من الأمور المثيرة للانتباه أن الحركات الإسلامية يتباين موقفها من قضايا عدة، لكن، حين يأتي الموقف من الكيان الصهيوني، فإنها جميعا تتحدث لغة واحدة.
ويرجع السبب في ذلك إلى أن تنشئتها الدينية والفكرية والتربوية والسياسية، جعلت موقفها من القضية الفلسطينية محكوما ببراديغم حركي بثلاثة محددات أساسية: أولها، تقييمها لطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني، وكونه صراعا وجوديا. وثانيها، دعم وإسناد قوى المقاومة الفلسطينية، بما يتضمنه ذلك سعيها من أجل خلق فرص المصالحة بين مكونات الصف الفلسطيني لخلق أصلب شروط المقاومة. وثالثها، مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني بكل أشكاله مستوياته.
بالنسبة للأنظمة السياسية، فمنطقها وبراديغمها مختلف، فهي تدير الموقف خارج هذه المحددات الثلاث، وفي الحد المعقول من الموقف، تلتزم بخيار تسوية الصراع العربي الإسرائيلي على أرضية حل الدولتين، وتأمين حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها قضية القدس الشريف.
بالنسبة للحالة المغربية، التي يحكمها دستور يمايز بين الدولة والحكومة، ويجعل الحكومة جزءا من الدولة، فقد ظل موضوع فلسطين دائما مثار عدم انسجام لاسيما لما كان الإسلاميون يمارسون السياسة في مربع المعارضة السياسية، إذ كان منطقهم يتعدى سقف إسناد المقاومة ومناهضة التطبيع، إلى نقد مختلف السياسات التي تطرح خيار التسوية مع إسرائيل.
والذي يتأمل سجل العدالة والتنمية في هذا الإطار، يمكن أن يجد فيه تراكما كبيرا، فلم يكن فقط معبئا لأكبر المسيرات الداعمة للقضية الفلسطينية في العالم العربي، بل شارك رموزه في أحداث كبيرة تتعلق بمناهضة التطبيع (أسطول الحرية)، واعتقل بعض رموزه من قبل سلطات الاحتلال، وحضرت قياداته في العديد من الوقفات الاحتجاجية المناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بل أصبح بعض رموز العدالة والتنمية، بمثابة لوازم للقضية الفلسطينية، فلا يذكر اسمهم من غير أن تذكر معهم قضية فلسطين.
في مربع الحكومة، لم يتخيل الإسلاميون أن يواجهوا تحدي التطبيع مع إسرائيل، وظل عقلهم السياسي متوقفا، فلم يطرح سيناريو ما العمل في حالة ما إذا حصل ما كان يروج وقت زيارة كوشنير إلى المغرب سنة 2018، من أخبار عن مقايضة مفترضة بين الصحراء والتطبيع مع إسرائيل، وظل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، يعلن رفض بلاده لكل عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأن التطبيع يدفعه ويحفزه كي يزيد في انتهاكه لحقوق الشعب الفلسطيني والالتفاف عليها، حتى أيقن قادة الحزب ومناضلوه أن مسار التطبيع بعيد عن المغرب، وأن التفكير في سؤال ما العمل لمواجهة هذا السيناريو عبث لا فائدة من ورائه. لكن المشكلة، أن هذا السيناريو هو الذي حصل، وصار من الضروري معه، أن يقدم الحزب روايته، أو تبريره.
ليس ثمة خيار لهذا الحزب، سوى الدخول في وقفة تأمل طويلة، تتلازم مع الخروج من الحكومة، وإعادة تحريك الورش الفكري والسياسي، لتجديد رؤية الحزب
حركة التوحيد والإصلاح، بقيت وفية لبراديغمها الحركي، فعبرت عن رفض التطبيع، وعدم قبوله مهما كانت التبريرات. وحتى تجنب نفسها الحرج، فقد أكدت موقفها الثابت من قضية الصحراء، حتى لا يقدم أي تأويل غير مناسب لموقفها من التطبيع. أما العدالة والتنمية، فقد أوقعه الوضع الدستوري للدولة في الحرج، فقد دخل للسياسة ضمن الإطار الدستوري الناظم، وعبر أكثر من مرة عن أن السياسة الخارجية هي اختصاص ملكي حصري، وأنه لا يجوز في السياسة الخارجية أن يقودها رأسان، وأن منطق الاستمرارية والتراكم، يقتضي أن يرسم الملك معالم هذه السياسة ومحدداتها، وأن يتابعها بنفسه ويتخذ الضروري من المواقف، وأن ما على الحكومة سوى الدعم والإسناد.
