«إحسان الفقيه.. حرباءٌ عربية وبوقٌ نسائي للإخوان المسلمين»، هذا هو عنوان مقالة نشرها أحد المواقع السعودية، التي دأبت على نسبتني لجماعة الإخوان، بعد أن هاجمتُ سياسات ولي العهد السعودي وغيره من رؤوس الأنظمة الراعية للثورة المضادة للربيع العربي.
وصفتني المقالة بالحرباء، التي تُغير لونها كنوع من الاستجابة للحالة المزاجية، نظرًا لتبدُّل مواقفي خاصة من النظام السعودي، من الهجوم ثم التأييد، ثم معاودة الهجوم، ما جعلهم يسمونه تلوُّنا.
وأجد نفسي اليوم بحاجة للاستمرار في عادة التلوّن، حسب وصف من يعتبر تبدّل المواقف حسب مُعطيات الواقع، تلوُّنا، لأقول كلمة حق ـ من وجهة نظري ـ بشأن شيخ الأزهر أحمد الطيب، رغم أنني هاجمته من قبل على خلفية مشاركته في البيان الانقلابي 2013. جدلٌ واسع النطاق فجّره ردُّ شيخ الأزهر على رئيس جامعة القاهرة محمد الخشت، في ختام مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، الذي ركّز فيه على أمور يمكن اختصارها في ما يلي:
*الفتنة الحالية سياسية لا تراثية.
*تجديد التراث لا يعني تجاوزه وتبديده والتمرد عليه.
*التراث ليس مُطبّقا في حياتنا حتى نحاسبه على التخلف الذي نعيش في ظله.
*الدين يختطفه السياسيون لتنفيذ أغراض لا يرضاها الدين.
*ذوبان الهوية الإسلامية والعربية، والتبعية الشاملة لأمريكا والكيان الصهيوني.
*التجديد، ونبذ تقديس الرجال، ورفض الجمود والتقليد الأعمى، منهج تراثي قبل أن يكون دعوة حداثية.
*الإسلام ليس مسؤولا عن الإرهاب، كما أن اليهودية والمسيحية ليستا مسؤولتين عن الإرهاب الذي ينتهجه أتباعهما.
كلمات شيخ الأزهر أثلجت صدر الكثيرين، باعتبارها مواجهة صريحة لمؤامرة تجديد الخطاب الديني المزعوم، الذي يُجيِّش له السيسي الإعلام والأقلام، حيث أنه دعوة يُراد منها تفريغ الدين من محتواه والعبث في منطقة الثوابت والقطعيات – بهدف تطويعه لمتطلبات العولمة، بخلاف التجديد الذي يتضمن إحياء معالم الدين وسننه، وتنقيح اجتهادات الفقهاء وكتب التراث، وهو ما لا يخالف فيه أحد. لكن شرائح أخرى كان لها موقف مغاير تجاه ردّ شيخ الأزهر. فالعلمانيون والحداثيون انزعجوا واعتبروه تعبيرا عن إصرار المؤسسة العلمية العريقة على الجمود والتخلف، والإبقاء على الموروث الثقافي الذي يُنحِّي ركائز الحياة العصرية. وأنصار السيسي المسبحون بحمده، أظهروا سخطًا كبيرًا، نظرًا لأن شيخ الأزهر بهذه الكلمات يصر على الاستمرار في معاندة زعيمهم، ويرفض التماهي مع مفهومه عن التجديد، ومن ثَمّ شنّ إعلاميو السيسي ومؤيدوه حملة ضارية ضد شيخ الأزهر، فالإعلامي محمد الباز اتهمه بالتعامل مع من يخالفه الرأي، بعداء وتعالٍ، وأحمد موسى اتهمه بمحاولة تشويه شخصية رئيس جامعة القاهرة، وإخراج كلامه عن سياقه، وخالد أبو بكر وصف مفردات شيخ الأزهر بالارتجالية، وأنه أخرج كثيرا من طاقته الداخلية في رده على الخشت، وأما السياسي والبرلماني محمد أبو حامد، فقد اتهم الأزهر بأنه لا يملك رؤية للتطوير، وليس لديه نية حقيقية لأخذ خطوات جادة في هذا الأمر.
غير أن أكثر ما أثار دهشتي، هو ردة فعل بعض معارضي الانقلاب المصريين، حيث صوروا موقف شيخ الأزهر على أنه فصل من مسرحية هزلية، ومنهم الكاتب علاء الأسواني، الذي وصف شيخ الأزهر بأنه بطل وهمي صنعه النظام للشعب حتى يستمر في قمعه وسرقته. والإعلامي الإسلامي المعارض صابر مشهور يخصص حلقة على قناته في اليوتيوب للهجوم على شيخ الأزهر ويصفه بـ»كاهن الأزهر» ويُحمّله المسؤولية عن كل الكوارث التي جرت في مصر، وأن ما يحدث إنما هو تلميع لشيخ الأزهر، وقام بالهجوم على قناة «الشرق»، والإعلامي معتز مطر لإشادته بما فعل شيخ الأزهر في المؤتمر. والداعية المعارض المعروف الشيخ وجدي غنيم، نعت شيخ الأزهر بأنه «حذاء السيسي» وصب عليه جام سخطه، ووصف موقفه الأخير في المؤتمر بأنه رجولة مصطنعة، وجعل يعدد مثالب الرجل وينتقد من يدافع عنه.
