تنفست المنطقة الصعداء وزال، ولو مؤقتا، خطر تصعيد الحرب الشاملة بين إسرائيل وإيران. إذ جاء الرد الاسرائيلي العسكري ممثلا بضربات جوية على أهداف عسكرية محدودة داخل إيران، وكان هذا المستوى من الفعل العسكري ضمن الحدود المرغوب بها بالنسبة لمختلف الأطراف، التي هدأت الوضع المتوتر بعد أن ثبت إن إيران يمكنها أن تمتص الضربة وتقبل بالنتائج، من دون رد جديد.
لكن من جانب آخر يبدو أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تريد أن تنهي مهمتها العسكرية عبر كسر إرادة حركة حماس في قطاع غزة بشكل نهائي، وتدمير قدرات حزب الله في لبنان، لتقضي، حسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية، على التهديدين الأخطر لأمن إسرائيل في جبهتي الجنوب والشمال.
عددٌ من العسكريين الإسرائيليين كشفوا النقاب عن خطة إسرائيلية شاملة أطلقوا عليها توصيف (قطع أذرع الأخطبوط الإيراني) عبر توجيه ضربات رادعة للفصائل العسكرية والميليشيات المتحالفة مع طهران في سوريا ولبنان والعراق واليمن. وقد ترجمت الخطة إلى ما نشهده من استمرار العمليات العسكرية في غزة، والتوغل البري في جنوب لبنان المصحوب بضربات جوية وصاروخية على مناطق وجود حزب الله. يضاف لها الضربات الجوية لسوريا واليمن، إذن لم يبق سوى فصائل ما يعرف بـ(المقاومة الإسلامية في العراق) فهل ستوجه إسرائيل ضربة لهذه الفصائل؟
لم تكن الميليشيات الشيعية العراقية المقربة من طهران من الأهداف المهمة بالنسبة لإسرائيل، أو من الأهداف ذات الأولوية طوال السنة الماضية، فمنذ اندلاع الصراع في 7 أكتوبر 2023 كانت بعض الميليشيات العراقية تنفذ ضربات محدودة على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، وصفت بأنها نوع من الدعم المعنوي لحركة حماس في صراعها ضد الغزو الصهيوني، بالإضافة إلى توجيه بعض الضربات على الداخل الإسرائيلي بمسيرات وصواريخ إيرانية الصنع، لذلك كان المتوقع حتى وقت قريب أن تل أبيب، التي تعاني من توزع الصراع على جبهات متعددة، ستحاول توجيه ضربات للميليشيات العراقية عندما تتاح لها الفرصة المناسبة، لكن حتى الآن يبدو أن إسرائيل منشغلة بحربها المستمرة في غزة، وتصاعد القتال ضد حزب الله في لبنان ومواجهتها الأوسع مع إيران، كل ذلك جعل الاشتباك المباشر مع الفصائل الولائية العراقية أقل احتمالاً.
يوم 5 أكتوبر كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن خبر مفاده: أن» إسرائيل تخطط للتحرك ضد الفصائل المسلحة في العراق، بعد مقتل جنديين وإصابة آخرين نتيجة تفجر طائرة مسيرة في معسكر إسرائيلي». ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها: «سنجد الرد المناسب على الهجوم الذي نفذ بطائرة مسيرة على جنودنا في الجولان. ويجب أن يكون واضحا للجميع أن تنشّيط جميع الجبهات أمر ممكن، ونحن مستعدون لمزيد من المفاجآت». وقد كشف الجيش الإسرائيلي أن اثنين من جنوده من لواء غولاني قُتلا، كما أصيب نحو 24 آخرين، وأن اثنين منهم جروحهما خطيرة؛ جراء انفجار مسيرة أطلقت من العراق باتجاه شمال الجولان يوم 4 أكتوبر. وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن مقتل الجنديين الإسرائيليين، كان نتيجة انفجار طائرة مسيرة انطلقت من العراق وأصابت قاعدة عسكرية شمال الجولان. موقف حكومة السوداني بدا الأكثر حرجا في الأزمة، إذ كشفت الضربات التي يوجهها فصيلان من الفصائل الولائية لإسرائيل، ضعّف موقف السوداني الذي يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة، لكن الأمر بدا واضحا ومتمثلا في إن ميليشيا حركة النجباء، وكتائب حزب الله العراقي استمرتا في الانخراط في الصراع الدامي الدائر في المنطقة، ضاربتان عرض الحائط كل التصريحات الحكومية، التي حاولت ان تنأى بنفسها عن زج العراق في الصراع.
