هل نعتمد على انسانية الانسان لمنعه من قتل والفتك بأخيه الانسان

حجم الخط
1

أنا متأكد أن الجميع سيقرأون هذا العنوان متثائبين ويقولون ما هذا الهراء لقد فطر الانسان على الخير والحب و… ان فطرته السليمة جديرة بأن نعتمد عليها، ولكن الجميع سيصعقون بعد الانتهاء من قراءة هذا المقال.
للاجابة على سؤالنا يجب علينا أن نلجأ الى العلم والتجربة، قام عالم النفس ستانلي ملغرام في عام 1963 باجراء اختبار في جامعة ييل يعنى بدراسة مدى الانصياع للسلطة؛ بحيث يبرز مدى استعداد المشاركين فيه لاطاعة سلطة تأمر بتنفيذ ما يتناقض مع ضمائرهم.
آلية الاختبار
حضر المشاركون في الاختبار تلبية لاعلان نشر في جريدة. كان المشاركون رجالا بين (20- 50) عاما ينتمون الى مختلف المستويات الاجتماعية والثقافية، منهم من لم ينه تعليمه الثانوي وآخرون حصلوا على درجة الدكتوراه. قبل الاختبار يتقدم المشرف من المشارك والممثل ويخبرهما أن الاختبار يهدف لقياس أثر العقاب في التعلم (وهذا أمر غير صحيح). يجري المشرف قرعة وهمية بين المشارك والممثل تؤدي دائما لنتيجة واحدة، أن يكون المشارك معلما والممثل متعلما. يتم وضع المشارك والممثل في غرفتين متجاورتين، بحيث يتواصلان بالكلام فقط، وفي أثناء الاستعداد للتجربة يصرح الممثل بأنه يعاني من مشاكل قلبية ولكنها ليست خطيرة.
يتم تعريض المشارك لصعقة كهربائية شدتها (45 فولت) كنموذج للصعقة التي سيوجهها للمتعلم (الممثل) عندما يخطئ. يجلس المشارك في غرفته وأمامه على الطاولة جهاز الصدمات الكهربائية وله عدة مفاتيح تندرج (من 30 الى 450) فولت يقدم المشرف للمشارك ورقه تحتوي على مجموعة من الكلمات المتقابلة، حيث تقتضي حيثيات الاختبار أن يقوم المعلم (المشارك) بقراءة الكلمات المتقابلة كلها، وعندما ينتهي من قراءتها يعود لقراءة الكلمة الاولى ويقدم أربعة احتمالات للكلمة المقابلة لها، وعلى المتعلم ( الممثل) أن يقوم بضغط زر يمثل اختياره فاذا أخطأ فان المشارك يقول له بأنه أخطأ ويخبره بشدة الصعقة الكهربائية التالية، ثم يضغط على زر الصعقة الكهربائية المناسبة على أن تكون الصعقة التالية أعلى شدة، وهكذا حتى تنتهي القائمة ثم يعيدها من بدايتها حتى يتمكن المتعلم من حفظ الكلمات.
المشاركون يظنون أنهم يوجهون صعقات كهربائية، ولكن في الواقع لم تكن هناك أية صعقات، بل كان هناك تسجيل صوتي بصوت الممثل يصدر فيه صرخات بالتناغم مع شدة الصعقة. بعد عدة زيادات في شدة الصعقة يبدأ الممثل بالضرب على الجدار بينه وبين المشارك عدة مرات، ويشتكي من الوضع الصحي لقلبه، عند هذه النقطة عبر عدد من المشاركين عن رغبتهم في وقف الاختبار وتفقد وضع المتعلم، كثير من المشاركين توقفوا عند الشدة 135 فولتا مشككين في مغزى الاختبار، آخرون استمروا بعد أن تلقوا تطمينات تعفيهم من أي مسؤولية، بعض المشاركين راحوا يضحكون بانفعال شديد لدى سماعهم صرخات المتعلم.
واذا أبدى أحد المشاركين رغبته في التوقف في أي مرحلة من المراحل كان المشرف يوجه اليه سلسلة متتابعة من التوجيهات: 1- الرجاء الاستمرار. 2- الاختبار يتطلب منك أن تستمر استمر رجاء. 3- من الضروري أن تستمر. 4- ليس لديك خيار يجب عليك الاستمرار. اذا أصر المشارك على رغبته في التوقف عند ذلك يتم وقف الاختبار والا فقيامه بتوجيه الصعقه 450 فولتا يعتبر جرس النهايه للاختبار.
أجرى ملغرام استبيانا قبل البدء بالاختبار على مجموعة من علماء النفس حول توقعاتهم عن نتائج الاختبار؛ غلب على أكثرهم الظن أنه فقط واحد بالالف تقريبا سوف يصل الى مرحلة الصعقة الاخيرة، ولكن كانت النتيجة أن 65′ من المشاركين (أي 27 من 40) وصل الى الصعقة الأخيرة، رغم كون الكثير منهم غير مرتاح لهذا الأمر؛ كل واحد توقف برهه وأبدى شكوكا تجاه الاختبار، ولكن لم يعلن أي مشارك قبل مستوى (300 فولت ) عن رغبة حاسمة في التوقف عن الاختبار.
تم اجراء نسخ عديدة من الاختبار في مختلف بقاع العالم وأدت الى نتائج مشابهة، حيث تراوحت نسبة المشاركين المستعدين للاستمرار حتى الصعقة القصوى 61′ – 65′ بغض النظر عن مكان وزمان الاختبار.
ولدى سؤال المشاركين أوضح 84′ منهم أنهم سعداء أو سعداء جدا لانهم شاركوا بالاختبار. فيما أعلن 15′ أنهم غير مستائين. تم اجراء نفس الاختبار ولكن مع تغيير في الظروف، فأظهرت النتائج أن معدل تنفيذ الأوامر تناقص كلما زاد التقارب بين المعلم والمتعلم، وزاد كلما تقارب المعلم والمشرف. ووضع شخص مع المعلم ليقوم هو بصعق المتعلم في هذه الحالة لم يقرر الانسحاب سوى ثلاثة من أصل أربعين؛ فأسلوب تقسيم العمل ينجح بشكل كبير في عمليات التعذيب والابادة الجماعية المنظمة، وهو ما يخفف الشعور بالمسؤولية عن الأفراد.
يقول العالم ملغرام، ‘ان النتائج مقلقة وانها ترجح أن الطبيعة البشرية غير جديرة بالاعتماد عليها لتبعد الانسان عن القسوة والمعاملة اللانسانية، عندما تتلقى الأوامر من سلطة فاسدة، نسبة كبيرة من الناس مستعدون لتنفيذ ما يؤمرون، من دون أخذ طبيعة الأمر بعين الاعتبار’.
وهنا أنا لا أشكك بفطرة الانسان السليمة، بل أنا أؤمن بذلك ولكن ثبت بأنها لا تكفي. فاذا كنا غير قادرين على التعويل على انسانية الانسان لمنعه من قتل أخيه فعلى ماذا نعول؟

المرجع : اختبار ملغرام من (ويكيبيديا)
‘ كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول feras:

    المقالة ممتعة ومفيدة
    وانا اعتقد ان الاعتماد يكون بالاضافة الى انسانية الانسان على الوازع الديني الذي يعتبر موجه اساسي لسلوك الانسان
    وكل الشكر للاستاذ بشار الجوباسي

إشترك في قائمتنا البريدية