هل يئس العرب من الكنيست؟

حجم الخط
7

تشير استبيانات للرأي، أجرتها أكثر من جهة، أن مشاركة العرب الفلسطينيين في إسرائيل في انتخابات الكنيست المقبلة في الأول من نوفمبر 2022 ستكون منخفضة أكثر من جولات سابقة، علما أنها منخفضة عموما عن النسبة العامة للمصوِّتين. ترتفع أو تنخفض نسبة مشاركة العرب بسبب عوامل عِدَّة:
*أوَّلا العامل الأيديولوجي، وتعتمده نسبة لا بأس بها من أصحاب حق الاقتراع، مثل الحركة الإسلامية الشمالية المحظورة، وهو الجناح الذي يرأسه الشيخ رائد صلاح، التي تقاطع انتخابات الكنيست، وكذلك جزء من حركة أبناء البلد وغيرها من تنظيمات صغيرة، كذلك أفراد من خارج التنظيمات يشكّلون نسبة كبيرة، لا يرون فائدة ترجى من الكنيست.
*ثانيا، اللامبالاة لدى نسبة لا بأس بها، وتفضيلهم أن يكون يوم الانتخابات يوم نقاهة، مقتنعين بأن زيادة عضو عربي أو نقصانه في الكنيست لن تُغيِّر شيئا.
*ثالثاً، الوضع السياسي العام الذي يسبق الانتخابات، فالمشاركة تنخفض بعد نشاطات عسكرية وعدوانية يسقط فيه شهداء.

نسبة كبيرة من الجمهور العربي، باتت غير مقتنعة بجدوى وجود ممثلين للعرب في الكنيست كمعارضة فقط، ويرون فيه تبييضاً للممارسات العنصرية الإسرائيلية

