عجبا! ألم يكن في زيارة “بلينكن”، وزير الخارجية الأمريكي، إلى الجزائر مرتين نذير شؤم على البلاد، بعد أن غادر الرجل عاصمتها بخفي حنين، فلم يلب طلبه بإعادة ضخ الغاز إلى أوروبا عبر الأنبوب الذي يمر بالأراضي المغربية؛ رجاء أن يعوض ذلك قسطا من الغاز الروسي المزمع الاستغناء عنه من قبل الحلف الأطلسي؟
طلب أتى ملحا أيما إلحاح والغرب يخوض حربا وجودية مع الكتلة الشرقية، ستفضي لا محالة إلى خريطة عالم جديد.
السوق الأوروبية
بعبارة أكثر بيانا، هل سيقبل الغرب ببساطة، وهو يصارع للبقاء عدوا لدودا، أن يرى نسغ الحياة قريبا من فيه، وسلاحا فتاكا يمكّنه من النيل من غريم معاند، إن هو استطاع تعطيل إمداداته الطاقوية إلى السوق الأوروبية بغاز جزائري في متناول يده، وقد اشتم قادته من صناع القرار في الجزائر تحالفا وثيقا يربطهم بالروس، يظاهرون في الأخير على شد الخناق حول عنق حلف منيع يقاتل من أجل ريادته العالمية؟
والجزائر في نظر الحلف الأطلسي بلد هش، بين حكامه وشعبه جفوة وجردة حساب طويلة، وعلاقاته مع دول الجوار ليست في أحسن حال، فلم لا تبنى على ذلك كله سياسة تغير وجه المعادلة؟
لم يستشعر الساسة الجزائريون خطورة المرحلة على مستقبلهم وعلى شعبهم الذي سيعاني الأمرّين، إن هو تقبل بصبر ما سيفعله الغرب بالنظام القائم بعد أن تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها، انتصر فيها الروس أو خسروا، وبعدما وقعت الواقعة بين الكتلتين الشرقية والغربية، وتدحرجت الحرب بالعدوين إلى صراع محموم على الطاقة، ستكون هي السلاح الأمضى في الحروب مستقبلا.
الخيارات الصعبة
لاستشراف الآفاق أهلها، ومن أصدق مثلا من الرئيس الأوكراني “زيلينسكي”، الذي قرأ مبكرا في خط الأنبوب “نوردستريم 2” العابر من أسفل بحر البلطيق إلى ألمانيا نذر حرب مقبلة على بلده، ولكن الألمان لم يبنوا على ذلكم سياسة، وهم أصحاب الكعب العالي في الأناة والخبرة؛ فألفوا أنفسهم أمام الخيارات الصعبة، وقد خسروا الصفقة المكلفة وهم باهتون، وغرقت أحلامهم إلى قاع البحر ككتلة من حديد. لعل القادة في الجزائر يظنون أنهم سيطأطئون للعاصفة حتى تخطئهم، وأنهم سيبلون بلاء حسنا في علاقاتهم الديبلوماسية مع الحلف حتى تنجلي الغيوم بعد تلبد ككل مرة. بيد أن الجرة قد لا تسلم لهم في هذه الكرّة.
سيفرغ الغرب من حربه مع روسيا، وستتحد معالم عالم جديد عدواني العلاقات في ما بينه لأمد بعيد، هذا إن سلمت روسيا من الانهيار أو سلم الغرب.
والأرجح أن ينكسر الكبرياء الروسي أو أنه سيتقهقر، لأن الغرب اليوم أكثر قوة وأحسن جمعا، والحجة الأخلاقية للحرب تميل إلى جهته. وبين صراع الفيلة هذا اصطفت الجزائر بغير حكمة إلى الطرف المعزول دوليا، وجعلت بيض مصالحها الدولية كله في سلته، في ساعة أضحى مصير الاتحاد الروسي كله بيد رجل يتقمص شخصية هتلرية متهورة، ظهر للناس أن لها مطامح بعيدة المدى قد أعد لها صاحبها منذ فترة طويلة.
الفعل الانتقامي
لقد درب الغرب على الفعل الانتقامي في أمم مشرعة الأبواب، والجزائر مرشحة لأن تكون ضحيته المقبلة.
في يد الغرب أوراق فاعلة لإحداث خلل قد يطيح بالنظام السياسي برمته؛ ففي الجيش ضباط موالون لفرنسا قد يقومون بانقلاب، وقد دعا الجنرال خالد نزار، وهو من رؤوسهم المدبرة، زملاءه في الجيش الجزائري إلى القيام بذلك، بعد أن سهّلوا له الفرار من الجزائر إبان الحراك ولاحقه القايد صالح قضائيا في إسبانيا. وللمفارقة، فقد عاد الرجل إلى الجزائر معززا مكرما بعد أن رحل قائد الجيش عن الحياة.
