التحالفات إلى عداوات، وتنتهي صراعات دموية بتوافقات بين المتصارعين، ولا تقوم السياسة على محرمات، ولكن بعض المواقف العدائية بين فاعلين سياسيين تبلغ درجات يصعب التراجع عنها بسهولة، وتتطاير تصريحات شديدة القسوة بين ممثلي تلك الأطراف المتصارعة لا تترك أي باب موارب لإعادة النظر والتراجع. فها هو الرئيس التركي يوجه الدعوات المتتالية إلى رأس نظام دمشق لعقد لقاء قمة بينهما بهدف طي صفحة العشرية الدامية في سوريا التي انخرطت فيها تركيا بنشاط وكان هدفها المعلن إسقاط النظام السوري، وبعدما وصفه بالقاتل والمجرم وغيرها من الصفات. وها هو يستقبل السيسي في مطار أنقرة وكأنهما صديقان مقربان، بعد اثني عشر عاماً من القطيعة، وهو الذي كان وصفه، بعد انقلاب 30 حزيران والإطاحة بأول رئيس منتخب في تاريخ مصر، بأشد الألفاظ وتعهد أمام جمهوره بأنه «لن يصافح السيسي أبداً»!
الأمثلة كثيرة على انقلاب المواقف من الضد إلى الضد، وتعمدت الاكتفاء بمثال السياسة التركية المتغيرة بانعطافات حادة، لأن «الطرف» المجهول في المعارضة السورية الذي أشار إليه المستشار العراقي يكاد أن يكون معلوماً، وهو طرف متسق عموماً مع السياسة التركية، إضافة إلى النفوذ التركي المعلوم على الائتلاف السوري المعارض ككل. فقبل فترة قصيرة نشر محمد سرميني، رئيس مركز جسور للدراسات، صورة جمعته مع عمار الحكيم قائد لواء بدر المنضوي في إطار الحشد الشعبي العراقي. ويعرف السوريون دور الميليشيات الشيعية العراقية في القتال إلى جانب نظام الأسد، وارتكابها لجرائم يصعب عدها بحق السوريين.
أمام ردود الفعل الغاضبة من البيئة المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي، اضطر سرميني لحذف تلك الصورة، من غير أن يقدم أي تسويغ للقائه بالحكيم، لا مع الصورة حين نشرها ولا بعد حذفها. الرجل ليس عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، لكنه من البيئة الإخوانية. فهل يا ترى حمل رسالة من ذلك «الطرف المعارض» إلى الحكومة العراقية بوساطة جهة سياسية هي الأشد تحالفاً مع نظام الأسد؟ هذا مجرد افتراض، تكمن قوته في أن سرميني ليست له صفة سياسية، بل يدير مركز أبحاث، ومن السذاجة افتراض أن لقاءه مع الحكيم كان لأهداف بحثية.

النظام الذي تعامل بمرونة مع دول عربية طبّعت علاقاتها معه، ولا يرفض من حيث المبدأ تطبيع العلاقات مع تركيا، يصعب أن يتخلى عن «مبدئيته» في العداء للمعارضين السوريين

ولكن من جهة أخرى نشرت جماعة الإخوان المسلمين، مؤخراً، ما أسمته «الموقف من النظام الإيراني ـ رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سوريا» تساوي بين الخطرين الإسرائيلي والإيراني على «هوية الأمة» معتبراً الصراع بينهما صراعا على النفوذ في المنطقة. لا يتعلق مضمون «الرؤية» إذن بالصراع في سوريا الذي كان الإخوان طرفاً فيه ضد نظام الأسد، بل أكثر بالحرب التي تشنها إسرائيل منذ ما يقترب من عام على قطاع غزة، فتعلن تمايزها عن الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين (حركة حماس) التي بينها وبين إيران تحالف تكتيكي. فالعدو وفق الوثيقة الإخوانية هو إيران، وليس النظام السوري.