*رابعاً وربما هذا الأهم، هو طريقة توجّه الأحزاب العربية وخوضها للانتخابات، هل تكون موحَّدة أم أن كلا منها على حدة؟ هل تهاجم بعضها بعضاً إلى درجة التخوين؟
عندما خاضت الأحزاب العربية الانتخابات في قائمة مشتركة لأول مرة عام 2015، شارك العرب بنسبة أعلى من المألوف منذ عام 2000 بحوالي 60% وحصلت القائمة على 13 نائباً، ولكن تراجعت المشاركة في إبريل عام 2019 إلى 49% بسبب انقسام المشتركة، وارتفعت قليلا في الجولة الثانية أواخر العام نفسه، ولكن المشاركة الأعلى كانت عام 2020 على خلفية توحيد الأحزاب العربية في قائمة واحدة من جديد، فحصلت على 15 مقعدا وبمشاركة وصلت إلى 65% من أصحاب حق الاقتراع. هذه النتيجة أشعرت العرب بقوِّتهم، ومنحتهم أملاً بالقدرة على تغيير واقعهم، فقد ظهروا كقوة برلمانية ثالثة في الكنيست، واهتمت وسائل الإعلام على نطاق أوروبي وأمريكي بهم. ثم جاءت توصية المشتركة أمام رئيس الدولة على الجنرال بيني غانتس لرئاسة الحكومة، إلاّ أن الجنرال أدار ظهره لهم، وفضَّل ائتلافاً مع نتنياهو، وكانت هذه صفعة للمشتركة ومن ثم للجمهور العربي، الذي تجمّع أصلا ضداً من نتنياهو، وظنّ أن بقدرة ممثليه التأثير في السياسة الإسرائيلية، وهذا انعكس على الجولة التالية في مارس عام 2021 من الانتخابات، عندما انقسمت المشتركة إلى قائمتين، أسفرت عن تراجع كبير في نسبة التصويت لدى العرب، إذ بلغت 45% فقط، وحصول القائمتين مجتمعتين على عشرة مقاعد بتراجع خمسة مقاعد، حيث بقيت المشتركة مع ستة مقاعد والموحدة أربعة مقاعد، كان هذا عقابا من الجمهور للقوائم العربية على انقسامها، وعلى توصيتها على غانتس. بعدها أيّدت الموحّدة ائتلافاً حكوميا برئاسة نفتالي بينيت ويئير لبيد، ولكنّها لم تحقّق الأهداف التي أعلنتها كهدف مقابل دعمها للحكومة، وهذا زاد من نسبة المحبَطين ممَن توهَّموا بأن التركيز على الحقوق المدنية وغضِّ الطرف ولو تكيتيكيا عن حلقة الصراع الأساسية، سوف يفتح الطريق للحصول على حقوق مدنية يومية من أوسع الأبواب!
في الوقت ذاته، فإن نسبة كبيرة من الجمهور العربي، باتت غير مقتنعة بجدوى وجود ممثلين للعرب في الكنيست كمعارضة فقط، ويرى فيه البعض تبييضاً للممارسات العنصرية الإسرائيلية، من دون فائدة حقيقية.
الحقيقة أن السُّلطة طوال عقود، دأبت على إظهار عجز الأحزاب العربية عن تحقيق إنجازات للناخب العربي، وأصرّت على أن تجعلها صرخة في واد، وذلك من منطلقات أيديولوجية عميقة، فلو حقَّق النواب العرب حقوقاً مدنية أكثر وأثّروا في القرار السياسي، لشعر العرب بقوَّتهم، وازدادت شهيتهم إلى العمل الوحدوي، وارتفعت نسبة التصويت أكثر وأكثر، وهذا سيبلور هويتهم أكثر كأقلية قومية داخل الكنيست وخارجها، وهذا ما تحاربه السلطات بكل قوة. في الوقت ذاته، فإن السلطة عاجزة عن إعادة العرب كما كانوا قبل أكثر من نصف قرن، يصوَّت أكثرهم لأحزاب السُّلطة، خصوصاً بعد انزياح الخريطة السياسية إلى اليمين، حتى من كان يبدو يسارياً في زمن ما مثل حزب العمل، وكان يخوِّف العرب من صعود اليمين الفاشي، فقد اقتنع العرب بأن البديل السِّياسي للحالة السائدة غير موجود، وخصوصاً لعدم وجود رؤى وخطوط خلاف واضحة بين حزب وآخر في رؤيته لحل الصراع الكبير وفي رؤيته لمكانة العرب الفلسطينيين في إسرائيل.
يضاف إلى هذا زيادة العنف وتواطؤ السلطة مع انتشار السِّلاح بين العرب، وفقدان الأمن الشخصي، الذي يؤدي إلى لامبالاة واستهتار بكل شيء، هل يئس العرب من الكنيست؟ أمام الأحزاب العربية مهمة شاقّة، وهذا يتطلب نقاشاً هادئاً وبمسؤولية وطنية وجماعية عالية، وترفُّع عن الأنانيات الحزبية، لاستخلاص النتائج والعِبَر، في الطرق الكفيلة لاستعادة ثقة الجمهور في هذه الأحزاب.
*كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” ولكن المشاركة الأعلى كانت عام 2020 على خلفية توحيد الأحزاب العربية في قائمة واحدة من جديد، فحصلت على 15 مقعدا وبمشاركة وصلت إلى 65% من أصحاب حق الاقتراع. ” إهـ
    ولماذا لا تكون النسبة 100 % ؟
    ما الذي سيخسره العرب بفلسطين من التصويت ؟
    ماذا عن ما نسمعه منذ سنوات عن القنبلة الديموغرافية الفلسطينيية ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول كمال - نيويورك:

    اليهود المحتلين لفلسطين لن يصدقوا ابدا انكم مواطنين اسرائيليين و في صفهم ضد بني جلدتكم لأن هذا أمر غير طبيعي

  3. يقول سامح //الأردن:

    *كما يقال( أهل مكة أدرى بشعابها).
    و(أهل فلسطين أدرى بمصالحهم)
    وكل التوفيق والنجاح لهم.

  4. يقول رسيله:

    مقاله رائعه كاتبنا وسأبدأ من الفقره الاخيره التي انهيت بها المقال ، ما الطرق الكفيله لاستعادة ثقة الجمهور بهذه الاحزاب فانا كعربي فلسطيني صمد في بلاده المحتلّة عام 1948 من قبل السلطة الصهيونية التي قامت على أنقاض أكثر من 400 قرية ومدينة، وهجّرت أكثر من مليون مواطن، وذبحت عشرات الآلاف.كيف بامكاني إضفاء أيّة شرعية سياسية على المؤسسة التي قامت بهذه الجرائم، إيمانًا مني بأنّ عوامل الزمان لا تغيّر المبادئ ولا تلغي الحقوق، وأنّ المواقف – من ثمّ – لا ينبغي أن تتغيّر ما دام الحال كما كان عام 1948، بل لا تزال الجرائم والانتهاكات في الأرض والإنسان مستمرّة حتى هذه اللحظة، وهو ما يدفعني “كمقاطع اخلاقي” إلى اتخاذ موقف اعتزال أي ممارسة سياسية من شأنها أن تعبّر – ضمنيّا – عن قبولي لشرعية المشروع الصهيوني الذي قام بكل هذه الجرائم بحقّ أبناء شعبنا. وهو موقف طبيعي لدى الشعوب الحرّة أيّا كان موقعها على خارطة العالم، وإنْ بقيتْ في أرضها تمارس حياتها الضرورية وصمودها الواجب.( يتبع)

