هل نضج الوقت لتغييرات جوهرية

حجم الخط
0

‘في المداولات التي جرت مؤخرا في مسألة استخدام السلاح الكيميائي في سورية، وفي موضوع الاتفاق الذي تحقق مع سورية، الذي بموجبه ستنضم هذه الى ميثاق منع انتشار السلاح الكيميائي، وكجزء من المساعي الدولية لوقف السعي المتواصل لايران نحو قدرة نووية عسكرية، يطرح اسم اسرائيل غير مرة على نحو ملاصق لمطلب ‘التبادلية’ في مسألة اسلحة الدمار الشامل.
كان هناك من دعا اسرائيل الى التصديق الفوري على ميثاق منع انتشار السلاح الكيميائي، ودعاها آخرون الى وضع حد لسياسة الغموض النووي لديها، واشار آخرون الى أن هذا هو السبب الذي يجعل المنطقة ملزمة في أن تنتقل الى بحث مركز في تجريد الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل.
القاسم المشترك بين الدعوات المختلفة هو محاولة التعاطي مع اسلحة الدمار الشامل بشكل منقطع الصلة، اي ان الاقتراحات تطرح في ظل تجاهل السلوك المختلف للدول المختلفة في كل ما يتعلق بهذه القدرات، ولا سيما عن سياق العلاقات بين الدول وعن سياق التهديدات الناشئة عنها.
ولا يبرز الامر في اي مجال مثلما يبرز عندما يدور الحديث عن سياسة الغموض الاسرائيلية في الموضوع النووي، في اطارها اسرائيل لا تؤكد ولا تنفي التقارير المختلفة بشأن قدراتها النووية. ويستمر هذا الوضع منذ نحو نصف قرن. الفجوة بين ما حاولت اسرائيل ونجحت في تحقيقه من خلال استراتيجية الغموض، وبين ما تتهم بانها حققته برعاية الغموض واسعة جدا.
البحث لاحقا يعنى بمفاهيم الشفافية، السرية، الاستقرار الاقليمي والامن/الردع، التي كلها ذات صلة بالبحث في استراتيجية اسرائيل، ولكن مجال تشويهها في غمرة الحماسة في الجدال الجماهيري الواسع.
موضوع ‘الشفافية’ يميل لان يعتبر كقيمة ايجابية بطبيعته في دوائر العلاقات الدولية، أي، كلما ابدت الدولة شفافية أكثر، يكون افضل. ولكن هل صحيح الامر بشكل مطلق؟ في حالة اسرائيل، الامتناع عن الشفافية في المجال النووي سمح لها بان تبقى في الظل، خدم مصالحها وحقق فضائل للمنطقة بأسرها.
فنتيجة امتناع اسرائيل عن الاعلانات، التهديدات او اتخاذ اي عمل آخر يتعلق بالقدرات النووية، التي يزعم انها لديها، كانت أن معظم دول المنطقة تمكنت من التعايش بسلام (رغم انفها) مع الوضع، وعدم السعي الى قدرات خاصة بها. مثل هذا الوضع افضل للاستقرار الاقليمي مما لو كانت اسرائيل دولة نووية معلنة، لا يمكن تجاهلها. ليس في ذلك ما يلمح بان مصر يسرها الوضع.
بالعكس، فعلى مدى السنين، قادت حملة مركزة حاولت فيها اجبار اسرائيل على الانضمام الى ميثاق منع انتشار السلاح النووي، رغم ذلك، وقعت مصر على اتفاق سلام مع اسرائيل، من دون أن تطالب كشرط مسبق ان تضم اسرائيل الى الميثاق.
ما أن شرح المنطق من البقاء في الظل من جانب اسرائيل، وضبط النفس الواضح لها في الموضوع النووي، سيكون ممكنا ان نفهم أيضا ان السرية التي تضفيها اسرائيل عليها في هذا السياق لا تستهدف خداع الاعداء المحتملين او تضليل اي جهة اخرى، فاسرائيل تتمسك بسياسة رسمية بموجبها لا تؤكد ولا تنفي، بل تكتفي بالادعاء بانها لن تكون الاولى التي تدخل سلاحا نوويا الى المنطقة. وبالتالي فان اولئك الذين يدعون اسرائيل الى الكف عن التظاهر، لان الجميع يعرفون بانها دولة نووية، يفوتون فهم الفكرة. وصحيح حتى الان، كان الغموض ذخرا استراتيجيا يمنح اسرائيل وضعا مستقرا نسبيا في المنطقة.