على أن ما يعقد الوضع أكثر، ليس فقط هذا الوضع الدستوري، ولا حتى القبول به، وتقديم تأويل جازم وحاسم حوله، وإنما هو موضوع الصحراء، والكسب المغربي المفترض من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب عليها، وتأكيد الدولة عبر بلاغ الديوان الملكي وعبر تصريحات وزير الخارجية، أن قضية الصحراء هي الحدث، وليس ما يرتبط بها من فروع (العلاقة مع إسرائيل).
هذا الوضع المعقد والحرج، دفع إسلاميي العدالة والتنمية إلى إصدار بلاغ، تضمن فقرات كثيرة، تمحورت كلها تم حول قضية الصحراء ودعم سياسة الدولة ورفض الخروج عن منطقها، إلا فقرة صغيرة في آخر البلاغ، لم تعلن بشكل صريح الموقف الرافض من التطبيع، وإنما اكتفت بالإحالة على مواقف الحزب المعروفة في هذا الموضوع.
الرسالة التي فُهِمَت من البلاغ، أن القضية هي قضية موقف الدولة وسياستها، وأن الوضع الدستوري، كما موقف الحزب التدبيري إزاء السياسات الخارجية، كما مركزية قضية الصحراء كمحدد في هذه السياسة، تجعل من الضروري، دعم وإسناد قرار الملك، وعدم الالتفات إلى أي شيء آخر، حتى ولو كان الأمر يتعلق بأن يصير الحزب ضد مواقفه الثابتة من القضية الفلسطينية.
كان المفترض بعد هذا البلاغ أن يبدأ نقاش آخر داخل الحزب، يتعلق بالجواب عن أشكال ترتيب العلاقة بين المغرب وإسرائيل، وموقع الحزب كفاعل سياسي، ضمن بروتوكولات التوقيع، وأي موقف يلزم اتخاذه قبل أن يوضع الحزب في حرج أكبر من الذي قبله. لكن الذي حصل، أن العقل النظري، توقف مرة أخرى، عن طرح هذه الأسئلة، فبالأحرى الإجابة عنها، وافتراض خيارات تخفف من الحرج، حتى فوجئ الحزب بأن الذي سيوقع اتفاق الرباط مع الطرف الأمريكي والإسرائيلي، هو رئيس الحكومة، الدكتور سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ليترسخ في الذاكرة الشعبية والحزبية، أن التطبيع مع الكيان الصهيوني تم بتوقيع الإسلاميين.
ما من شك أن هذا التوقيع ترك صدمة عنيفة داخل أوساط إسلاميي العدالة والتنمية. صدمة لا تزال ارتداداتها تكبر وتتوسع، وربما قد تصل الحد الذي ستصبح معه الخيارات التنظيمية لمواجهة الأزمة، جد محدودة.
الخيارات التنظيمية المتوقعة، تبدأ من المطالبة بعقد مجلس وطني استثنائي، إلى المطالبة بالتعجيل بعقد المؤتمر، وربما، الدعوة إلى محاسبة القيادة على سوء تدبيرها لهذا الملف، وعجزها عن ابتكار خيارات للجواب عنه ضمن نفس السقف الدستوري، لكن، الأمر لن يتوقف عند ذلك، فما من شك، أن بعض قواعد الحزب التي ارتبطت بالحزب من بوابة عقائدية ومرجعية، ستجد نفسها في حل من أمرها، فهي الآن تشعر بأن مبررات دعمها لهذا الحزب لم تعد قائمة لاسيما بعد التنازل عن اللغة العربية في التدريس، وبعد صدمة التوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل.
في الأفق المنظور، ليس ثمة خيار لهذا الحزب، سوى الدخول في وقفة تأمل طويلة، تتلازم مع الخروج من الحكومة بعد انتهاء ولاية العثماني، وإعادة تحريك الورش الفكري والسياسي، لتجديد رؤية الحزب، وقيادته، وبلورة أطروحة جديدة باستثمار التراكم المهم الذي حصل في العلاقة مع المؤسسات.
كاتب وباحث مغربي
لقد أهان القصر الملكي العثماني بتكليفه تمثيل المغرب توقيع إتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني وهي أيضا هدية لعراب التطبيع بن زايد الذي يعتبر مهندس هذا التطبيع و الوسيط لدى ترامب للمغرب و كذا الضربة القاضية لحزب التنمية والعدالة في الإنتخابات القادمة وبذلك كان العثماني ساذجا و انانيا و قدم نفسه كنموذج “لاخواني في مسرحية شاهد مشفش حاجة”