الشلل العام الذي ألمّ بنا في الأشهر الأخيرة وصل الآن إلى جهاز الأمن أيضاً. فمنذ أسابيع وإسرائيل في حالة انتظار لعملية إيرانية. ولكن إذا كان هناك، في عهد “الانتظار” إياه “ناصر ينتظر رابين”، فالآن إسرائيل هي التي تنتظر قاسم. هو وبقدر ما أيضاً الصوص من غزة، بهاء أبو العطا.
إن استراتيجية نتنياهو تجاه إيران، التي استندت كلها إلى ما تبين أنه سند متهاوٍ، انهارت، واختفى معها أيضاً التطلع الإسرائيلي “المبرر” للتأثير على الواقع المحيط بنا ولتصميمه. فالضعف الأمريكي يدفع إسرائيل إلى الانطواء على نفسها وإبقاء المبادرة في يد الطرف الآخر. وعلى الطريق نبدي ضعفاً ونساوم على ما اعتبر في الماضي خطوطاً حمراء. ففي الأسبوع الماضي أطلقت بطارية مضادات طائرات لحزب الله صاروخاً نحو طائرة إسرائيلية. كان انتشار الصواريخ أرض جو في لبنان يعتبر خطاً أحمر من ناحية إسرائيل. وكانت سياسة سلاح الجو حتى الآن تدمير كل وسيلة إطلاق تهدد بالمس بطائراته. أما هذه المرة فقد كان التردد، كان واضحاً بأنه إذا ما هوجمت وسيلة الإطلاق، فسيقتل رجال حزب الله الذين يشغلونها، وهذا سيجر ناراً من المنظمة اللبنانية نحو إسرائيل وخطر التصعيد.
في الأيام التي نركز فيها على الخوف من نار إيرانية من سوريا أو العراق لا معنى لفتح جبهة أخرى.. هكذا ادعوا في الجيش الإسرائيلي. ولما كان حزب الله لم يصب مُسيرة “زيك”، فقد أوصوا بالتجلد، وصادق رئيس الوزراء على ذلك. هذه ادعاءات ليست عديمة الأساس، ولكن النتيجة أن إسرائيل وفي غياب الرد تستدعي النار التالية، وتقبل بحقيقة أن حزب الله يستخدم بطاريات صواريخ أرض-جو في لبنان. في المرة التالية يمكنهم أن يصيبوا.
لقد كان الانكماش إياه هو الذي أملى الرد المحدود تجاه غزة في نهاية الأسبوع الماضي.وإسرائيل تتابع منذ زمن ما نوايا الجهاد الإسلامي لاستئناف النار، وعشية السبت نفذوها. صحيح أنه لم تقع إصابات جسدية، ولكن ثمة إصابات نفسية جمة. فقد شرحت أوساط الجيش الإسرائيلي أن ليس صحيحاً فتح جبهة مع غزة الآن، حين تتطلع العيون إلى الشمال، وأوصت برد محدود مع حماس وليس مع الجهاد. هذا الآخر يستدعي النار المؤجلة، وفي الجنوب أيضاً يمكن للنار أن تصيب في المرة التالية.
لقد ألمّ بنا الشلل مع إيران، فهي تواصل تثبيت تواجدها في سوريا، بالأشخاص والوسائل، أما عندنا فقد سحبوا الكابح اليدوي وأوقفوا الهجمات في سوريا منذ نحو شهرين. في البداية، كانت الذريعة عدم الرغبة في إفساد أيام الأعياد. أما الآن فالتفسير هو أننا مستعدون للرد عندما يطيب لقاسم أن يطلق صواريخه إلى هناك.
في الخلفية، تتخذ إيران كل شهر خطوة أخرى نحو استئناف برنامجها النووي. الخطوة الأخيرة التي اتخذتها –استئناف تخصيب اليورانيوم في المنشأة التحت أرضية في قم– هي الأكثر جرأة حتى الآن. ومنذ الأربعاء، عادت أجهزة الطرد المركزي في فوردو تدور، وقريباً ستبدأ في بعث اليورانيوم المخصب. وهذا ما تفعله في منشأة محصنة تحت الأرض، منيعة على الهجمات الجوية، في استفزاز فظ للعالم كله ولا رد منه سوى الصمت. لقد كان الكفاح ضد الاتفاق النووي درة التاج في سياسة نتنياهو في العقد الماضي. فقد خرج عن طوره كي يقاتل ضد الرئيس أوباما، ورداً على ذلك حصل على اتفاق سيئ رغم أنفه ورغم استيائه، ودفع بالرئيس ترامب نحو الانسحاب من الاتفاق النووي، وبالمقابل حصل على إيران عائدة إلى المسار النووي. بعد سنة ونصف من إلغاء ترامب للاتفاق النووي، ساء وضع إسرائيل أمام إيران. الاتفاق النووي، مهما كان سيئاً، منح إسرائيل شيئاً ما لا يمكننا أن نحصل عليه بأنفسنا. ليس لإسرائيل القدرة على إبعاد إيران 15 سنة عن قنبلة نووية. يمكن لسلاح الجو أن يؤخر البرنامج النووي الإيراني لسنتين في أقصى الأحوال.
