هل ستكون الجزائر أمام لعنة الانتخابات مرة أخرى؟

حجم الخط
13

ليست المرة الأولى التي ستكون فيها الجزائر أمام تحديات مرتبطة بإمكانية تنظيم انتخابات بتداعيات خطيرة، وعدم توافق على شروط تنظيمها وحتى توقيتها، ومدى المشاركة الشعبية فيها، وبالتالي قدرتها على حل الإشكالات التي استدعيت من أجلها، في ظرف سياسي مختلف نوعيا هذه المرة، بعد انطلاق ثورة الشعب الجزائري السلمية في 22 فبراير/شباط كفرصة تاريخية لن تتكرر بسهولة.
فقد حصل الشيء نفسه تقريبا في أول تشريعيات تعددية خلال شتاء 1991 الملغاة، بكل ما انجر عنها من وضع أمني وسياسي خطير، لتكون بذلك من أسباب إدخال البلد في حرب أهلية فعلية، حصلت أساسا جراء عدم التوافق على شروط وجو الانتخابات للاكتفاء بها كآلية فقط. كما حصل الشيء نفسه في اول رئاسيات تعددية سنة 1995، بما عرفته من وضع أمني خطير واستقطابات سياسية حادة، رغم مساهمتها في إعادة الشرعية نسبيا إلى مؤسسة الرئاسة، التي كانت تعرف حالة فراغ كبير. كما كان الحال نفسه تقريبا عند إجراء اول انتخابات تشريعية تعددية 1997 بكل ما شابها من تزوير مفضوح، أفضى إلى ترسيم خريطة سياسية مشوهة، لم تزد الأوضاع إلا سوءا.
انتخابات لم تساعد النظام السياسي على دعم شرعيته المتدهورة، رغم تنظيمها الدوري بانتظام، منذ الاستقلال. غاب عنها المواطن وحضر فيها المال الفاسد، بعد تأكد الاهتمام بها من قبل حديثي النعمة من فئات اجتماعية ارتبطت بالاقتصاد السياسي الريعي والفساد. فئات استطاعت أن تزاحم ا الفئات الوسطى وبيروقراطية الدولة، محدثة بذلك اختراقا لقاعدة الدولة الوطنية في وقت قصير نسبيا، انتقلت سوسيولوجيا بموجبه نحو فئات أكثر يسرا، على حساب القاعدة الشعبية القديمة، التي اتجهت نحو العمل النقابي والحركات الاجتماعية الاحتجاجية كشكل تعبير سياسي أساسي. ليبقى الأهم، ما يمكن أن يحصل هذه الأيام، بعد انطلاق الدعوة لتنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، كحل يطالب به صاحب القرار العسكري، الذي استلم الأمور في هذا الظرف السياسي المضطرب. انتخابات يقف في وجهها الكثير من التحديات والاسئلة السياسية المهمة. على غرار قدرة النظام السياسي على اقناع المواطنين بالمشاركة فيها وعدم مقاطعتها، كما يمكن أن يحصل لتكون بذلك ثالث انتخابات رئاسية يفشل النظام السياسي في تنظيمها في وقت قصير.
مقاطعة شعبية تملك الكثير من إمكانيات التحقق على أرض الواقع بكل ما قد تولده من تداعيات سياسية وأمنية خطيرة. في وقت يتوقع فيه الكثير أن يرتفع مستوى التجنيد الشعبي داخل الحراك بداية من الدخول الاجتماعي الحالي. انتخابات فشلت السلطة بأدواتها التقليدية والمستحدثة كهيئة الوطنية للحوار في الترويج لها، وتوسيع قاعدة القبول الشعبي بها كحل يراد له أن يكون أوحد ووحيدا لأزمة النظام السياسي. انتخابات فشلت هيئة الحوار في إقناع الحاكم العسكري بالتسويق لها بواسطة تقديم عربون حسن نية، كإجراءات للتهدئة، بما فيها إبعاد الحكومة الحالية وإطلاق سراح شباب الحراك وفتح المجال الإعلامي. إجراءات رغم رفضها حتى الآن، يمكن أن تقبل قُبيل إجراء الانتخابات. فهل ستكون كافية لإقناع المواطنين الجزائريين بالذهاب إلى هذه الانتخابات، التي يطالب المواطنون بما هو أكثر جدية للمشاركة فيها.

