مؤخرا فرضت السعودية على الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي بضغوط واضحة عليهما، ما بات يعرف باسم اتفاق الرياض الثاني أو ملحق اتفاق الرياض، والذي يتضمن تخلي المجلس الانتقالي عن الإدارة الذاتية.
ولا يعتقد أن المجلس الانتقالي سيكون وفيا لالتزاماته، حيث يخضع لقرارات أبو ظبي التي تسعى لفصل الجنوب عن الشمال عبر بعض أدواتها ومن بينها المجلس.
لكن هناك من يرى أن ملحق اتفاق الرياض حقق مكسبا نوعيا للحكومة الشرعية التي لم يكن المجلس يعترف بشرعيتها قبل المرحلة الثانية من الاتفاق.
ويشوب الغموض موقف المملكة العربية السعودية مما يجري في جنوب اليمن.
في حين تبدو السعودية داعمة للحكومة الشرعية التي تدير اليمن من الرياض كمقر مؤقت لها بعد أن منعها المجلس الانتقالي من إدارة الحكم من مدينة عدن التي تتخذها كعاصمة مؤقتة منذ سنوات، إلا أنها (السعودية) في ذات الوقت لا تتخذ إجراءات حازمة تجاه المجلس الانتقالي الذي يعمل بالضد من توجهاتها المفترضة بالحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، كجزء من أمنها القومي وكبلدٍ عرف عنه أنه يمثل أحد أهم مناطق النفوذ التقليدي للسعودية.
لم تتحرك السعودية منذ أيلول/سبتمبر 2014 عندما سيطرت جماعة الحوثي على عاصمة اليمن الرسمية لردع هذه الجماعة أو إسناد الحكومة الشرعية إلا بعد أن حاولت جماعة الحوثي اقتحام مدينة عدن في شتاء 2015 وما قد يشكله من تهديدات مباشرة على أمنها ومصالحها وخشيتها من سيطرة تلك الجماعة على كامل الأراضي اليمنية واستباحتها من قِبل النفوذ الإيراني.
وتنفق السعودية أموالا طائلة على حربها في اليمن ودعمها للقوات النظامية التابعة للحكومة الشرعية التي يقودها عبد ربه منصور هادي، وكذلك تشارك بالعمليات البرية والجوية من دون أن تحقق هي أو الحكومة الشرعية أيا من أهداف التحالف العربي الذي تقوده بمشاركة حليفها دولة الإمارات، والمتمثلة في الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته وعودة الحكومة الشرعية وهزيمة جماعة الحوثي أو الدخول في عملية تسوية سياسية تفضي إلى إنهاء الدور العسكري لهذه الجماعة.
لكنها حتى الآن لم تحقق أي هدف من أهدافها المعلنة، بل على العكس من ذلك، أدى التدخل السعودي إلى نتائج كارثية على صعيد الأزمة الإنسانية في اليمن.
نجم عن تدخل التحالف العربي في اليمن عدد من الأزمات الإنسانية التي شكلت عاملا مضافا إلى عوامل تعقيد مسار التسوية الأممية.
تشير تقارير لمنظمات دولية مهتمة بحقوق الإنسان وتعقب آثار النزاعات المحلية إلى ما يقرب من نصف مليون إصابة بوباء الكوليرا، مع استمرار الحصار المفروض على اليمن وصعوبة وصول المنظمات الدولية إلى مواطن الوباء لاتخاذ التدابير لمنع تفشيه بشكل أوسع والحد من عدد الوفيات.
كما ان نحوا من 20 مليون يمني هم بحاجة إلى نوع من المساعدة الإنسانية وفقا لتقرير منظمة اليونسيف.
أما منظمة هيومن رايتس ووتش، فقد وثقت في تقارير لها استخدام قوات التحالف العربي للقنابل العنقودية المحرمة دوليا والقنابل الصغيرة الخادعة التي تشكل شراكا مميتة للأطفال بشكل خاص، كما أن منظمة العفو الدولية أشارت إلى إخلال أطراف النزاع بالالتزام بالقانون الدولي الخاص بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.
