البلدتان اليوم وكما كانتا قبل قرون تحت سيطرة مدريد، لكن من يدري ما الذي ستحمله الأعوام المقبلة، وكيف ستكونان في المستقبل؟ غير أن مغزى تأكيد رئيس الوزراء الإسباني الجمعة الماضي على «أن سبتة ومليلية مدينتان إسبانيتان متمتعتان بالحكم الذاتي» قد لا يفهم بدوره إلا بعد سنوات.
وظاهريا فإن كلام بيدرو سانشيز كان موجها يومها، وبالأساس إلى المغرب للرد على رسالة وجهتها الرباط إلى مجلس حقوق الإنسان، في إطار تقديم توضيحات حول الأحداث التي وقعت قرب مليلية في يونيو الماضي، وقالت فيها السلطات المغربية إنه «لا وجود لحدود برية بين المملكة وإسبانيا». لكن هل كانت الرباط وحدها المعنية بالإشارة؟ أم أن سانشيز كان يخاطب وفي الوقت نفسه أيضا جزءا كبيرا من اليمين الإسباني المتطرف، ومن القوى والتيارات الشوفينية التي لطالما ترصدت ما قد تراه تهاونا أو تقصيرا في الدفاع عن إسبانية البلدتين؟ إن الأمر على الأرجح يعني الاثنين معا. لكن الثابت هو أن وجود أراض أو جزر أو حتى صخور تحت السيادة الإسبانية، وفي قارة غير أوروبية صار مكلفا جدا لمدريد. فجانب كبير من الإسبان على الأقل، بات يتساءل اليوم عما إذا كان الاستمرار في التمسك طويلا بالبلدتين سيكون منطقيا ومقبولا، بل حتى مجديا ومفيدا لهم، خصوصا مع الضغوط والتحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد الإسباني والأوروبي اليوم. ومن المؤكد أن أجداد هؤلاء كانوا في القرن السادس عشر والسابع عشر، والقرون التي تلتها يرون، وبالمنطق الإمبراطوري الذي كانوا يفكرون به، ذلك عاديا جدا ومعقولا، لكن ألم تطح ريح الديمقراطية التي هبت على شبه الجزيرة الإيبيرية منتصف السبعينيات بمثل تلك الأفكار والمعتقدات، وتحد ولو قليلا من جموح الطموحات الإمبراطورية والاستعمارية الواسعة وغير المحدودة؟ أم أنها ظلت، رغم كل المظاهر والتحولات التي حصلت على امتداد العقود الماضية عاجزة عن تغيير ما بات يقدم على أنه جزء من ثوابت الدولة الإسبانية ومن كيانها الوطني؟ إن السؤال الذي يطرح دائما وكلما تعلق الأمر بسبتة ومليلية هو، ما الذي تعنيه للإسبان بالضبط ما تبدوان الآن مجرد نقطتين صغيرتين بالكاد يمكن التفطن لهما أو تبينهما على خريطة المغرب؟ هل إن للبلدتين ثقلاً أو وزنا أو أهمية عسكرية أو استراتيجية أو اقتصادية كبرى، تبرر تمسك إسبانيا بهما، وتجعلها غير مستعدة على الإطلاق للتفريط فيهما تحت أي ظرف؟ أم أن ما قد يمنعها من الإقدام على ذلك، هو أن خروجهما من سيطرتها سيكون له مفعول الدومينو، وقد يطلق صافرة البداية لتفكك تدريجي للدولة الإيبيرية ويدفع بعض أقاليمها، وفي مقدمتها إقليم الباسك للمضي قدما في مطالبه بفك الارتباط عن مدريد؟ إن الإيبيريين يعرفون جيدا وبلا شك كيف يفكر جيرانهم في المغرب، ومع ذلك فإن الانطباع الذي يحاولون إعطاءه في بعض المرات هو أنهم بعيدون جدا عن ذلك. فمنذ ما يقرب من السنتين كانت كلمات رئيس الحكومة المغربي السابق، وفي عز الأزمة بين الرباط ومدريد في ديسمبر 2020 التي قال فيها في مقابلة مع تلفزيون «الشرق للأخبار» أن «سبتة ومليلية من الملفات التي من الضروري أن يفتح فيها النقاش.. وأن الجمود هو سيد الموقف حاليا» و»الملف معلق منذ خمسة إلى ستة قرون، لكنه سيفتح في يوم ما»، بمثابة الزلزال الصغير في مدريد. لكن هل فوجئ الإسبان حقا بها؟ ولم يكن ليخطر ببالهم مطلقا أنه قد تخرج يوما من أفواه المسؤولين المغاربة مثل تلك الكلمات؟ وهل إنهم شعروا بالضيق والقلق من أن الرباط باتت قادرة الآن على أن تلوح لهم بفتح ملف كانوا يعتبرونه مغلقا ومحسوما وغير قابل أبداً لأي تفاوض أو نقاش؟ مع أنه ليس معروفا إلى اليوم ما الذي قالته السفيرة كريمة بنيعيش لمخاطبيها في وزارة الخارجية الإسبانية، الذين استدعوها حينها لطلب إيضاحات حول تصريحات العثماني، وكيف كان ردها على طلبهم، إلا أن آخر شيء يمكن توقعه هو أن تكون الدبلوماسية المغربية قد قدمت لهم اعتذارا عن ذلك التصريح، أو أنها قد أقرت أمامهم وبشكل واضح وصريح بإسبانية الجيبين المغربيين المحتلين. فالدبلوماسيون الإسبان يعرفون جيدا أن الأمر ليس بتلك السهولة، وأن الرباط لن تقدم لهم تلك الهدية الثمينة على طبق. لكن هل إن أقصى ما طالبوها به هو أن تترك الموضوع على الرف، وأن لا يثار مجددا لا من قريب ولا من بعيد أي حديث عن مصير سبتة ومليلية وباقي الجزر والصخور المغربية المحتلة؟ ربما طغى ملف الصحراء على اهتمام المغرب لكن وجوده على رأس سلم أولوياته لم يكن يعني بالضرورة أنه قد أدار ظهره بالكامل ولم يعد مهتما أو معنيا بملف آخر وهو ملف أراضيه الخاضعة للسيطرة الإسبانية في الشمال. ولعل البعض قد يقول هنا إن كان الأمر بالفعل كذلك فلما لم يطالب المغاربة إذن بتلك الاراضي الصغيرة والمحدودة نسبيا بمثل القوة والتصميم الذي يظهرونه عند مطالبتهم بالصحراء الأوسع والأكبر مساحة؟
كثير من الإسبان يتساءلون عما إذا كان الاستمرار في التمسك بسبتة ومليلية سيفيدهم، خصوصا مع التحديات التي تواجه الاقتصاد الإسباني والأوروبي اليوم
إن القاسم المشترك بين المنطقتين هو أنهما كانتا في زمن ما تخضعان للمحتل الإسباني نفسه، لكن الجلاء الإيبيري من الشمال الافريقي منتصف السبعينيات توقف عند الصحراء، ولم يمتد إلى التخوم الشمالية للمغرب، ولأنه كان خاضعا لاحتلالين أحدهما فرنسي والآخر إسباني، فضلا عن عدة اعتبارات أخرى، فإن المغرب اعتمد أسلوب العمل على تحرير ترابه بشكل متدرج. لقد كان يدرك أنه لن يكون ممكنا له أن يفتح عدة جبهات في وقت واحد، خصوصا أنه كان يواجه وعلى امتداد سنوات طويلة أكثر من عدو، لكن هل كان ذلك يعني أن زمن المطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر والصخور المغربية المحتلة ما يزال بعيدا جدا، وأنه لن يكون بوسع المغرب وفقا للأسلوب الذي اختاره، أن يطرح الموضوع إلا في حال استطاع على الأقل أن يغلق ملف الصحراء بشكل تام ونهائي؟ لقد فتحت أزمة تورة المغربية المعروفة بصخرة ليلى في 2002 أعين الكثيرين على الاختلال الكبير الذي كان موجودا حينها في موازين القوى، ولم يكن بمقدور المغرب أن يتجاهل ذلك، ومن الواضح أن الشعور الذي طغى على الإسبان في تلك الفترة هو أنهم كانوا في موقع أقوى، وأن تفوقهم الاستراتيجي على جارتهم الجنوبية هو ما جعلهم يستعرضون قوتهم في تلك الصخرة بالذات، بالشكل الذي فعلوه، لكن ما حصل بعد عشرين عاما هو ليس فقط أن الإسبان صاروا يفكرون مرتين قبل أن يقدموا على أي مغامرة في الجنوب، بل إن الأصوات التي صارت ترتفع من داخل إسبانيا نفسها للمطالبة بالتخلي عن سبتة ومليلية وإعادتها إلى المغرب باتت تسمع الآن بشكل أقوى من السابق، لكن إلى ماذا سيؤدي ذلك؟ وهل سيتعب الإسبان أم سيمل المغاربة؟ وقائع التاريخ تدل على شيء واحد وهو انه «ما ضاع حق وراءه مطالب».
*كاتب وصحافي من تونس
…/…تتمة
مجرد تساؤل.
لماذا غيَّر سانشيز موقفه من الصحراء الغربية !!!؟؟؟
الأكيد أنه ليس عن سواد عيون الملك أو المغربيين.
صرح عبد الحميد بنخطاب، أستاذ جامعي مغربي متخصص في العلاقات الدولية لجريدة “هسبريس” الإلكترونية المغربية بما نصه: “المعارضة الداخلية والخارجية للحكومة دفعت بيدرو سانشيز إلى تنظيم جولة بالثغرتين المحتلين (في: 23/03/2022) للتأكيد على أن الاتفاق الثنائي ينص على دعم مغربية الصحراء مقابل عدم المطالبة بثغري سبتة ومليلية”. انتهى الاقتباس.
للعلم أنه بموجب معاهدة الاستسلام بين الدولة الصبنيولية والدولة المراكشية أعقاب هزيمة تطوان في 26/04/ 1860، حيث جاء في شرطها الثاني ما نصه: “إن أرض سبتة المذكورة والمحدودة في الشرط الثالث يعطيها سلطان مراكش لسلطانة اصبانيا ليكون الصلح دائما وأبدا وتثبت الصحبة بين الدولتين ويصفى الغبار بينهما.” انتهى الاقتباس.
تحرير المدينتين ( سبتة و مليلية ) معلق بتحرير جبل طارق ……ادا حصلت اسبانيا على هاد الاخير ستسلم للمغرب المدينتين …..
طالما صاحب الارض ضعيف — سيظل الاستعمار