الجزائريون خائفون من تحول الانتخابات لوسيلة لإعادة إنتاج النظام السياسي نفسه بعد التخلص من وجوهه القبيحة

مواطنون يريدون من هذه الانتخابات أن تكون قطيعة نوعية مع آليات تسيير النظام السياسي ونخبه وعقائده. وليس فقط عملية روتينية لم يستطع النظام إقناعهم بأنها ستكون مختلفة هذه المرة، عما عرفوه في السابق من تزوير وسطو على أصواتهم، حتى وهو يتكلم عن استحداث هيئة وطنية مستقلة لتنظيمها، بدل وزارة الداخلية. فمن يضمن لهم أن تكون هذه الهيئة بصلاحيات فعلية في الاشراف على هذه الانتخابات وتنظيمها ومراقبتها والإعلان عن نتائجها، كما هو سائد في تجارب ناجحة على غرار الحالة التونسية القريبة. مسألة الثقة هنا أكثر من مهمة، بعد أن استنفد النظام السياسي رصيده منها منذ زمان، فقد تعودت المؤسسات المكلفة بتنظيم الانتخابات الحديث كل مرة عن الشفافية والمصداقية و..و.. وهي تروج للانتخابات، ليجد المواطن نفسه امام أشكال تزوير مبتذلة لم تتغير مع الوقت كثيرا، تبدأ بقطع الكهرباء عند فرز الأصوات، وقد تنتهي بتهديد وإبعاد الملاحظين، وتصل إلى التلاعب بالهيئة الناخبة التي لا يعرف لا الحزب السياسي المشارك في هذه الانتخابات، ولا الموطن مما تتشكل منه فعلا. ما زال الموتى ينتخبون ويدلون بصوتهم فيها. انتخابات يتخوف المواطنون من المشاركة فيها وقد يقاطعونها فعلا، وهم يرون كيف يمكن أن تتحول إلى وسيلة لإعادة إنتاج النظام السياسي نفسه، بعد التخلص من وجوهه القبيحة. هم الذين ينتظرون منها أن تكون بداية بناء مؤسساتي وسياسي شرعي تتجدد فيه النخب، يتم فيه التداول على السلطة والبرامج السياسية بين أحزاب سياسية قوية كما هو متعارف عليه في الكثير من التجارب الدولية الناجحة.
على عكس هذا السيناريو المتشائم الذي ما زال يرفضه المواطنون في أغلبيتهم، حتى لو بدأت بعض ملامحه في البروز للسطح، على شكل بوادر جنينية لأنواع من التمرد، بل حتى العصيان المدني، كما هو حاضر في التعامل مع مؤسسات الدولة ورموزها ـ وزراء حكومة بدوي كمثال – ما زالت إمكانية حدوث السيناريو الإيجابي قائمة وفعلية، إذا تم البناء على هذه اللحظة التاريخية التي يمثلها الحراك الشعبي، إذا استطاع مركز القرار السياسي الأول على هرم السلطة الانصات إلى صوت العقل والتعامل الإيجابي مع مطالب الجزائريين، التي تم التعبير عنها بأشكال عديدة ومتعددة من قبل قوى سياسية وشخصيات وداخل الحراك نفسه، منذ أكثر من ستة اشهر من المسيرات، وأشكال التعبير الكثيرة التي حافظت فيها على خصائصها الثلاث، وطنيتيها، شعبيتها وسلميتها.
فلمن تكون الغلبة ضمن هذه الاتجاهات الثقيلة وهي تتسارع؟ هل ستكون الجزائر مرة أخرى أمام لعنة الانتخابات من جديدة بكل ما تحمله من احتمالات سيئة؟ أم أن صوت العقل هو الذي سيتغلب هذه المرة، ويتم الانصات إلى صوت الشعب أخيرا قبل فوات الأوان .
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بن عمر العيد:

    جميل ما يكتبه الأستاذ كل مرة ، تحاليل في القمة ، شكرا د. ناصر جابي

  2. يقول .Dinars.:

    لو حصل ورفعت فرنسا يدها عن الجزائر فإن المنطقة المغاربية سوف تنهض وتكون في صدارة الأمم بحكم موقعها وما تزخر به من ثروات ومن موارد بشرية قابلة للتغيير إلى الأحسن.
    لا تزال فرسا تعتقد الجزائر امتدادات لها رغم كل ما حدث منذ سنة 1830.