دولة داخل دولة
عملت الإمارات على تشكيل دولة داخل الدولة اليمنية من خلال دعم كل من محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي ومدير الأمن شلال شائع والوزير المقال هاني بن بريك، الذين شكلوا قوة خاصة بهم بعيدا عن سلطات الحكومة الشرعية والرئاسة اليمنية، ضمن توجهات دولة الإمارات في محاربة التجمع اليمني للإصلاح، بلغت ذروتها في أعقاب التفجير الذي راح ضحيته أكثر من 60 من المجندين في عدن في آب/أغسطس 2016.
حاولت قوى مدعومة من دولة الإمارات وخلافا للسياسات السعودية، تأسيس إقليم منفصل تحت مسمى “إقليم عدن” على غرار إقليم حضرموت الذي أعلن عنه في نيسان/أبريل 2017 محافظ حضرموت آنذاك أحمد عيد بن بريك، بالاستناد إلى مخرجات الحوار الوطني لعام 2014 التي شرعت لتشكيل ستة أقاليم.
ويضم إقليم حضرموت جغرافيا حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى وهي في معظمها مناطق نفوذ إماراتية، الأمر الذي أثار مخاوف السعودية، التي ترفض تقسيم اليمن أو تحول جنوبه تدريجيا إلى نظام يشبه نظام “المشيخة” الذي كان سائدا قبل نحو 140 عاما، عندما كان اليمن موزعا على 14 مشيخة وسلطنة.
الأزمة الحالية في جزر أرخبيل سقطرى ومحافظة المهرة ليست بعيدة عن مجمل ما يجري في البر اليمني من صراع مسلح، اتخذ طابع الحرب الأهلية متعددة الأطراف، بعضها محلي والآخر إقليمي، تصدر مشهده التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومحورها، في مقابل حركة أنصار الله (الحوثي) وإيران ومحورها، والذي بات يهدد أمن السعودية بشكل مباشر من خلال الاستهداف المتكرر بالصواريخ بعيدة المدى، التي تتحدث مصادر رسمية في التحالف العربي لدعم شرعية الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور عن وقوف إيران وراء حصول الحركة على تلك الصواريخ وتطويرها وتوجيهها.
من المؤكد أن هناك تباينا واضحا في أهداف كل من السعودية والإمارات من مشاركتهما في الحرب اليمنية؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى منع التهديدات التي تشكلها جماعة الحوثي على مناطقها الحدودية والحفاظ على وحدة اليمن، فإن دولة الإمارات ومن خلال الدعم الذي تقدمه لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، تسعى لتمكين المجلس من إقامة دولة في جنوب اليمن.
ويكشف الموقف السعودي من الضربات الجوية التي نفذتها طائرات إماراتية على وحدات تابعة للحكومة الشرعية قبل عدة أشهر- وعدم تبني أي موقف رسمي منها حتى بعد إعلان الإمارات عن الضربات – واقع التحالف العربي لدعم الشرعية والذي يوشك أن يصل إلى مرحلة التفكك على الرغم من بيانات سعودية تؤكد على عمق العلاقات السعودية مع الإمارات وعدم السماح بالإساءة إليها.
سيواصل المجلس الانتقالي المناورة على جانبي السياسة بدخوله في اتفاقيات مع الحكومة الشرعية برعاية الرياض، لتحقيق مكاسب سياسية والمشاركة في الحكومة وتلقي الدعم عن طريقها، في ذات الوقت الذي يعمل فيه المجلس على تعزيز قوة الأمر الواقع وفرضه على الجنوب بعد سيطرته على محافظة سقطرى واقترابه من السيطرة الكاملة على محافظة المهرة، في ظل واقع سيطرته غير المباشرة على المؤسسات الأمنية والاقتصادية في العاصمة المؤقتة.