بدا للانسحاب من الاتفاق النووي أن يكون منطقياً لو أنه اسند بتصميم أمريكي وباستعراض للقوة يجبر إيران على العودة إلى المفاوضات على اتفاق جديد. أما في ضوء الضعف الذي تبديه الولايات المتحدة الآن، فإن إيران تشعر بأنها محررة، وبعد زمن غير بعيد ستبدأ في جمع متجدد لمادة مشعة بجودة أعلى. اليوم تقف إيران في موقع يسمح لها بأن تطالب برفع تام للعقوبات كشرط أولي لاستئناف الحوار مع الولايات المتحدة.
إن الآثار قاسية من ناحية إسرائيل؛ ففضلاً عن الحاجة الفورية لاستئناف الاستثمارات في الخيار العسكري تجاه إيران، فإن إسرائيل ملزمة بأن تستوعب أنها كفيلة بالبقاء وحدها في المسعى لوقف النووي الإيراني. وهذا يتطلب صياغة مفهوم أمن يكون ذا صلة بهذا التحدي، مفهوم يحدد ما هي الإنجازات التي تريد إسرائيل ويمكنها أيضاً أن تحققها وتأخذ بالحسبان إمكانية الفشل ثم نجد أنفسنا أمام إيران نووية.
إن الأساسات الجيدة التي صبها رئيس الوزراء الأول دافيد بن غوريون في مفهوم الأمن الإسرائيلي في 1953 لا تزال سارية المفعول، فهي تقوم على أساس الفرضية بأن إسرائيل لا يمكنها أن تقتلع كل مصادر العداء ضدها، وستكون مطالبة غير مرة بأن تصمد في جولة قتالية. وحسب هذا المفهوم، فإن هدف الجيش الإسرائيلي هو أن يوسع قدر الإمكان المسافة التي بين الجولات القتالية ويمنح إسرائيل زمناً باهظ الثمن للازدهار ولتعاظم القوة. هذه هي الأمنية التحتية لمفهوم أمن يقوم على أساس المبادرة، سواء في المجال العسكري لعمليات الردع والإحباط، أم في المجال السياسي والسعي الدائم إلى اتفاقات سلام مع أكبر قدر ممكن من الدول في محيطنا.
في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أضاف دان مريدور بضعة مداميك هامة وحديثة للمفهوم، راعت التغييرات التي طرأت على شكل التهديد العسكري. والآن إسرائيل مطالبة بتعديل آخر حيال إيران، تلك القوة العظمى الإقليمية الصاعدة ذات تطلعات التوسع والتعاظم النووي. إن المصلحة الإسرائيلية العليا هي منع الجمهورية الإسلامية من التزود بسلاح نووي، وملحق بها كبح توسعها في المنطقة. إسرائيل ملزمة بأن تحدد لنفسها كيف يتحقق هذا وتتسامى فوق المداولات التكتيكية على ما يكون عليه الرد على إطلاق صاروخ من سليماني.
إذا كنا في بداية معركة مع دولة من 80 مليون نسمة، ذات قدرات تكنولوجية واقتصادية، تبعد عنا 1.300 كيلومتر، لا يمكن للرد أن يقتصر على شراء أسلحة أخرى لسلاح الجو وعلى تعديل ميزانية التهديدات. هذه معركة ينبغي أن تربط بها مقدرات وطنية عديدة وتعزيز حصانتنا في الجانب العسكري وفي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. هذا ممكن. سبق أن أثبتنا بأننا نعرف كيف نتجند لمثل هذا التحدي وأن ثمة قوى لازمة لذلك. كما أن هذا يتطلب قيادة تعرف كيف تركز وتجمع القوة الإسرائيلية لا أن تبعثرها. تعزز ثقة الإسرائيليين بالدولة وبمؤسساتها لا أن تشكك بها.
بقلم: الون بن دافيد
معاريف 8/11/2019
أكثر الدول اتفاقا وتعاونا على نشر الارهاب. والموت هم إيران وما يسمى اسرائيل فالذي يقتل الفلسطينيين بفلسطين المحتلة والذي يشنق الاحوازيين اسبوعيا منذ 80 سنه واحد اما تصريحاتهم فهي كذب لتغطية ارهابهم