    1. يقول عبد الوهاب عليوات:

      كشفت هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها المنشور عن توقيع تونس عام 1955 على وثيقة الاستقلال الداخلي الذي منحت بموجبه امتيازات اقتصادية وادارية لفرنسا سمحت لها بالاستمرار في استغلال البترول التونسي ومناجمه بمقابل رمزي وهي اتفاقية بقيت سارية المفعول حتى بعد توقيع وثيقة الاستقلال سنة 1956 والى حد اليوم. ولا تسمح هذه الوثيق لتونس حق اعادة التفاوض على اسعار منتجاتها المنهوبة.
      واستنكر عدد من النشطاء السياسيين منذ شهرين خضوع تونس للنفوذ الفرنسي بعد أن اعلن الامن التونسي كسف عدد من رجال المخابرات الفرنسية العائدين من ليبيا واطلاقهم بعد تدخل السفارة الفرنسية رغم انهم كانوا مسلحين.
      الجزائر اممت ثرواتها في 1971 ووقفت في وجه فرنسا وسياساتها التدميرية في ليبيا ومالي واعطت الافضلية الاقتصادية للصين وتركيا..
      وبالتالي من الواضح من لا يرال مستعمرا يأتمر بأوامر السفير الفرنسي ومن نال استقلاله فعليا وإن كان من ابنائه مو خان.

  3. يقول عبد الوهاب عليوات:

    عندما تتحول الانتخابات الى لعنة ماذا بقي من الديمقراطية وماذا بقي للحركات الأصولية التي تكفر الديمقراطية؟
    تحويل الانتخابات الى سبب فشل تجارب تأسيس الديمقراطية في الجزائر ليس مجرد عبث فكري ومغالطة سياسبة ولكنه ايضا استخفاف بالآليات السياسية التي نضمن التعبير عن حقيقة الارادة الشعبية بعيدا عن صالونات التنظير الايديولوجي لمجموعة تعتبر نفسها فوق الشعب الجاهل الذي لا يعرف صلاح نفسه.
    ثم يتجرؤون ويدعون أتهم ينحدثون باسم غالبية الشعب؟؟
    ماذا يريدون بديلا عن الانتخابات كآلية للديمقراطية؟ أن يتم تسليم السلطة لمجموعة لا يعلم احد حقيقة توجهاتها وفرضهم على الشعب عبر ضغوطات خارجية كما دعى الى ذلك صراحة في مقال سابق؟
    كذاب ومزور كل من يدعي انه يتكلم باسم الشعب فالشعب لم يفوض احد للحديث باسمه..
    غالبة الشعب لم تعد تشارك في الحراك بعد أن استولى عليه جماعة ايديواوجية تريد فرض رؤيتها بالقوة المادية والادبية.. تدعي الديمقراطية وتاريخها يثبت انها كانت تمثل عمق الدولة الجزائرية في عهد بوتفليقة.. اقلية سيطرت على الادارات والوزارات السيادية عبر بوتفليقة فلما اطاح به الشعب صارت ترفض الانتخابات لتضمن بقاءها في السلطة لانها تعلم ان الشعب يرفضها.. هذه هي الحقيقة.

    1. يقول المغربي-المغرب.:

      هذا يدخل في منطق. ..ويل للمصلين. ..وهي الطريقة المزمنة لمن أدمن وصف البستان حتى ولو اقتضى الأمر إسقاط الطائرة بركابها فيه…!!! فالاستاذ ناصر لم يرفض الديموقراطية كهذف وكمسلك تطمح إليه كل الشعوب. ..ولكنه يحذر من انتخابات على مقاس من بقي من العصابة. ..تكون الغاية منها استمرارية نفس الوضع الذي جثم على الصدور خلال 60 سنة. .تحت مسميات شكلية هزلية تستهدف الضحك على الذقون. ..تحت إشراف وإخراج فرنسا التي تتحكم في اللعبة. ..وشرح الواضحات. ..الخ

    2. يقول علي تيهرتي:

      ا اخ عبد الوهاب عليوات ,المشكلة ليست الاقلية و لكن الاغلبية الصامتة. فهل معقول ان يفسح المجال
      لهذه الاقلية ان تتكلم بإسم الشعب بينما الاغلبية تغط في نومها العميق.

    3. يقول عبد المجيد - المغرب:

      توضيح الواضحات من المفضحات، لا سيما عندما نقول إن كل الإنتخابات التي جرت في الجزائر منذ الإستقلال الإفتراضي، كانت مزورة باستثناء تلك التي جرت في بداية التسعينيات والتي انقلب على نتائجها العسكر وقتل ما يقارب نصف مليون جزائري، وباستثناء الإستفتاء الذي أجراه دوغول في 1962 والذي أعطى بموجبه الإستقلال الصوري للجزائر شرح الواضحات من المفضحات لا سيما عندما نقول إن البعض لم يكن يتحدث قبل الحراك عن الإنتخابات بل كان يريد تأبيد بوتفليقة في الحكم من خلال العهد التي لا تنتهي. في بعض الأحيان- أخي المغربي- لا بد من شرح الواضحات.

