هل سيقطع المغرب علاقته بإسرائيل؟

حجم الخط
58

لماذا يطلب البعض من المغرب دونا عن غيره أن يأخذ قراراً عاجلا بقطع العلاقات مع إسرائيل؟ هل دفاعا عن فلسطين وشعبها؟ أم خدمة لغرض آخر هو الالتفاف بأي طريقة كانت على الاختراقات والمكاسب الدبلوماسية المهمة التي حققها في حربه لاستعادة ما يراه أجزاء من أرضه؟
من حيث المبدأ لا جدال أبدا في مشروعية الطلب.. فما ظل يقوله المطبعون العرب على اختلاف دوافعهم وغاياتهم، من أن لا تعارض بين إقامة علاقات مع إسرائيل ودعم حق الفلسطينيين في التخلص من الاحتلال، ثبت الآن وأكثر من أي وقت مضى بطلانه، غير أنه ومن بين كل الدول العربية التي سارعت قبل شهور للتطبيع، فإن العدوان الإسرائيلي الأخير على حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى وغزة وباقي المدن الفلسطينية الأخرى، سلّط الضوء بشكل خاص على المغرب. والسبب هو أنه البلد المغاربي الوحيد الذي أعاد علاقاته بإسرائيل، وهو البلد الذي يرأس أيضا لجنة القدس، التي أنيط بها الدفاع عن الطابع العربي والإسلامي للبلدة المقدسة، ودعم بقاء الفلسطينيين فيها. ولأجل ذلك فإن كثيرين كانوا يترقبون ردة الفعل المغربية، والطريقة التي سيتصرف بها المغاربة مع الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من أسبوع.
وربما كان أكثر ما يتطلعون إليه هو أن يخرج الوزير الأول المغربي سعد الدين العثماني، الذي سبق له قبل شهور قليلة فقط، أن وقع على اتفاق إعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية، ليعلن في خطاب حماسي مشحون، عن قطع تلك العلاقات، ردا على العدوان على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن ما الذي يتوقع أن يحصل حينها؟ الثابت هو أن قرارا بهذا الحجم كان سيقابل بترحاب حار وواسع، لا داخل المغرب فحسب، بل في كل الدول العربية والإسلامية بلا استثناء، وكان الفلسطينيون بالذات سينظرون إليه على أنه واحد من أهم الإنجازات التي حققها صمودهم طوال الأيام الماضية، بوجه آلة القمع والاحتلال، لكن هل كان المغرب سيطمئن حينها إلى أنه قد أدى واجبه نحو فلسطين كاملا، من دون أن يخاطر بخسارة جزء من النجاحات الدبلوماسية التي حققها في مسألة الصحراء؟ لا شك في أن الأهمية الرمزية لقرار من ذلك القبيل، كانت تستحق المجازفة والتضحية، غير أن السؤال الذي يطرح بقوة ثم ماذا بعد؟ وما الخطوة التالية؟ ولعل البعض قد يرد لنبدأ بالأولى، وستتبعها الثانية بالضرورة، ولكن هل تأخذ الدول قراراتها بشكل اعتباطي، ومن وحي اللحظة، ومن دون أي دراسة أو استشراف للتبعات؟ إن الربط يحصل هنا مع مسألة أخرى ظهرت فيها قدرة الدبلوماسية المغربية على تحقيق مكاسب لافتة ومهمة. فعندما تعلق الأمر بقضيته الوطنية الأولى، أي قضية الصحراء، لم يتردد المغرب في سحب سفيرته من برلين، وتصعيد لهجته مع مدريد، وكان ذلك نوعا من الإنذار غير المباشر إلى عدة قوى إقليمية ودولية، بأن غض الطرف عن بعض المواقف، أو التصريحات التي تراها الرباط مسيئة، أو مناهضة لمغربية الصحراء لم يعد مسموحا. ومع ذلك فإن ما ينبغي عدم إغفاله، هو أن تلك الخطوات لم تتم دفعة واحدة، بل جاءت بشكل تدريجي، لكن هل يصح بالقياس على ما حصل في تعامل المغرب مع الملف الصحراوي، أن نتوقع التحرك المغربي في الملف الفلسطيني؟

