هل ستقتلنا التكنولوجيا؟

نعيش اليوم، عصر التكنولوجيا بامتياز. عصر يتطور بسرعة مبهرة ومخيفة في الوقت نفسه. لكل عصر من العصور التي مرّ منها الإنسان ما يميزه ويجعله يسمى به. أكيد، أن هذه التكنولوجيا التي نعيش في «رحمها» اليوم، مرت بمراحل عديدة، لاسيما إذا علمنا أن مصطلح التكنولوجيا، يعني ومن جملة ما يعنيه «علم التقنية» وهو علم غايته اختراع مجموعة من التقنيات التي من شأنها مساعدة الإنسان على أن يعيش حياة سعيدة خالية من الحروب والدمار والخراب، متقاسما في ما بينه ثروات الأرض وفق مكون المجهود ووفق رؤية إنسانية تضامنية، تجعل كل ما في الأرض وتحتها وما في السماء وخلفها وما بين الأرض والسماء وبقية الكواكب، في خدمة سعادة الإنسان.
فهل فعلا هذه التكنولوجيا تتطور في أفق خدمة الإنسان وإسعاده؟ أم العكس هو الصواب، بمعنى ستكون المهددة للإنسان والمخربة لكل ما بنته الأجيال القديمة، التي بدورها كانت تتوفر على تكنولوجيتها التي ولدت بشكل طبيعي، وسخّرها الإنسان وتحكّم فيها وفق حاجياته؟

مظاهر التكنولوجيا:

من الصعب اليوم، حصر مكونات التكنولوجيا، إذ هي حاضرة في كل مناحي الحياة، وما يحتاجه ولا يحتاجه الإنسان، بدءا من نهوضه من نومه إلى أن يعود إلى سريره، وما بينهما حاجيات تكنولوجية متعددة في سيارته وبيته وهاتفه المحمول، ومطبخه ومقر عمله، ومدرسة أبنائه وأثناء علاجه، وتأدية فواتيره وأعراسه وحجه ومماته، إلخ. طبعا، بدون نسيان كافة الحروب والمعارك العسكرية والاقتصادية والغذائية والنفسية، إلخ، التي تدار باستعمال هذه التكنولوجيا، وفي كل القارات، بل حتى على سطح القمر وفي كواكب أخرى.
صحيح، أن الإنسان هو من صنع هذه التكنولوجيا، وفق سؤال الحاجة، لكن هي اليوم تزاحمه في خلخلة سعادته، بل، هي اليوم مصدر شقائه ومهددة له في ما تبقى من عمر هذا الكون. كيف ذلك؟

جيل لم يعد يرى بعضه بعضا:

هواتفنا المحمولة، تغزونا جميعا في المواصلات العمومية والمقاهي والعديد من الأماكن التي يتجمع فيها الناس، طبعا بدون الحديث عن كيفية «أسر» هذه التكنولوجيا لأطفالنا ونسائنا وأبنائنا، في البيوت، لحد أصبحنا نجد صعوبة في تحقيق فرصة من أجل لمة عائلية، وبدون استعمال هواتفنا المحمولة في جيوبنا.
في الأمس، استمتعنا بحكايات أمهاتنا وجداتنا، كنا ندقق تفاصيل القمر والسماء، كم ـ شخصيا ـ عددت النجوم في السماء ليلا، حفظت جيدا تفاصيل وجه أمي الجميلة رحمها الله، والشيء نفسه قمت به مع كل الضيوف، الذين كانوا يزوروننا في بيتنا. تلذذت كتب المدرسة، حينما كنت أعد واجباتي المدرسية، كان التلفزيون، لا ينطلق في تقديم برامجه إلا على الساعة السادسة مساء، وينهي «شغله» الساعة الحادية عشرة ليلا. طبعا، التلفزيون كان في بيوت بعض المحظوظين فقط.
كل وأنت تراقب هاتفك. استرح وأنت تدقق ما يتدفق عليك من صور. قدّم العزاء وبعده تابع العديد من الأحداث السياسية، أو العسكرية، هنا وهناك. قبل أن تنام، إن نمت، تجول في كل هذه الدنيا ومن أدنى نقطة فيها، إلى أقصاها. تواصل مع من تحب. «تجسس» على من لا تحب، المهم نحن جميعا في قبضة من فكر في هذا وصمم له وفق ما يجعل البشرية جمعاء رهينة في يده/أياديهم.
وضع البشرية اليوم، وضع معقد تكنولوجياً، لاسيما في زمن الوضع الوبائي الذي بدوره، وظف تكنولوجياً لتحقيق العديد من المآرب. ما السبيل للتحكم في هذه التكنولوجيا وجعلها في خدمة الإنسانية جمعاء، بل، كيف من الممكن توظيفها لخلخلة الجوع لدى الجوعى، ونشر قيم السلم والسلامة على امتداد هذا العالم، وتطويعها وترويضها، لكي تبقى تحت سيطرة الإنسان، عوض أن تهدده في كل لحظة بتخريب ما بناه فوق هذه الكرة الأرضية التي خلقها الله؟