الأزهر هو الحصن الأخير لهوية المصريين، خاصة بعد إقصاء وتكميم أفواه الدعاة غير الرسميين
أصحاب هذا الرأي الأخير، الذين اعتبروا شيخ الأزهر ورقة يلعب بها السيسي طيلة حكمه، واستخدمها في المؤتمر المذكور للتعمية على موقف النظام المتخاذل تجاه الإجراءات الأخيرة لتمرير صفقة القرن، بعضهم تحكمه نظرية المؤامرة، والبعض الآخر أسير لآفات في منهج الحكم على الآخرين، تطمس على إدراك أصحابها، فتجعلهم يغفلون أن للميزان كفتين، وأن خطأ المرء لا يمنع من قبول صوابه، فهؤلاء تعاملوا مع شيخ الأزهر على أساس المقولة الساقطة بأن «من لم يكن معنا فهو ضدنا»، فكأنهم أخذوا عهدا على أنفسهم بعدم الاعتراف بأي صواب يصدر عن شيخ الأزهر، إلا بعد أن ينضم لمعسكر الثوار المعارضين، ويجهر بعداوته لنظام السيسي.
هؤلاء يجهلون أن شيخ الأزهر رجل دولة، وليس رجل ثورة، كما عبر الشيخ المصري المعارض لنظام السيسي محمد الصغير، فالرجل ينبغي عدم محاسبته، باعتباره عنصرا في الصف الثوري قد أخطأ، بل هو تابع لمؤسسات هذا النظام، لكنه وقف وقفة حق ،وقال قولة حق، ويقف حجر عثرة أمام النظام في تطويع المؤسسة الرسمية (الأزهر) لخدمة توجهاته السياسية بصورة مطلقة. ومنذ ثورة يناير وأنا أتابع الشأن المصري في اهتمام غير مسبوق، ازداد حجمه بعد انقلاب 2013، وكتبتُ على إثره منتقدة شيخ الأزهر الذي شارك في بيان الانقلاب، لكن لم يفُتْني كذلك رصد مواقفه حتى اليوم. فعقيب الانقلاب بخمسة أيام حدثت مذبحة الحرس الجمهوري، التي قتل فيها عشرات المعارضين برصاص قوات السيسي، خرج شيخ الأزهر حينها لاستنكار إسالة الدماء، وطالب بفتح تحقيق قضائي، والإفراج عن المعتقلين، وتشكيل لجنة مصالحة وطنية. وبعد مذبحة رابعة تبرأ الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر في بيان صوتي مما حدث في فض الاعتصام، وأنه لم يكن على علم بالفض إلا من وسائل الإعلام. ورفض شيخ الأزهر ما أملاه عليه نظام السيسي من تكفير تنظيم «داعش»، استنادا لأن التكفير له ضوابط وشروط، وأن الدواعش خوارج مفسدون في الأرض لكنهم ليسوا كفارا. وأبى شيخ الأزهر كذلك الاستجابة لدعوة السيسي إلى عدم اعتماد الطلاق الشفهي، كما رفض الاستجابة له في قضية توحيد خطبة الجمعة. وأشد ميادين الخلاف بين شيخ الأزهر والسيسي كانت في ما يتعلق بتجديد الخطاب الديني، وفقا لاختلاف رؤية الطرفين في مفهوم التجديد.
هذه الخلفية عن شيخ الأزهر لا تتفق مع القول بأنه مجرد ورقة بيد السيسي، وإني لأرى أن الأزهر هو الحصن الأخير لهوية المصريين، خاصة بعد إقصاء وتكميم أفواه الدعاة غير الرسميين، ومن ثم ينبغي عليهم الالتفاف حول الأزهر وشيخه، خاصة أن هناك إرهاصات لدفع الشيخ للاستقالة عن منصبه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*كاتبة أردنية
…ليس ورقة…ولا حتى ورقة كوتشينة….هو بيدق استعمله السيسي والعسكر.. في مواجهة الشرعية ومحاربة الشعب…وتخلصوا منه بعد أداءه للدور .مثله مثل أي كمبارس …
ليس مهما من هو شيخ الأزهر، إنما المهم هو ما قاله في ذلك المكان و في ذلك الزمان.
*الدين يختطفه السياسيون لتنفيذ أغراض لا يرضاها الدين.
هو وسيلة لكل من السياسيين ورجال الدين لاستغلال الناس البسطاء
بارك الله في قلمك الشافي وهكذا تكون الموضوعية والدقة في تشخيص ماعليه الحال في مصر الاسيرة وشعبها المغلوب على أمره
أجيب علي الأستاذه الفاضله إحسان وإن كان لها الحق أن تتلون لعرض رأي جديد يطابق الواقع.
لو كان شيخنا يُقر الشرع والشريعة ويسعي لها وإن كان حريصا علي إحقاق الحق ويشهد الحق عند سلطان جائر لحق له منا السمع والطاعة.
لكنه كان معهم وينتقي المواقف ويتغاضي عن كثير.
بس كده.