أقوى المظاهرات المنددة بجرائم الاحتلال والمساندة لفلسطين، كانت تلك التي خرجت في مدن المغرب

إن السؤال الذي يجول في خاطر الكثيرين هو، هل يمكن أن يتكرر الأمر نفسه ويبدأ العد التنازلي للعلاقات المغربية الإسرائيلية، التي أعلنت قبل خمسة شهور فقط عن استئنافها؟ وهل ستقدم الرباط في حال تصاعد الاعتداءات على قطع علاقاتها بتل أبيب، حتى لو لم ترسل إليها إلى الآن سفيرا مغربيا، أو تعتمد لديها سفيرا إسرائيليا؟ لا يبدو أن هناك إشارة واضحة على أن شيئا من ذلك قد يحصل في غضون الساعات، أو الأسابيع القليلة المقبلة، لكن كثيرين يرون في مغادرة رئيس المكتب الإسرائيلي في الرباط بشكل عاجل، مع بدء الاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، بحجة عيادة والده المريض، مؤشرا إلى حرص الإسرائيليين على رفع الحرج، الذي قد يسببه بقاؤه في الرباط، ومحاولة لتجنب حصول ردة فعل قوية من جانبها، في حال ما إذا استمرت، أو تصاعدت حدة الانتهاكات في الأراضي المحتلة. ولا شك في أن تل أبيب فعلت ذلك لإدراكها أنه ليس من مصلحتها أن تختبر ردة الفعل الشعبية المغربية، فقد ظهر جليا أن أقوى المظاهرات المنددة بجرائم الاحتلال والمساندة لفلسطين، كانت تلك التي خرجت في مدن المغرب، كما أن التفاعل الرسمي وبالمقارنة مع باقي الدول العربية التي طبعت كان لافتا، فقد انتقل وبشكل تدريجي من إرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى الضفة والقطاع، إلى وصف رئيس الوزراء الأحد الماضي، في حديث لقناة «الجزيرة» القصف الإسرائيلي على غزة بأنه «عدوان ممنهج» و»جرائم حرب» ضد المدنيين. فضلا عن أن الاتصال الهاتفي الذي جرى الأربعاء الماضي بين سعد الدين العثماني ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وأكد من خلاله المسؤول المغربي على «رفض المملكة المغربية القاطع لجميع إجراءات سلطة الاحتلال، التي تمس بالوضع القانوني للمسجد الأقصى والقدس الشريف، أو تمس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني»، كان رسالة صريحة من جانب المغرب على أنه لن يتستر على الاعتداءات الإسرائيلية، أو يقف صامتا أمامها، مثلما فعل بعض الدول العربية، التي طبّعت في الشهور الأخيرة مع الاحتلال، لكن هل يمكن للمغرب الرسمي أن يمضي في دعمه للقضية الفلسطينية حدا أبعد من ذلك؟ وهل أن قطع العلاقات مع الإسرائيليين يمكن أن يكون مطروحا؟ من المهم أن نعرف انه في ديسمبر الماضي، عندما أعلنت الرباط عن استئناف علاقاتها بإسرائيل، بادر العاهل المغربي بالاتصال برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ليبلغه وفقا لبلاغ الديوان الملكي أن «المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها، لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة». وكان ذلك التوضيح مهما في تحديد العلاقة بين القضيتين، وتوضيح مدى الارتباط الوثيق بينهما، ومثّل إشارة غير مباشرة إلى أن ظروف الحرب التي يخوضها المغرب لتأكيد مغربية الصحراء، هي التي دفعته للتطبيع. ومن هنا فإن أي تراجع عن ذلك المسار سيرتد تلقائيا على ملف الصحراء. وهذا ما يدركه المغاربة جيدا، وتعيه الأطراف التي تستنكر تطبيعهم مع الاحتلال، وتدعوهم للتراجع عنه، لا نصرة لفلسطين، بل سعيا وراء غايات أخرى. أما هل يعني ذلك أن الباب قد أوصد تماما أمام أي مراجعة قد تقدم عليها الرباط لعلاقتها بإسرائيل؟ فالثابت أن تشكل موقف عربي وإسلامي موحد وقوي يتبنى ذلك، هو وحده الكفيل بأن يجعل الأمر ممكنا. لكنه يبقى وللأسف الشديد وفي ظل الظروف الحالية شائكا جدا ومتعذرا.

كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مغربي مقيم بألمانيا:

    بأسم الله، موضوع فعلا صريح،
    ويفسر حقيقة مايجري في الوقت الراهن .
    أظن أن معظم حكام العرب ينظرون دائما الى الأمام
    متناسين ما يدور من حولهم، (روبوات) ..
    شكرا للأستاذ كاتب المقال….

  2. يقول يوسف الراجي:

    لا يختلف اثنان على أن حقوق الإنسان يجب احترامها في نقطة على وجه الأرض ..وأن ما تقوم به اسرائيل مرفوض تماما ..
    لكن لو افترضنا جدلا أن إسرائيل سترحل غدا .. هل يعني أن الفلسطينيين يعيشون في سلام وأمان وتعايش مع بعضهم البعض … قطعا يستحيل .. لا نهم إنما ينفدون أجندات خارجية كما يفعلون الآن وش يحاول كل محور السيطرة على فلسطين من خلال فصيل معين .. ونعمل أن كل كل الفصائل تصنع الآن حتى الصواريخ بدعم من هؤلاء ..
    لماذا أذن نحاول تعليق شمعة شماتة الفلسطينيين أنفسهم بالآخرين ..
    فلسطين ستبقى علامة تجارية ابدا ..وساحة تصفية حسابات ..

  3. يقول ٌRachid:

    في الوقت الذي تتجه انظار العالم كله نحو مجازر الكيان الصهيوني وجرائمه في حق الشعب الفلسطيني منذ عشرة ايام على التوالي يحاول المغرب الحليف الحميم لاسرائيل والحريص على علاقات معها الى ابعد الحدود حسب تصريح وزير الخارجية المغربي قام النظام المغربي بتجييش الالاف من المغاربة ليس لنصرة غزة والدفاع عن المسجد الاقصى بل لاحداث ازمة تلفت انتباه العام وتصرفه عن الاحداث الدامية في فلسطين والانشغال بمسيرات الجياع التي يتم تسييرها نحو اسبانيا واوروبا لابتزازها في قضية جديدة تكشف حقيقة الاسس التي يؤسس عليها ملوك المغرب عرشهم الملكي

    1. يقول عبدالله المغربي:

      لا علاقة بين التطبيع مع إسرائيل وتدفق المهاجرين إلى سبتة المحتلة. إسبانيا تستفز المغرب وتطعنه من الخلف… لم يعد المغرب حائطا قصيرا…

  4. يقول كمال:

    الاستاذ بولحية معروف بموضوعيته في طرح النقاش غير ما يثير الشفقة هو ان بعض التعليقات القادمة من دولة عسكرونا كثيرا ما تضع قضية الصحراء المغربية في نفس الكفة مع قضية فلسطين وهده إهانة بقضية الأمة اما قضية الصحراء المغربية فهي قضية بن عكنون او عبلة على اي المغرب لن يضحي بمكاسب حققه من اجل حفنة من الجنيرالات تتبجح بفمها ولا تقدم أي شيء اللهم الشعارات انتهى زمن النفاق فاما مع فلسطين بالقول والفعل واما شعارات اضاعت البلاد والعباد و اهلكت الحرث والنسل وجعلت مقاعد حكم العسكر اكثر رحابة بهم ودويهم وجعلت المواطنين اكثر ادلالا في صفوف طويلة كل صباح من اجل متطلبات بديهية

  5. يقول بدر الدين:

    كل الدول العربية و الإسلامية تقيم علاقات قوية مع بني صهيوني و الشاهد علاقاتهم مع الولايات المتحدة و أوروبا حماة إسرائيل و مصدر قوتها و جبروتها.