وكأن الجماعة ارتأت نشر هذه الوثيقة في هذا التوقيت في مسعى للتبرؤ مما يمكن أن تتهم به بالسعي إلى فتح حوار مع النظام، أو من وقوفها وراء زيارة رئيس مركز الأبحاث المشار إليه إلى بغداد ولقائه بقائد إحدى الجهات المرتبطة بإيران. وخاصةً أن رد النظام على مبادرة مفترضة للحوار برعاية العراق قد يقوّها من أساسها. وهذا احتمال مرجح على أي حال، فالنظام سبق ورفض كل محاولات الجماعة للمصالحة معه، وكل وساطة بينه وبينها، إضافة إلى رفضه المطلق للاعتراف بأي معارضة على طول الخط، واعتباره لهم عملاء وخونة وإرهابيين.
وجرت أول محاولة إخوانية للمصالحة مع نظام حافظ الأسد، في ثمانينيات القرن الماضي، بعد القمع الدموي لتمرد الطليعة المقاتلة بين 1980 ـ 1082، وهي مجموعة جهادية منبثقة عن الجماعة الأم. بعد سنوات من وساطة محلية بين النظام وقيادة الجماعة في الخارج سيرفض النظام أي تراجع عن القانون الذي أصدره مع بداية التمرد ويحكم بالإعدام على كل منتسب للجماعة حتى لو لم يرتكب أي عمل جرمي، ناهيك عن إصدار عفو عمن تبقى منهم في سجونه على قيد الحياة بعد إعدام أكثرهم أو قتلهم تحت التعذيب.
عادت جماعة الإخوان إلى النشاط بعد انتقال السلطة إلى بشار الأسد من خلال ما عرف ببيان لندن الذي جمعها مع معارضين من خارجها. وبعد انشقاق نائب الرئيس عبد الحليم خدام شكلت معه «جبهة الإنقاذ الوطني» في العام 2006. ثم «جمّدت» معارضتها لنظام الأسد حين شنت إسرائيل حرباً على قطاع غزة في العام 2009. وفي صيف العام 2011 التقى وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داوود أوغلو ببشار الأسد، ليقدم له مقترحات «إصلاحية» تكون بديلاً عن سقوطه المحتمل الوشيك تحت ضغط الثورة. ويقال إن داوود أوغلو قد اقترح ضم عدد من ممثلي الإخوان المسلمين إلى حكومة النظام، فرفض الأسد جميع المقترحات التركية جملة وتفصيلاً.
لم يعلن إلى الآن عن مبادرة إخوانية تجاه نظام الأسد، والمرجح أنها لن تعلن أبداً ما لم يقم النظام نفسها بالكشف عنها بمناسبة رفضه لها، أو المستشار العراقي الذي رفض حالياً الكشف عن الطرف المعارض الذي طلب من العراق التوسط لدى دمشق من أجل الحوار.
لا يمكن فصل هذه المبادرة الإخوانية المفترضة بمعزل عن التقارب التركي مع النظام. فقد شكل هذا التقارب صدمة كبيرة لكل المعارضة السورية المستظلة بالنفوذ التركي، وأدخلتها في أزمة «وجودية» إذا جاز التعبير. وطبيعي أن تكون الجماعة هي «الطرف» الأكثر تأثراً بهذه التطورات. فأمامها مثال التطبيع التركي مع نظام السيسي، ودفع أحد أثمانها إخوان مصر الذين تم التضييق عليهم وتم حظر نشاطهم المعارض على الأراضي التركية. وفي مناطق سيطرة الجيش التركي انقسمت الفصائل المسلحة بين مؤيد للتقارب التركي مع النظام ومعارض له.
النظام الذي تعامل بمرونة مع دول عربية طبّعت علاقاتها معه، ولا يرفض من حيث المبدأ تطبيع العلاقات مع تركيا، يصعب أن يتخلى عن «مبدئيته» في العداء للمعارضين السوريين.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية