أرسل لي أكثر من صديق على البريد الخاص، فيلماً قصيراً، يظهر فيه جورج فلويد ضحية العنصرية في فيلم إباحي. لم تعجبني الرسالة، خصوصاً أن أحدهم أرفقها بجملة «لأجل هذا ينتفضون ويتظاهرون». في الواقع إنها قضية اجتماعية اقتصادية سياسية تاريخية عميقة ومركّبة، لا علاقة لحياة الرجل الشخصية فيها، والحادثة لم تكن سوى ما يسميه العرب «القشة التي قصمت ظهر البعير».
حادثة فلويد كالدّمل الذي فُقئ، فأفرز كل التراكمات التي سُكِت عنها، أو كانت لدى النظام قدرة على امتصاصها، هذه المرة تختلف في توقيتها وظرفها الكوروني. هكذا كانت حادثة البوعزيزي في تونس، نقطة تحوّل في التاريخ العربي الحديث، ولمّا تنته تداعياتها حتى يومنا هذا.
انتفاضة الشعب الأمريكي بارقة أمل، بأن الشعوب والأمم أقوى من القوانين التي تفرضها الدولة، ممثلة بحكامها وأجهزتهم
تأتي انتفاضة الشعب الأمريكي بارقة أمل، بأن الشعوب والأمم أقوى من القوانين التي قد تفرضها الدولة، ممثلة بحكامها وأمزجتهم وأجهزتهم، بغض النظر عن نوع الحكم. المظاهرات سترغم السلطات على إعادة النظر في الصلاحيات الممنوحة للشرطة، وفي قوانين إطلاق النار، وسوف يتعرض الشرطيون المشاركون في الجريمة إلى عقوبات قاسية، بعدما كانت جريمة كهذه تمرّ بهدوء، مثل سقوط طبق في مطعم وتحطمه. تقول الانتفاضة الأمريكية إن الشعوب فوق الدساتير والقوانين، وممكن لحادثة واحدة أن تستحضر كل جرائم الماضي، وتفجّرَ كل الأزمات، وتضعها على جدول الأعمال بحدّة، ولا تتركها حتى تحلها. بلا شك في أن المرشح الديمقراطي جو بايدن، يستمتع الآن بما يحدث، ويسعى مع مستشاريه إلى استغلال أمثل لما يحدث، لكن الانتفاضة الأمريكية أعمق بكثير من تجييرها لمصلحة أحزاب أو أشخاص. ترامب لجأ إلى الضحية نفسها، فخاطب الشعب الأمريكي في تصنّع ونفاق واضحين، بأن روح جورج فلويد تنظر الآن من السماء إلى مليوني فرصة عمل جديدة، من المؤكد أن ملايين الأمريكيين سخروا أو ردّوا عليه بعبارة «سِدّ فمك»، لإدراكهم أن ترامب لن يمتنع عن قتل ألف فلويد خنقا بالرّكب، إذا كان هذا يضمن له الفوز في الولاية الثانية.
تحمل انتفاضة الأمريكيين بشرى عالمية، سيكون لها أثرها عالمياً على المدى البعيد، وقد تمثّل قفزة تاريخية في مجال حقوق المواطن والإنسان، وحدود استعمال القوة والسلطة والمال للسيطرة والقمع، في كل مكان، وليس في أمريكا فقط. كذلك فإن المظاهرات التضامنية مع الشعب الأمريكي في عدد من دول العالم، تعني أن العالم صار أكثر حساسية لما يحدث في أي مكان في الكون، ليس فقط في مجال الاقتصاد، بل أيضا في مجال حقوق الإنسان وكرامته. هناك فيروسات كثيرة أخرى غير كورونا، تحتاج إلى تضافر أممي للقضاء عليها، مثل العنصرية والفاشية والاحتلال والنازية الجديدة والديكتاتوريات بمختلف صورها، فهذه لن تبقى قضايا وشؤوناً داخلية لهذا البلد أو ذاك، بل هي قضايا تهم البشرية جمعاء، تؤثر وتتأثر بها.