  6. يقول المصطفى الدكالي:

    أمريكا دمرت العراق واهدته لإيران روسيا دمرت سوريا واهدتها لإيران إيران استعمرت سوريا والعراق ولبنان واليمن لماذا لم تقطعوا العلاقة مع هذه الدول وكما تعلمون الدولة المجوسية الصهيونية إيران التي دمرت العالم العربي ولازالت تطمع في احتلال عدة دول لأن اسرائيل تحتل دولة فلسطين فقط وايران تحتل عدة دول وتريدون قطع العلاقة بين المغرب وإسرائيل من أجل خدمة مصالح أعداء المغرب تبا لكم يا منافقون

  7. يقول امحمد:

    المقاومة اثبتت يوسائلها الخاصة انها في في غنى عن هذه الانظمة الميتة ….المثاومة الفلسطينية رفعت رؤوس المسلمين بعد حاول المطبعين اهانته امام الكيان الصهيوني …

  8. يقول Mukhtasir:

    العداء الحقيقي للعرب والأمة الإسلامية قادم ليس من قاطننين الصحراء لا شك من الغرب والإستعمارالصهيوني وسلوكهم البلطجي

  9. يقول علي وتنغير:

    لقد بدأت الدبلوماسية المغربية تسير في الاتجاه الصحيح. بالبقاء على تقديم الدعم المادي والمعنوي للفلسطينيين. والعمل على كسب التأييد والمساندة للقضايا الوطنية الاؤلى. لأن هذه هي سنة الحيات .بعد فشل كل المحاولات للتقارب مع الجيران .لابد من البحث عن البديل ..والبديل ليس بالأمر السهل لدى العديد من الدول. .لأن المغرب بلد الحكمة والحكماء ..

    1. يقول نجيب الجزائر:

      الديبلوماسية خلقت اصلا لي تجنب الفضائح كفضيحة الامس واختباء المسؤلين الدين لم تلتفت اسبانيا لي تصريحاتهم والدفع بي القصر للموت حتي يحقق هؤلاء ربع نضرة من الاسبان او طلب اجتماع بين وزيري اخلية البلدين ..هو اكتر من فشل واقوي من فضيحة بل خطيئة تاريخية ستتابع المخزن الي يوم الدين ..لم يبقي للنضام الكاتم علي صدوركم الا فلدات اكبادكم لي يلتفت العالم اليكم ..حتي حفل توقيع التطبيع ل يتصدر اخبار الاعلام الدولي ولم يحضره اي مسؤول من الصف الاول سوي مجرم حرب اسرائيلي متقاعد ورفض الإتحاد الأفريقي والجامعة العربية اطلاق بيان تشجيع او تنويه حتي. عكس حفل تطبيع ابوضبي والمنامة

  10. يقول سيدي محمد:

    المملكة المغربية لم تهرول الى التطبيع مع الكيان الصهيوني   احتراما و تقديرا لهذا الكيان ؛ كما فعله بعض الدول العربية او التي هي في الواجهة و  للاسف  ما زالت لها  علاقة دبلوماسية متينة  مع  المحتل لفلسطين
    .بل المغرب اغتنم فرصة عرض ترامب   بتلك المقايظة  للتطبيع موقتا مقابل  اعتراف البيت الأبيض بوحدة  التراب المغربية .  و الحقيقة من دفع الى هذا التطبيع  هم بعض حكام الدول  العربية التي تساند  البوليزاريوا   و تنكر  المساعدات التي قدمها لها المغرب  على راسها الجمهورية الجزائرية في تحريرها   ؛ و سوريا التي ضح المغرب باعز أبنائه   في حرب 1973 ضد بطش الصهاينة
    الا انه  يتطلب  من المغرب حاليا بناءا على هذا التطبيع  ان   يسارع  بمستشفى عسكري الى غزة بكل المعدات اللازمة من دواء و طاقم طبي لمساعدة اخواننا في غزة رغما عن انف الصهاينة  و في حال  رفض دخول  هذا الطاقهم من طرف  الكيان الصهيوني  او  التضييق عليه. بعد دخوله باي تهديد   فيجد المغرب الحجة الدامغة لقطع علاقاته  مع هذا الكيان …

    1. يقول أسامة حميد -الصحراء المغربية:

      ابن الوليد. ألمانيا. مايو 19, 2021 at 9:39 ص
      اخي الكريم .. المغرب لم يغتنم اي فرصة .. و ليس هناك اي مقايضة ..
      المغرب اختار الدفاع عن دياره تحت اكراهات النسق الموجود على الارض .. و الابتزاز الدي سببه سياسة عسكرونا تجاه المغرب ..

1 2 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية