هل وصلت إيران إلى نهاية الطريق؟

حجم الخط
6

من المبكر إطلاق تكهنات من هذا القبيل، ما دامت هناك سيناريوهات متعددة، ولو نظرياً، أمام أطراف التوتر الشديد الذي أعقب اغتيال أيقونة النظام الإيراني قاسم سليماني وصحبه في بغداد قبل أيام. لكن إطلاق صواريخ أرض ـ أرض إيرانية على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، والتصريحات المتطايرة على وسائل إعلام محور الممانعة، تعطي إشارات كافية عن مأزق إيراني كبير لا يمكن تصور الخروج منه بسهولة.
أول ما يلفت الانتباه، بهذا الصدد، هو الفارق بين «الأخبار» التي يبثها التلفزيون الإيراني عن الحدث، والتصريح «المسؤول» لوزير الخارجية جواد ظريف. ونفهم أنهما يتوجهان لمتلقين مختلفين لهما تطلبات مختلفة. ففي حين هدد التلفزيون الحكومي بمزيد من الضربات «لمئة من الأهداف المرصودة»، في حال ردت الولايات المتحدة على ضربة عين الأسد، غرّد ظريف بوضوح شديد قائلاً إن «الرد الإيراني على العدوان الأمريكي قد تم وانتهى» معتبراً هذا الرد مشرعاً من وجهة نظر القانون الدولي بوصفه دفاعاً عن النفس.
ردُ حرصت فيه إيران على عدم إصابة جندي أمريكي واحد، ويحرص وزير خارجيتها على إعلان دقة بلاده في الالتزام بالأعراف الدولية! لا يتمالك المرء نفسه عن التعبير عن شكه فيما إذا لم تكن إيران قد أبلغت الأمريكيين بصورة مسبقة بهدف الضربة وحجمها، طالبةً منها تقبل الأمر إنقاذاً لماء وجه القيادة الإيرانية أمام جمهور الممانعة من طهران وصولاً إلى بيروت. ولنكمل هذا الافتراض إلى نهاياته لا بد من التساؤل عن الثمن الذي سيطالب به ترامب مقابل تمرير هذا «الميزانسين» الرديء. فلا شيء مجانياً في متجر ترامب كما نعلم، ولا شيء مستحيلا أيضاً. ولكن في جميع الأحوال نرى إيران، في هذا السيناريو المتخيل، ذليلة أمام «سيد الاستكبار العالمي» إلى درجة غير مسبوقة في كل تاريخها.
على فرض أن ذلك هو ما حدث فيما وراء الحركة الدبلوماسية الأوروبية والخليجية لـ«إنقاذ الموقف» بأقل الأضرار الممكنة، فهل تنطلي هذه الكذبة المكشوفة في الرد الإيراني «المزلزل» المزعوم بضرب قاعدة عين الأسد، على «جمهور الممانعة» ومعلقيها التلفزيونيين؟

كل العنجهيات الإعلامية السابقة سقطت في فراغ بلا قرار. ليس فقط ما قيل في اليومين التاليين لاغتيال قاسم سليماني، بل في السنوات السابقة عليه أيضاً. سيستمر فرسان التلفزيونات في لغوهم الفارغ الذي لا يجيدون غيره ولا بديل لهم عنه

لعلها لن تنطلي على أحد، لكن الجمهور المذكور لديه طلب مرتفع على الكذبة، وسيشتريها مهما بدا الأمر منافياً للحس السليم قبل المنطق السليم. الأرجح، إذن، هو تظاهر هذا الجمهور بتصديق الكذبة إنقاذاً للوقوع في فراغ رهيب.
نعم، هو الفراغ الرهيب! كل العنجهيات الإعلامية السابقة سقطت في فراغ بلا قرار. ليس فقط ما قيل في اليومين التاليين لاغتيال قاسم سليماني، بل في السنوات السابقة عليه أيضاً. سيستمر فرسان التلفزيونات في لغوهم الفارغ الذي لا يجيدون غيره ولا بديل لهم عنه. وسيستمر الجمهور، إلى حين، في التظاهر بتصديق الأكاذيب. ولكن ماذا بعد ذلك؟ لا شيء.
هل انتهت «حقبة السليماني» في السياسة الإيرانية، إذن، وهي سياسة التوسع الامبراطوري لإيران التي كانت ثمرة ضعف الجوار العربي المستهدف والتواطؤ الأمريكي المديد منذ العام 2001؟ هل ماتت تلك السياسة بموت مهندسها «الغامض» الذي سافر، رحلته الأخيرة، في طائرة مدنية من مطار دمشق إلى مطار بغداد بوضوح ما بعده وضوح؟
كان وزير الخارجية واضحاً بأكثر مما يجب حين أضاف في تغريدته المشار إليها قائلاً: «نحن لا نريد الحرب»! لا عزاء لجمهور الممانعة أمام ما وصلت إليه إيران من هوان يشبه الاستسلام التام، لينكشف له أن الصراعات في العالم الواقعي لا تشبه نظيراتها الإعلاميات والافتراضيات. ليس كل رئيس أمريكي هو أوباما. ولا يشبه الرد على الاصطياد الأمريكي السهل لقاسم سليماني تهديدات حسن نصر الله على شاشة قناة المنار.
لو سئل ترامب، في جلسة صدق وصفاء، عما إذا كان يتوقع أن يؤدي قراره باغتيال سليماني إلى كل هذه التداعيات على إيران، من المرجح أن يضحك من السؤال ويعلن أنه لم يفكر بذلك قط. فهذا ما يناسب مزاجه الذي بتنا نعرفه. أما رسمياً، فالمرجح أنه كان سيضيف كذبة جديدة إلى سجل أكاذيبه الحافل فيقول مثلاً إنه خطط بدقة لإسقاط القيادة الإيرانية في الفراغ.
بعيداً عن منطق الافتراضات التي لا يمكن التحقق منها، سنرى آثار اغتيال سليماني وما تلا ذلك، تباعاً فيما يشبه كرة الثلج في رحلة انحدار نظام ولي الفقيه. ما يتمناه المرء هو أن يكون السقوط سلساً وبلا آلام كبيرة مرافقة في إيران و«ولاياتها» العربية، بخلاف ما حدث للطائرة الأوكرانية التي سقطت ومات جميع ركابها، في لحظة انطلاقها من مطار طهران.
الرحمة لأرواحهم جميعاً.

كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عربي حر:

    تحية للقدس العربي
    اصدق تحليل لما بعد اغتيال سليماني
    انقطع الغبار وبانت حقيقة العنجهية والحروب الإعلامية،لكن الجمهور التي اشترى قصة الجمهورية الإسلامية التي ستحرر الأقصى سيبقى اسير الفكرة لكي لا يستيقظ يوما ليكتشف أنه استغفلوه وباعوه الوهم .

    1. يقول سوري مش حر:

      التحليل للكاتب بكر صدقي إذن الشكر لبكر صدقي٠

  2. يقول .Dinars. #TUN.:

    جن جنون الفرس لما ثار ضدهم شعب العراق الأبي فكان ردهم؛ الفرس؛ضد من ثاروا نحرا ودون شفقة ولا رحمة فجاء الرد من أمريكا ضمن معادلة ظالم بظالم إلى أن تتزحزح عتمة الظلم تلك ليواصل بعدها شعب العراق ثورته التي من أهم نتائجها سوف يكون سقوط الفيل الإيراني ومن يحمل على ظهره من عمائم.

  3. يقول تيسير خرما:

    روح الإسلام سماحة ووسطية واعتدال وحفظ نفس وعرض ومال وأسرة ومجتمع وعدالة ومكارم أخلاق بأول نظام حكم مدني بالعالم أنشأه محمد (ص) بالمدينة، بالتالي فشل قيادة إيران يكمن بابتكار نسخة هجينة متوحشة تخلط ثقافات أصلية همجية بالدين وخضوعها لحرسها الثوري فمنع تحولها لدولة طبيعية واعتمد حرق مراحل وحافة هاوية واستفزاز العالم بالتوسع بالإقليم وترهيب شعوبه وتهديد أمن الطاقة والملاحة والتجارة الدولية فقرر العالم تحجيمه واستعادة دول الإقليم لمواطنيها ودفع إيران لاستعادة دولتها من حرسها الثوري وتبني روح الإسلام.

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية لالاستاذ بكر صدفي وللجميع
    لا بد ان نعترف ان العقلية الايرانية والتركية هب ليست العقلية العربية المرتبطة بقيم القبيلة فلا نتوقع ان يكون الايرانيين والاتراك كما صدام حسين الذي لا يهمة تدمير بلد بالكامل من اجل ان تبقى صورته كما هي لدى الشعوب العربية فاردوغان تنازل كثيرا لبوتين الى حد الاهانة بعد حادثة اسقاط الطائرة الروسية ولكن الشعب التركي لا يرى الامور مثلنا وكذلك الايرانيين يتصرفون بطريقة تناسب عقلية شعبهم زمع ذلك لا يمكن ان يكون الامر فهي صفعة لامريكا سواء كانت هناك خسائر بشرية او لا لان صورة امريكا اهتزت وقد يفكر قادة الخليج باللجوء الى روسيا او الصين مستقبلا لحمايتهم من ايران واذرعها

  5. يقول Ali:

    نعم لقد وصلت إيران إلى نهاية الطريق و نتمنى جيدا ان يستغل الشعب العربي العراقي الأصيل هذه الفرصة كي يسترجع ما حرمه منه النظام الملالي الغاشم. لقد بانت اليوم إيران على أنها فقط عبارة عن قصر من رمال تلعب به الأطفال.

إشترك في قائمتنا البريدية