    4. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      صحيح .. شرح الواضحات من الملحات .. الصارخات .. لمن يبرع في إسقاط الطائرة في بستان ..
      .
      عكس هذا .. يقال أن الحر بالغمزة .. و العبد بالدبزة ..
      .
      ألا يكفي البعض فقط رأية ما يجري .. فقط .. و ها هو قائد فيالق امغالة الهارب يتوعد شعبه باتخابات .. كره من كره .. و نعم الأذن الصاغية. وجب هنا التركيز على ديموقراطية كره من كره.

  4. يقول أحمد:

    العسكري الجاهل توجهه عواصم الأعراب،ورغبته الشيطانية في الاستمرار حاكما بلا منازع، ومحركا للأ حداث مع أنه تجاوز الثمانين. وأظن الشعب الجزائري البطل الذي صمد لقرابة ثلاثين شهرا يخرج تحت الشمس الحارقة والمطر قادرا على أن يبدع أساليب المقاومة حتى يرغم العسكري وحزب فرنسا على التسليم بحقه في الحرية والاختيار وإقامة الدولة المستقلة عن دولة الاحتلال.

    1. يقول نائل:

      العسكري الجزائري الحالي أولى بمليون مرة من الفرنكوبربر الذين أثبتوا في أكثر من مناسبة أن لادين لهم إلا التبعية للخارج والعمل ضد مصالح الوطن ، الحراك انسحب لركوب هؤلاء الموج بمطالبهم العرجاء والمشبوهة وهي الفرصة الوحيدة للإنقلاب على ارادة الشعب وعلى مبادئ الحراك لأن الديمقراطية والانتخابات العامة لا تخدمهم اطلاقا كونهم أقلية تؤول إلى العدم مقارنة ب20 مليون جزائري خرجوا في الأيام الأولى للحراك ، الآن وقد سقط القناع ليس لهؤلاء يا أستاذ جابي إلا العويل والنواح والجزائر لم تخلوا يوما من الشرفاء.

  5. يقول أ.د/ غضبان مبروك:

    شكرا الدكتور ناصر-
    لقد وفقت في وصفك للانتخابات في الجزائر. انها حقيقة لعنة بدلا من أن تكون رحمة وبداية جديدة لمرحلة قادمة. الانتخابات في الدول الغربية عرس ولكن ليس كأعراس بمفهومها المتعارف عليه أي وجود عروس وعريس ولكن عرس بالمفهوم السياسي أين يتبارى فارسان أو أكثر حسب طبيعة النظام السياس للفوز بتحمل المسؤولية وليس التلاعب بالشعب ومقدراته.
    نعم حتى أحزاب الموالات التي أجرمت في حق الشعب الجزائري لسنوات تعتبر الانتخابات عرس ولكن عرس بدون طعمولا لذة ولاصدى مادامت أغلبية الشعب غير راضية.
    فهل الانتخابات المزمع اجراؤها في الجزائر ستقبلا ستكون مختلفة؟ الجواب لحد الساعة هو لا. لأن شروط اجرائها لم تتغير ولأن أدوات العمل بها لم تتغير ولأن الثقة لاتزال مفقودة لدى الشعب ، بل وأكثر من ذلك لايةجد هناك ضمانات لكي تكون شفافة ونزيهة ليس فقط بخصوص الأشخاص ولكن المحيط من جهة والمناخ السياسي العام من جهة ثانية.

  6. يقول alaa:

    علي الشعب البطل أن يخلع العسكر فورآ .. لإنه إذآ إنتظر إنتخابات تحت حكم عسكري فسيعود كما كان الوضع المؤلم .. إخلعوآ العسكر أولآ ..

  7. يقول عمر-الجزائر:

    مازال بعض مؤيدي العهدة الخامسة ومخلفات الإستعمار يرون في الإنتخابات مخرجا لأزمة النظام المتهاوي، وكأن منصب الرئيس هو المشكل، والذي كان شاغرا طوال سبع سنوات !!… وكأن الإنتخابات السابقة منذ 95 و99 قد أخرجت البلاد من الأزمة ؟!!… ولا أدري كيف يسمح لعجوز العسكر هذا الذي تجاوزر الثمانين من مخاطبة الشعب من ثكنات متجاوزا بذلك الدستور والقانون ،والذي ظل يتبجح به طوال شهور رغم خرقه له مرارا ؟؟!!…ولا أفهم كيف يواصل صاحب المستوى رابعة إبتدائي بتوجيه خطب سياسية وتدخله في مالايعنية بلغة ركيكة وأخطاء إملائية ولغوية ونحوية ،رغم قرائته من ورقة مع التعلثم والإرتباك دون أي خجل أو حياء من الذين يسمعونه ويرونه ؟!!
    ألا يخشى رجل الإمارات وفرنسا وجنرالاته من مصير قذافي ليبيا وصالح اليمن ..؟!

إشترك في قائمتنا البريدية