يبدو، أن المدرسة اليوم، مطالبة ليس فقط بتعليم الأجيال الجديدة العديد من المهارات المتعلقة ببعض المحتويات المعرفية وغيرها، بل، عليها اليوم إعادة طرح السؤال، وفق أسئلة قوية ودالة، من قبيل، لماذا التعلم؟ ولماذا المدرسة؟ وما موقع السعادة الإنسانية ضمن مقرراتها ومحتوياتها؟

المدرسة أولا.. المدرسة أخيرا:

يبدو، أن المدرسة اليوم، مطالبة ليس فقط بتعليم الأجيال الجديدة العديد من المهارات المتعلقة ببعض المحتويات المعرفية وغيرها، بل، عليها اليوم إعادة طرح السؤال، وفق أسئلة قوية ودالة، من قبيل، لماذا التعلم؟ ولماذا المدرسة؟ وما موقع السعادة الإنسانية ضمن مقرراتها ومحتوياتها؟ مدارسنا اليوم، وفي كل أنحاء العالم، مطالبة اليوم أن تطرح سؤالا جوهريا تشتغل عليه في كل ما تقدمه للمتعلمين، ويتعلق الأمر بمصير الإنسانية في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل الذي يتهافت عليه العالم. العديد من مظاهر التكنولوجيا اليوم تهدد العالم. لنلاحظ كيف يتم قذف المنازل والمدن والقرى، ومن الفوق، وفي بضع ثوان، يصبح ما بناه الإنسان منذ مئات السنين خرابا، من الصعب التخلص منه.
لابد من تعاقدات إنسانية عالمية جديدة، يصنعها حكماء هذا العالم، لاسيما من اشتغل بمعزل عن السياسة. حكماء فكروا طيلة حياتهم من أجل إنقاذ الإنسانية. كتبوا عن عالمنا هذا وما يهدده، لم يعد أمامنا إلا أن نعطي للفكر مكانته الكبرى، ليفعل فعله فيمن يقرر في كل قضايا هذا العالم. نحن نركب السفينة نفسها، أو الطائرة نفسها. فهل من الممكن أن يساهم الجميع في ترسيخ السلوك الذي نمتلكه حينما نكون في السماء، في الطائرة، أو في السفينة في عمق البحر؟ الوصول إلى بر الأمان، في ظل تكنولوجيا معقدة ومهددة لحياة الإنسان، أصبح مطلبا أساسيا لإنسان هذا العالم. لابد من التفكير الجماعي وبأدوات غير سياسية لانتشال العالم وإنسانه من يد من يخطط لتدميره. الحياة غالية، وثمنها العالمي اليوم أصبح شأنا فكريا عالميا.

تركيب:

يبدو، أن التكنولجيا التي صنعها الإنسان ومازال يطورها وفق العديد من الحاجيات والرغبات، هي اليوم على المحك، قد تنفلت من يديه، وتصبح مهددة لكيانه. التحكم فيها وفق شرط سعادة وخدمة الإنسان أصبح أمرا مستعجلا، على أهل الفكر أن لا يتركوا تلك الفراغات المهولة، التي فيها يلعب أهل السياسة، لاسيما الذين يحملون أفكارا رابطة بين الحرب والربح. فهل تهدد التكنولوجيا حضارة الإنسان وتهدم كل ما بناه؟

٭ كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول إدريس أحمد الشريف:

    مقال جليل… تحياتي

إشترك في قائمتنا البريدية