هل سبق ماركس عصره؟ خمسة أسباب تؤكّد ذلك

ترجمة: حيّان الغربيّ
حجم الخط
3

ما مدى راهنية كارل ماركس؟ أخذ معرض أقيم في المتحف التاريخي الألماني في العاصمة الألمانية، برلين، على عاتقه استقصاء الأسباب التي تجعل من الفيلسوف الألماني وثيق الصلة بعصرنا الراهن.

ـ الزواج من امرأةٍ كفؤ له

ما كان ماركس ليحقق ما حققه من الإنجازات دون زوجته جيني ماركس (1814- 1881) واسمها عند الولادة: جوانا بيرتا جولي جيني فون فيستفالن، فلم تكن شريكة حياته صحافيةً وحسب، وإنما كانت أول قارئةٍ وناقدةٍ لكتاباته أيضاً كما أن النقاشات قامت بينها وبينه وبين الفيلسوف فردريك أنجلز، وقد مدّت لهما يد العون لصياغة «البيان الشيوعي» الأمر الذي يبدو جليّاً من خلال النسخة الخطية الوحيدة التي صمدت حتى يومنا هذا، فقد كُتِبَت السطور الأولى بخطّ يدها.
وبصفتها صحافيةً، كتبت جيني نصوصاً حول ثورة مارس/آذار 1848 في ألمانيا، فضلاً عن مراجعاتها لأعمال وليم شكسبير التي نشرتها في صحيفة «فرانكفورتر تسايتونج» الشهيرة. علاوةً على ذلك، كانت جيني ماركس تتولى التفاوض مع الناشرين، كما أتقنت عدداً من اللغات الأجنبية متفوّقةً على زوجها على هذا الصعيد. وقد أثبتت المهارات التي تمتعت بها جدواها حين اضطرت العائلة إلى تمضية معظم حياتها في المنفى، إلى درجة أن فريدريك أنجلز تحدّث عنها وعن زوجها: «بأنهما على مستوىً رفيعٍ سجيةً وموهبةً» كما أنه قال إثر وفاتها إنهم سيفتقدون بشدّةٍ «الجسارة والحكمة في مشورتها».

ـ المساعدة على تحقيق هدف تحديد يوم العمل بثماني ساعات

في عام 1866، أسهم كارل ماركس وفريدريك أنجلز في تبنّي رابطة العمال الدولية تحديد يوم العمل، بثماني ساعات، كمطلب رسميٍّ لها، إذ يقال إن الويلزي روبرت أوين، هو من أول من رفع هذا الشعار في بريطانيا في مطلع العقد الثاني من القرن التاسع عشر: «ثماني ساعات للعمل، وثماني ساعات للنوم، وثماني ساعات للراحة والترفيه». وفي عام 1918، صدر أول قانون يحدد يوم العمل بثماني ساعات في ألمانيا، ومنذ ذلك الحين، يتم إدخال تغييرات مختلفة على هذا القانون، إذ تعكف عدة دول أوروبية على تحديد يوم العمل بست ساعات في الوقت الراهن.

ـ مصدر إلهام لحركة «احتلّوا»

في تاريخ 17 سبتمبر/أيلول 2011، رفع المتظاهرون شعار: «احتلّوا وول ستريت» وعمدوا إلى احتلال حديقة زوكوتي بارك في الحي المالي في مدينة نيويورك، فيما كانوا يحتجّون على نظامٍ اقتصاديّ يزيد من ثراء قلّة من أصحاب الامتيازات ويغرق الأغلبية الكاسحة في المزيد من الفقر المدقع. وطالب المحتجون برفع مستوى تدخل الدولة في تنظيم القطاع المصرفي والمالي. وسرعان ما تمدّدت حركة «احتلّوا» لتنتشر في مختلف أرجاء العالم، وقد رفع المحتجّون في مظاهراتهم صوراً لكارل ماركس، التي تحوّلت إلى أيقونةٍ عالميةٍ لاسيما مع الشعار الجذّاب الذي حمّلوها به: «ألم أقل لكم إنني على صواب؟».
ومنذ اندلاع الأزمة المالية، عادت أعمال كارل ماركس لتصبح محطاً للاهتمام العالمي، فما زال الرجل يعتبر واحداً من أبرز نقّاد الرأسمالية. قد يسم البعض إرثه بالتناقض، فلطالما استغلّت الديكتاتوريات الاشتراكية، مثل الاتحاد السوفييتي وألمانيا الشرقية السابقين، أفكار الفيلسوف لإضفاء الشرعية على الاستبداد والسياسات المجحفة التي ميّزت دولها. ناهيك من أن موقفه تجاه المواطنين اليهود ما زال مثاراً للجدل، فعلى سبيل المثال، جرى استغلال كتابه «حول المسألة اليهودية» (الصادر عام 1844) في الدعاية المضادة للسامية من قبل الحزب الشيوعي في ألمانيا خلال عشرينيات القرن العشرين.

ماركس وزوجته جيني

ـ علو كعبه كباحث

ما زال العديد من الاقتصاديين في شتى أرجاء العالم يعتمدون على أعمال كارل ماركس إلى يومنا هذا، فعلى سبيل المثال، في عام 2013، أصدر الاقتصادي الفرنسي، توما بيكيتي، كتابه «رأس المال في القرن الواحد والعشرين» الذي تضمن إحالةً مباشرةً إلى عمل ماركس المؤسس في هذا المضمار «رأس المال» (الصادر عام 1867).
يعتمد بيكيتي في كتابه المذكور أعلاه، على تحليلات كارل ماركس ويذهب فيه إلى أنه منذ أواسط القرن العشرين تستحوذ زمرةٌ قليلةٌ من الأشخاص في الدول الصناعية على الأغلبية الكاسحة من الثروة العالمية على نحوٍ مطرد، كما يخلص إلى أن ارتفاع معدل انعدام المساواة يشكّل جزءاً لا يتجزأ من الرأسمالية، الأمر الذي يصعّد من التهديدات المحيقة بالديمقراطية. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب أثار النقاشات حول مستقبل الرأسمالية في شتى أرجاء العالم. في عام 2013، أدرجت الطبعة الأصلية الأولى من كتاب «رأس المال» التي تحتوي على الملاحظات المكتوبة بخطّ يد ماركس، على قائمة اليونسكو للتراث الوثائقي العالمي إثر اقتراح مشترك من الحكومتين الهولندية والألمانية في هذا الصدد.

ـ الكثير من الحركات في شتى أرجاء العالم تستلهم أعماله

مارست أعمال ماركس تأثيرها في النقاشات السياسية في العديد من البلدان، وفي القرن العشرين هيمن الفكر الشيوعي المرتكز على كتاباته على العديد من بقاع العالم، بما أفضى إلى إشعال الثورات وتأسيس الأنظمة السياسية استناداً إلى الفكر الماركسي، كما حدث في روسيا والصين وكوبا وغيرها.
على الرغم من كل ذلك، أمضى العقل المدبّر لثورة البروليتاريا، جلّ حياته منفياً منزوع الجنسية. عقب زواجه، انتقل مع زوجته جيني، إلى باريس، حيث بدأ التعاون مع فريدريك أنجلز، وهو ابنٌ لأحد مالكي المصانع الأثرياء. اضطر ماركس، حين طلبت الحكومة البروسية إبعاده، إلى الانتقال مع جيني إلى بروكسل، ومن ثمّ تبعهما فريدريك أنجلز. وهناك بدأ الثلاثة العمل على كرّاسةٍ عُرفت لاحقاً بالبيان الشيوعي، الذي ينتهي بالنداء ذائع الصيت على مستوى العالم: «يا عمال العالم اتحدوا!». تمّ نفي عائلة ماركس من بلجيكا أيضاً وفي نهاية المطاف، وجدوا ملاذاً لهم في مدينة لندن في عام 1849 التي عاش فيها كارل وجيني حتى وفاته (توفيت جيني في 2 ديسمبر/كانون الأول 1881 في حين توفي ماركس في 14 مارس 1883). وعلى الرغم من مضي هذا الزمن الطويل على وفاته، ما زالت أعماله تلقى مستوىً جيداً من الرواج.
احتضن المتحف التاريخي الألماني في برلين معرض «كارل ماركس والرأسمالية» في الفترة ما بين 10 فبراير/شباط 2022 و21 أغسطس/آب 2022.
(عن موقع التلفزيون الألماني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الدكتور جمال البدري:

    لك التقدير على جهودك المشكورة لهذه الترجمة لموضوع يستحق القراءة…كارل ماركس كمفكر زعزع رتابة السائد في الفكر الأوربيّ في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20.وبغض النظرعن استثمار أفكاره في الأيدولوجيا السياسيّة؛ فهي مفكّر
    استثنائيّ في المسار الإنسانيّ.الكثير من آرائه تمّ تحريفها لأغراض سياسيّة سلطويّة.المهم يبقى من رواد الفلسفة والفكر
    في أوربا على الأقل.

    1. يقول حيان الغربي:

      حقا لعل ماركس يعتبر المؤسس الفعلي للاقتصاد السياسي وأكثر من نجح في سبر أغوار الرأسمالية وتحديد كنهها فضلا عن إسهامه الكبير في إرساء التفكير النقدي القائم على السببية، مما يؤكد على راهنيته وصلته الوثيقة بواقعنا الراهن. تحياتي وامتناني لقراءتك واهتمامك.

  2. يقول الدكتور جمال البدري:

    لك التقدير على جهودك المشكورة لهذه الترجمة لموضوع يستحق القراءة…كارل ماركس كمفكر زعزع رتابة السائد في الفكر الأوربيّ في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20.وبغض النظرعن استثمار أفكاره في الأيدولوجيا السياسيّة؛ فهو مفكّر استثنائيّ في المسار الإنسانيّ.الكثير من آرائه تمّ تحريفها لأغراض سياسيّة سلطويّة.المهم يبقى من رواد الفلسفة والفكر في أوربا على الأقل.

إشترك في قائمتنا البريدية