عسكريون إسرائيليون كشفوا النقاب عن خطة إسرائيلية شاملة أطلقوا عليها (قطع أذرع الأخطبوط الإيراني) عبر توجيه ضربات رادعة للفصائل العسكرية والميليشيات المتحالفة مع طهران
متابعات صحافية أشارت إلى ما تعلنه الفصائل العراقية من ضرباتها، إذ كشفت بيانات (المقاومة الإسلامية في العراق) إن نسبة أكبر من صواريخ كروز قد اُطلقت على إسرائيل، مقارنة بأي وقت مضى. فقد ارتفعت نسبة الهجمات باستخدام تلك الصواريخ من 18 في المئة في الأسبوع الأخير من سبتمبر إلى 31 في المئة في الأسبوع الأول من أكتوبر. وبذلك، تم استخدام نحو ثلثي صواريخ كروز من طراز «الأرقب» (سلسلة القدس) التي أُطلقت على إسرائيل من العراق خلال موجة من الهجمات السريعة بين نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر. كما أعلنت (المقاومة الإسلامية في العراق) عن تنفيذ هجمات بالطائرات المسيرة أيضا، ولا يزال طراز «شاهد -101 إكس- تيل» هو الأكثر شيوعا واستخداما حتى الآن. ومع ذلك، تم استخدام طائرات مسيرة من طراز «كاس -04» و»شاهد-136»، بشكل كبير ضد أهداف في مدينة إيلات.
وقد صرح سياسي عراقي لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» قائلا: «إن الحكومة العراقية عاجزة. رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تحاول الولايات المتحدة دعمه، لا يستطيع موازنة علاقاته بين الولايات المتحدة وإيران. إنه ضعيف للغاية، بحيث لا يستطيع ملاحقة الجماعات المدعومة من إيران. لأنه في النهاية وصل إلى رئاسة الحكومة عبر دعم ودفع الميليشيات المدعومة من إيران بعد أن عملت على ازاحة الزعيم الشيعي المناهض لإيران مقتدى الصدر من البرلمان». وأضاف: «هناك مشكلة أخرى تجعل هذه الميليشيات أكثر خطورة وهي أنها ممولة من قبل الحكومة العراقية بشكل علني ولا تخضع لأوامرها، بل تتلقى أوامرها بشكل مباشر من قيادة فيلق القدس الإيراني». كما نقلت منصات صحافية عربية على لسان أحد مستشاري السوادني قوله: «على مدار الأيام الأخيرة، عقد رئيس الوزراء العراقي عشرات الاجتماعات مع القادة السياسيين وقادة الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران وكبار قادة الأجهزة الأمنية العراقية. وقد سعى السوداني إلى شرح حقيقة الوضع الذي يواجهه العراق، وعواقب تورط أي طرف عراقي في الصراع الدائر. كما التقى مع العديد من الدبلوماسيين العرب والغربيين، وتحدث إلى العديد من قادة دول الجوار، بمن فيهم الرئيس المصري وأمير قطر وملك الأردن». وقال مستشار رئيس الوزراء: «إن السوداني مارس ضغوطا للمساعدة في وقف العدوان الصهيوني المستمر على لبنان وغزة، والذي يهدد بتوسيع رقعة الصراع في جميع أنحاء المنطقة». وقال مسؤولون عراقيون وقادة فصائل مسلحة، إنهم يعتقدون أن العراق سيكون إحدى الدول الأربع التي ستضربها إسرائيل قريبا ردا على الهجوم الصاروخي الإيراني.
معلقا على الوضع، قال مايكل نايتس المحلل في معهد واشنطن الذي يتابع أنشطة الميليشيات المتمركزة في سوريا والعراق واليمن: «لقد ارتفع عدد الصواريخ والطائرات المسيرة التي يتم إطلاقها من العراق على إسرائيل، بشكل كبير وملحوظ. لقد انتقلوا إلى سرعة أعلى لإظهار دعمهم لحزب الله. إن إطلاق الصواريخ من العراق يؤكد استراتيجية إيران في استخدام أعضاء (محور المقاومة) لدعم بعضهم بعضا ضد إسرائيل، فضلاً عن المنافسة بين الفصائل». وأضاف نايتس: «أن الميليشيات في العراق لا تمتلك قدرات حزب الله في لبنان، وليست مجنونة مثل الحوثيين، لذا فهي قلقة نوعا ما من أن يتفوق عليها الرجال الآخرون في المحور». ومع التهدئة النسبية التي تبعت الرد الإسرائيلي الأخير، يتوقع المراقبون عودة لتحرك حلفاء إيران الإقليميين، وبينهم الفصائل العراقية لمشاغلة إسرائيل بضربات صاروخية، أو إرسال المسيرات لأهداف إسرائيلية مختلفة. ليبقى السؤال هل سترد إسرائيل بنفسها عبر توجيه ضربات لقواعد ومعسكرات الفصائل العراقية؟ أم تترك المهمة للقوات الأمريكية، كما كان يحصل طوال المدة الماضية؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.
كاتب عراقي