سيناريو آخر قد يتبنى فيه الحلف بعض مطالب الحراكيين الثائرين ويعقد معهم صفقة، للمعارضة فيها الحق بإنشاء نظام سياسي حر داخل الجزائر شريطة ألا يعادي أوروبا، ولأوروبا أن تأمن على نفسها في إمدادات الطاقة الأحفورية.
الحليف القوي
من الجوار يمكن إضعاف السلطة الجزائرية، فالمغرب مرشح لأن يكون حليفا قويا للناتو من خارجه، يضمن فيه الحلف للمخزن تفوقا على جيرانه.
ولن تجدي سياسة العسكرة التي تنتهجها الجزائر بمثابرة مريبة في لجم هذا المسار، ما دامت الحروب لم تعد تجدي صاحبها نفعا بالعدة والعتاد الروسيين.
وما فعلته الأسلحة المتوسطة ذات النوعية الفتاكة في هذا الجيش المترهل مدعاة للدهشة والسخرية مما آل إليه في أوكرانيا ثاني الجيوش العالمية من حيث القوة.
وقد تكون الصحراء الغربية خاصرة رخوة، تصهر في تنورها جيوش المنطقة المغاربية، التي لا تفقه في السياسة ولا تتحسب لأيامها المتقلبة.
إن هذه التحولات تصب في صالح الجماعات الإسلامية في الصحراء الكبرى، التي تقاتل بلا هوادة كل من يقف في وجهها.
قد ينعكس التمنع الجزائري من إنقاذ أوروبا في حربها ضد روسيا على حسن التعاون بين الغرب وبين دول الساحل والصحراء في الصراع المزمن هناك ضد الجماعات المسلحة. وفي ذلكم بلاء كبير سيصيب الأنظمة القائمة في المنطقة جمعاء، ولن تنجو الجزائر منه لاتساع الخرق فيها على الراقع كما يقول المثل العربي.
طوق نجاة أوحد يلوح في الأفق ولا بديل عنه للنظام الجزائري بوجهيه العسكري والمدني إن هو أراد لنفسه البقاء بسلام، أن يتصالح مع الله ومع شعبه المقهور فحسب.
مع الله أولا، أن يقيم أمره في السياسة والحكم على المبادئ الإسلامية السمحة كما يطالب الجزائريون دوما، وسيكون له بذلك من الله فضل عظيم يرفع به قدره في الدارين؛ وتاليا أن يشفق على رعيته فلا يشق عليها كما دأب أن يفعل منذ الاستقلال.
ثم قل لي بربك من بعدها: من أحسن صنعا من نظام سياسي حديث يجرؤ على فعل ذلك؟ يأمن على نفسه من محاربي الصحراء جنوبا، ويبسط جناحيه بالجوار الحسن من المشرق ومن المغرب. وله في الشمال مع الأوروبيين خيارات صالحة لديبلوماسية جزائرية ناجحة.
كاتب من الجزائر
كلام جميل وتحليل منطقي.
والذي اعجبني فيه هو طوق النجاة الذي تحدثت عنه اخونا عز الدين مصطفي
كلام جميل
ربي يحفظ بلادنا الجزائر و جيشها و رئيسها
بالفعل فأغلب ما قلته صحيح خاصة جزئية طوق النجاة الاوحد
تعليق جميل وواقعي
تحليلي جيد…..فليعش الغرب آخر حلقات مسلسل اسياد الارض ….و ليستقبلوا اولى حلقات مسلسل المعذبون في الارض
لا اتفق مع كل تفاصيل هذا التحليل لأنه يفتقر للمعلومات ، ما كتب لا يمد بصلة للواقع و هذا راجع للغموض الذي تتسم به السياسة الجزائرية تجاه علاقاتها الدولية و هناك شيء مهما لا يؤخذ في الحسبان في تحليله و هو إن الجيش الجزائري له عقيدة يجهل تفاصيلها كاتب المقال،العالم مقبل على وضع جديد يتاقسم فيه رواد جدد قيادته ،اما عن الاسلحة المهترءة قتلك حدوثة يقصها الناتو و من يدعمه
مقال في القمه من جانب الشكل اللغه والمضمون ليت الصحافه تكون كلها بهدا المستوى
هذه وجهة نظر من جهة واحدة كما أنها بعيدة عن مايحدث حولنا
والجزائر تسلحة لمثل هذه الأحداث لحماية حدودها و مواطنيها أما تجاريا هي تتعامل مع معظم الدول
إذا أراد الغاز عبر المغرب عليهم أن يحث المخزن على الاعتذار و ينتهي المشكل
همهم أن نكون تحت سقفهم بدون فائدة
يجب على العسكر ان يتركو السياسة لاهل اختصاص والا ان تسير بلاد الى هاوية
العالم يعيش في تكتلات ،والدول الأوربية لا ترضى بأن تكون الدول الإفريقية إلا سوقا لمنتوجاتها،وبوقا لسياستها.وروسيا وقفت بجانب الجزائر في مواقف عدة.