  5. يقول رسيله:

    ( تكمله ثانيه ) ومن هنا يرى المقاطعون جدوى النضال خارج إطار الكنيست، باعتبار أنّ الذي منع انتهاك المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه أو على جزء منه حتى الآن لم يكن تصويتا من أعضاء كنيست عرب، بل كان كفاحًا شعبيّا سلميّا رابَطَ في المكان، وحافظَ على حقّه فيه، وكذلك الأمر ما يجري من التصدّي لمخطّطات مصادرة الأراضي في النقب الصامد، وغيرها من حقوق العرب المستهدفة بالمصادرة والانتهاك والتدنيس.
    طردت أهله وقتلت عشرات الآلاف منهم وهدمت قراهم ومدنهم وأقامت على أنقاضها دولة لشعب آخر لا تزال تضطهده وتسلبه حقوقه. ومن المضحك المبكي أنّ خطاب القائمة يستخدم عبارة “الأقلية الفلسطينية” أو “الفلسطينيين” باعتبارهم شعبًا له مميّزات خاصّة، رغم أنّ هوية “الشعب الفلسطيني”، كشعب متميّز عن غيره، قد تشكّلت – بقدر كبير – على أساس اشتراك أفراده بقضية النكبة، وما حدث فيها من تهجير وقتل وهدم واحتلال، فمن الغريب أن يستخدم هذا المصطلح من يتخلّى عن الخطاب الذي ساهم بشكل رئيسي في تشكيله!( يتبع)

  6. يقول رسيله:

    ( تكمله ثالثه ) وفي الواقع، لا يختلف خطاب “القائمة المشتركة” عن خطاب أي حزب يساري صهيوني يدعو للمساواة، بل يرى رئيس “القائمة المشتركة”، أيمن عودة، “أنّ الفلسطينيين داخل إسرائيل، البالغة نسبتهم 20%، لن يحصلوا على حقوقهم وحدهم دون تعاون مع القوى اليهودية، التي ترى أن عدم المساواة يعني عدم ديمقراطية الدولة، ويطرح موضوع تعزيز الشراكة بين العرب واليهود الديمقراطيين، ويرفض دعاوى التقوقع والانغلاق القومي”.
    وعلى ضوء هذا الخطاب يتساءل المقاطعون: كيف يمكن منح هؤلاء شرعيّة تمثيلنا والنضال باسمنا وهم يمارسون خطابا غريبًا عنّا؟
    وليست قضية الخطاب قضية تمثيل وقتي فحسب، بل هي إعادة صياغة للخطاب الفلسطيني بين عرب 48 بمعايير جديدة، يخشى إزاءها الكثير من المقاطعين أن تصبح نكبة جديدة تضاف إلى نكبات هذا الشعب، ولكنها هذه المرة على المستوى الفكري والأخلاقي، وتكون كفيلة بتذويب ما تبقّى له من ذاكرة تاريخية يربّي عليها الأجيال، ( يتبع)

  7. يقول رسيله:

    ( تكمله اخيره) فيتحوّل إلى أوضاع تشبه أوضاع الهنود الحمر في أمريكا، بعد أن يسهل دمجه في إطار “الثقافة المهيمنة” التي تفرضها السلطة الصهيونية، بل وتستخدم في ذلك العناصر العربية التي قرّرت ممارسة السياسة وفق قواعد اللعبة التي ترسمها المؤسسة، لتتحوّل – بين عشيّة وضحاها – إلى أدوات تكرّس الثقافة المهيمنة وتغزو بها عقول الأجيال المتعاقبة، وكلّ ذلك “في سبيل القضيّة”!
    مقاله قيمه كاتبنا دمت بخير وصحه وعافيه.

إشترك في قائمتنا البريدية