لم يستفد الشعب الأمريكي من الخاوة ولا من المال السعودي والخليجي، الذي تنهبه الإدارة الأمريكية، لأنه يتحول إلى الشركات العملاقة، فلا ينال المواطن الأمريكي العادي منها سوى الفتات، وجاء كورونا ليفضح نظاماً مشوّهاً يحتاج إلى تعديلات وإصلاحات. الأزمة الحالية في أمريكا والعالم وضعت بديهيات تمارس باسم القانون على المحك، مثل قوانين الثروة والملكية اللامحدودة! كيف يمكن لإنسان واحد أن يملك ثروة من عشرات المليارات، بينما لا يجد ملايين الناس في جيوبهم ما يسدّ رمقهم؟ هل يعقل أن يملك 1% من سكان أمريكا، أكثر مما يملكه 80% من السكان؟ وهل يعقل أن يربح مدير شركة ما في يوم، ما يربحه موظف أو عامل في عام؟ هنالك خلل كبير في المعادلات والقوانين الاقتصادية والسياسية، سواء في أمريكا أو عبر العالم. انتفاضة الأمريكيين حملت في جذورها العميقة أملا واسعاً ليس للأمريكيين لوحدهم، بل للبشرية جمعاء، بأن القوانين والدساتير ليست مقدسات، فالإنسان وضعها ويمكنه تغييرها عندما تتناقض مع مصلحة أكثر الناس، وذلك من خلال النزول إلى الشوارع، وليس انتظار هذا الحزب أو الزعيم بأن يصل إلى سدّة الحكم أو لا يصل. مؤسسات الدولة ليست مقدسة، البشر هم الأساس، وليس الحزب الذي يوصل هذه الفئة أو تلك إلى السلطة، ولا الكتيبة العسكرية التي توصل هذا الضابط أو ذاك، ليضع قوانين تلائم مقاساته ليتحكّم في رقاب العباد.
في هذا السياق وكفلسطينيين نقول، إن توقيع ترامب الطويل والمعقّد ليس رسالة إلهية، ترامب الذي بصقه الشعب الأمريكي، لا يستطيع أن يكون منظّرا وصاحب رؤى في المنطقة العربية، فلسطين والجولان والقدس، ليست ممتلكاته الخاصة حتى يوقّع وتنازل أو لا يتنازل عنها لأمثاله. انتفاضة الأمريكان، وقبلهم العرب، تقول إن الشعوب قادرة على استعادة زمام المبادرة، مهما بدا الأمر مستحيلا.
ترامب مثّل التراث الأمريكي القذر محلياً، والتاريخ الاستعماري دولياً، وخصوصاً في منطقتنا، حيث وجد ظهوراً منحنية ليركبها، لهذا فإن انتفاضة الأمريكيين ضد النهج السائد تمثل الأمريكيين وشعوباً مقهورة عبر المعمورة، خصوصاَ في منطقتنا وعلى رأسها شعبنا في فلسطين، فهل سيكون نجم البورنو سبباً في تغييرات جذرية في أمريكا والعالم؟
كاتب فلسطيني
(تكمله اخيره ) التي وضعها كارل ماركس- وماذا جرى للمجتمع الذي ما يزال في حالة صراع دائم بسبب المنافسة على الموارد المحدودة، وماذا عن النظام الاجتماعي الذي كان يُطبق من خلال الهيمنة والقوة، بدلًا من الإجماع والتوافق، لكن الأمر الصحيح في النظرية هو ان أصحاب الثروة والسلطة يحاولون الحفاظ على هذا النظام الاجتماعي بكل الوسائل الممكنة، وبشكل خاص من خلال قمع الطبقة الفقيرة والضعيفة.
هذا وبالنظر إلى افتراض منظري نظرية الصراع بكون الصراع يحدث بين الطبقات الاجتماعية فإن إحدى نتائج هذا الصراع هي الثورة، تكمن الفكرة هنا في أن التغيير في دينامية السلطة بين الجماعات لا يحدث نتيجةً للتكيف بل للصراع بين هذه الجماعات، وبهذه الطريقة فإن التغير في دينامية السلطة يكون حادًا وضخمًا بدل أن يكون متدرجًا وتطوريًا.
وهذا هو تحليلي لما يحدث فما رأيك كاتبنا بمثل هذا التحليل،لقد ابدعت دمت نبراسا يحتذى به أيها الرائع سهيل كيوان.