فضلا عن ذلك، فان بعضا من الدعوات لاسرائيل للانضمام الى ميثاق منع انتشار السلاح النووي تستند الى جملة فرضيات، منها ان الحديث يدور عن خطوة صحيحة باتجاه شفافية أكبر من جانب اسرائيل الامر الذي يعتبر ايجابيا بطبيعته والتعاون الاوسع مع الاسرة الدولية. اما عمليا، فان السبيل الوحيد الذي من خلاله يمكن لاسرائيل (والهند وباكستان) الانضمام الى ميثاق منع انتشار السلاح النووي، هو كدولة ليست نووية. وبالتالي، فان الشفافية والتعاون مع الاسرة الدولية، مثلما يستوجب الميثاق، ليسا المسألة ذات الصلة.
النقطة هي مطلب نزع السلاح. وبالفعل، عندما تدعو مصر، الجامعة العربية وايران اسرائيل الى الانضمام الى الميثاق، فانها تسعى الى هدف واحد فقط هو الكشف، وعندها نزع القدرات التي بحوزة اسرائيل، مهما كانت هذه القدرات، ولا سيما قدرة الردع. وتبقى اسرائيل في الظل في موقفها في موضوع النووي، لانها لا تزال تقف امام تهديدات معلنة تتحدى مجرد حقها في الوجود في المنطقة كدولة ذات سيادة.
بالنسبة لخيارات الرقابة على السلاح التي تقف امامها اسرائيل، فان العامل الذي سيقرر الوتيرة التي تتمكن فيها اسرائيل من الانضمام الى المواثيق الدولية، أو تبني تسويات اقليمية جديدة ممكنة، هو وضع الامن الاقليمي. اسرائيل ليس فقط لا تتمتع بعلاقات سلام او علاقات سياسية ذات مغزى مع بعض من جيرانها، بل ليست في يدها قنوات اتصال اساسية مع بعض منها. في مثل هذا الوضع، من الصعب أن نرى كيف يمكنها أن تتخلى عن ذخائر استراتيجية.
اسرائيل مفتوحة على الانضمام الى مواثيق دولية عندما يتيح الوضع ذلك، ولكنها تنظر بقلق شديد الى بعض من الدول المعادية في المنطقة، من التي انضمت الى ميثاق منع نشر السلاح النووي، وبعد ذلك واصلت طريقها، في ظل خرق التعهدات التي وقعت عليها، والتضليل المقصود للاسرة الدولية. وبالتالي، فان تفضيل اسرائيل هو مواصلة المحادثات الاقليمية: الخطوة الاولى من ناحيتها هي البحث في هذه المسائل في محادثات مباشرة، بنية تحقيق اجماع بشأن جدول الاعمال. في كل ما يتعلق بفكرة مؤتمر الشرق الاوسط المجرد من أسلحة الدمار الشامل، صحيح حتى الان اسرائيل مستعدة لان تشارك في المداولات الاولية، ولكن الدول العربية، كما علم، رفضت الجلوس مع اسرائيل في اطار لا يرتبط بميثاق منع انتشار السلاح النووي (فيما تتجاهل حقيقة ان اسلحة الدمار الشامل غير النووية هي خارج مجال صلاحيات الميثاق).
وأخيرا، موقف قصير من ايران. مسألة اسرائيل وتجريد المنطقة من اسلحة الدمار الشامل تزحف ببطء الى داخل الجدال عن امكانية النووي العسكري لدى ايران.
اذا كانت المطالب موجهة الى ايران، كما تقول بعض الاصوات، فماذا بالنسبة لاسرائيل. هنا المكان للتشديد على ما يميز بين ايران وبين اسرائيل، ولماذا يجب على تطلعات ايران النووية أن تكون مكبوحة الجماح، من دون صلة بالافكار عن الرقابة على السلاح الاقليمي. ايران، ليست مثل اسرائيل، هي نموذج لدولة سبق أن صادقت قبل سنين على ميثاق منع انتشار السلاح النووي، تعهدت بعدم التزود بسلاح نووي (وحظيت بذلك بالامتيازات)، ولكنها حبذت انتهاك هذا التعهد في ظل كذبها على الاسرة الدولية.
ايران فقدت بالتالي حقها الاخلاقي في المزاودة على الاخرين لعمل شيء ما هي نفسها فشلت فيه، اضافة الى عدم ايفائه بشروط الميثاق في ظل افعال الغش، فان النظام المعادي الحالي في طهران ينشر صبح مساء تهديدات خطيرة على حق اسرائيل في الوجود كدولة ذات سيادة، ويعرب عن رغبة ايران في تغيير وجه الشرق الاوسط ككيان اسلامي.
اهداف كهذه يمكنها أن تستعين بميزة ايران نووية، وبالفعل، كل الشهادات تدل على ان ايران تسير في هذا الاتجاه. لا شك أن للسياق معنى. من دون تغييرات أساسية في ايران وفي المنطقة، يجدر التخفيض الشديد لمستوى التوقعات من أن يتغير وضع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة بشكل دراماتيكي.

نظرة عليا 31/10/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية