في ميزان الرعب، يبدو أن “التهديد الإيراني” التقليدي يتقلص مقابل الانتقام لسليماني، ومن حسن الحظ أن إيران لا تمتلك السلاح النووي حتى الآن، وإلا لكانت استخدمته لتفجير العالم من غضبها.
بعد هتافات نصر جراء التنبؤ بأن إيران لن تكون مثلما كانت –حين اقتربت الحرب بينها وبين أمريكا– فمن المسموح التفكير للحظة بالإهانة الشديدة وكأن التهديد الإيراني تقلص إلى جمجمة واحدة معلقة على حزام الصيد.
هذه هي الرؤية التي رافقت الصراع الطويل ضد القاعدة، وهكذا ظهرت الحرب ضد “داعش”، وهكذا أيضاً تعاملت إسرائيل مع تهديد حماس. إن تعبير “سحق رأس الأفعى” لم يكن شعاراً شِعرياً، بل يمثل استراتيجية ترتكز على مفهوم مركز، ضيق وغير واقعي، الذي بحسبه يعدّ العدو تنظيماً أو حتى خلية إرهابية. حجمه غير مهم، اقطع رأسه وبهذا ينتهي التهديد.
كتب التاريخ مليئة بأسماء القادة، وزعماء التنظيمات والنشطاء السياسيين، الذين تمت تصفيتهم باسم الرؤية نفسها. وفي عدد منها، أدت هذه التصفيات إلى تغيير العمليات التاريخية مثلما حدث عند قتل إسحق رابين وأنور السادات والمهاتما غاندي وجون كنيدي، إذا ما أشرنا إلى البارزين في العصر الحديث.
بفضل ترامب، انضم سليماني إلى هذه السلسلة المحترمة. الذاكرة التاريخية التي تشوشت اعتبرت عملية قتله التصفية الأمريكية الأولى لزعيم منذ الحرب العالمية الثانية؛ ونسيت محاولة اغتيال رئيس حكومة الكونغو الأول، باتريس لوممبر، في العام 1960، التي كانت “سنة خير” لجهود تصفية الزعماء أو إسقاط نظام سلفادور ايندي في تشيلي وانتحاره غير المتوقع. في العام 1986 حدث القصف الجوي على معمر القذافي، ومحاولة قتل سلوفودان ميلوشوفيتس في العام 1999، وكذلك الجهود التي بذلت لقتل صدام حسين في 2003.
تصفية سليماني لا تقلص تهديدات إيران ولن تغير سياستها الإقليمية. ومهما كانت أهميته في الهرم السياسي والعسكري للدولة، فهو لم يكن “الدولة”. إيران دولة طموحة، لذا، فقد فعلت كل ما تفعله أي دولة عظمى أخرى مثل روسيا والصين والسعودية والولايات المتحدة. كل واحدة من هذه الدول أقامت ممثليات عسكرية تحارب باسمها أو من أجلها. لروسيا “مجموعة فاغنر” القاتلة، التي عملت في سوريا وتعمل في ليبيا وإفريقيا. والولايات المتحدة رعت مجموعات داخل طالبان من أجل تحقيق مصالحها. والسعودية توظف مرتزقة من أمريكا الجنوبية وإفريقيا في حربها باليمن. ولإيران لها حزب الله والمليشيات الشيعية في العراق والحوثيون في اليمن.
كانت مهمة سليماني أن ينفذ ويطور نفوذ إيران في كل مكان، في الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية. وقد فعل ذلك بأهلية ونجاح، لكن سُجلت ضده إخفاقات مثل عدم توقع تهديدات “داعش” في العراق، وفقدان تفوق إيران في سوريا، وعدم التقدير الصحيح لحركة الاحتجاج في العراق ضد الوجود الإيراني فيه. شكل سليماني مشكلة لإيران مثلما شكل ذخراً لها. ولكن هذا الميزان ليس هو موضوع الغرب.
يجب على الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، أن يقلق؛ لأنه يفتقد إلى خطط استراتيجية وسياسية للدفع قدماً بهيمنته إيران وإقامة علاقات إيجابية معها. التقوقع داخل الأسوار الدفاعية خوفاً من الانتقام الإيراني والتبجح بعظم “بنك الأهداف” التي ستتم مهاجمتها، لا يمكنه أن يحل محل ضرورة كبح استمرار تدمير الاتفاق النووي الذي سيؤدي إلى حرب إقليمية. وهو لن يبعد أساس العداء ولن يبدد الخوف الدائم من إيران.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 8/1/2020