هل يجوز للدول والمنظمات والوكالات الأممية قانونياً إيصال المساعدات إلى سوريا؟

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي»: بعد إجهاض روسيا قرار تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية، بهدف حرمان أكثر من 4 ملايين مدني سوري في إدلب الكبرى شمال غربي سوريا من المساعدات الإنسانية، يؤكد حقوقيون وناشطون في الملف السوري، لـ “القدس العربي” أنه يمكن للمنظمات غير الحكومية مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود، بكافة الطرق الممكنة ووفقاً للقانون الدولي العام، وبموجب القواعد ذات الصلة، كما يجوز للدول ووكالات الأمم المتحدة تقديم المساعدة غير المباشرة لها لتقوم بهذا العمل.
وعقد مجلس الأمن الدولي بتاريخ 11 حزيران/يونيو الجاري جلسة جديدة لإقرار دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود من خلال المعابر الحدودية، انتهت باستخدام حق النقض ” الفيتو” مرتين متتاليتين من قبل الأعضاء الدائمين في المجلس.
وللبحث عن وجود مبرر قانوني لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، بالنسبة لوكالات الأمم المتحدة والدول في ظل غياب تفويض من مجلس الأمن، يقول المحامي عبد الناصر حوشان لـ “القدس العربي” إنه استناداً لأحكام المواد «70/1» و«89» من المُلحق الإضافي الأوّل سنة 1977، والمادة «3» المشتركة من اتفاقيّات جنيف الأربع لعام 1949، وقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصّة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلّحة، في إمكان الأشخاص على اختلافهم المشاركة في عمليات الإغاثة، سواء كانوا ممثلين عن الدول الحامية، أو جمعيات الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر ومنظمات الدفاع المدني، أو دول محايدة أو دول ليست طرفاً في النزاع، ومنظمات إنسانية أو الأمم المتحدة. أو السكان أنفسهم المشاركة في عمليات الإغاثة.

خطة طوارئ

وأضاف: كما يمكن “استناداً إلى قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم “131/43” تاريخ 7 كانون الأول 1988 والقرار رقم “100/45″ تاريخ 14 كانون الأول 1990 المتعلقين بتقديم المساعدة الإنسانية باعتبار أن سكان المنطقة المحررة هم من ضحايا الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ المماثلة، واستناداً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 770 لسنة 1992″.
وأضاف حوشان: يجب علينا ألا ننسى أن الولايات المتحدة وأوروبا هما أكبر المانحين لبرنامج المساعدات في سوريا، وقد علمنا من بعض الأصدقاء أن الولايات المتحدة وشركاءها قد أعدوا خطة طوارئ منذ 3 سنوات، لتمرير المساعدات في حال إلغاء آلية تمريرها عبر الحدود، ولكن للأسف لم يتم نشر تفاصيل هذه الخطة”.
ورجح المتحدث أن تلجأ الولايات المتحدة إلى الخطة البديلة، والتي ستكون مستندة إلى سوابق دولية مثل تقديم المساعدات للبوسنة والهرسك. وكان قد خلُص “التحالف الإغاثي الأمريكي من أجل سوريا” وهو – تحالف غير سياسي للمنظمات الإنسانية التي يقودها المغتربون السوريون – مستنداً إلى تحليل قانوني لمجموعة من الأحكام القانونية التي تسري على سوريا، وبعض أكثر الأسس القانونية قبولاً لاستمرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود التي تنسقها الأمم المتحدة في سوريا في غياب التفويض من مجلس الأمن الدولي ويطبّقها على النزاع السوري (والنزاع السوري فقط) إلى أنه “يجوز للدول، وللمنظمات غير الحكومية، ولوكالات الأمم المتحدة قانونياً ولوجستياً إيصال المساعدات إلى سوريا. كما أن مسألة استمرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا لا تتعلق بما إذا كان هناك أساس قانوني سليم، وهو موجود، بل فيما إذا كان أولئك الذين في مواقع السلطة على استعداد لاستخدام هذا الأساس لمواصلة توفير شريان حياة لأكثر من 4.1 مليون شخص يعتمدون على المساعدات في منطقة إدلب”.
وأكدت الوثيقة أن وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود، مشروعة للدول ووكالات الأمم المتحدة بموجب القانون الدولي العام بشكل عام، حيث أكدت محكمة العدل الدولية (الجهاز القانوني الرئيسي للأمم المتحدة) أن المساعدات الإنسانية غير المتحيزة حقيقةً عبر الحدود لا يمكن أبداً أن تنتهك مبادئ السيادة وسلامة الأراضي.
كما أن المساعدات الإنسانية عبر الحدود، مشروعة للدول ووكالات الأمم المتحدة بموجب أحكام المعاهدات التي تحكم النزاع السوري، والتي، بالإضافة إلى تمثيل القانون الدولي العرفي، صادقت سوريا بصفة سلطتها السيادية عليها، والتي تسمح بإمكانية تقديم مساعدات إنسانية محايدة لجميع أطراف النزاع، بما فيها الأطراف خارج الحكومة السورية. مؤكدة أن القانون الدولي، لا يمنع بحد ذاته المنظمات غير الحكومية من الانخراط في عمليات إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
المحامي والسياسي السوري رديف مصطفى قال من جانبه لـ “القدس العربي”: أساساً ووفق القانون الدولي، فإن إدخال المساعدات الإنسانية لا يحتاج الى إذن من مجلس الأمن ولا ينبغي تسييسها وجعلها مصدراً للابتزاز كما يفعل الروس وشريكه النظام السوري.
وأضاف المتحدث: الفيتو الروسي مدان بكل المقاييس خصوصاً وأن هناك ملايين الناس في شمال غرب سوريا مهددون بالمجاعة في حال تعثر إدخال المساعدات والتي تعتبر حق طبيعي للبشر وعلى المجتمع الدولي البحث عن آليات بديلة لإدخال هذه المساعدة متجاوزاً مجلس الأمن والفيتو الروسي من كافة المعابر الإنسانية. ورجح المحامي مصطفى بأن يكون لدى الأمم المتحدة العديد من الخيارات البديلة لتجاوز هذا الموضوع وإدخال المساعدات بهدف تفادي كارثة إنسانية على وشك الحدوث سيتحمل المجتمع الدولي تبعاتها.
الكاتب والمحلل السياسي باسل معراوي اعتبر في تصريح لـ “القدس العربي” أنه منذ 6 أشهر كان تمديد القرار الأممي وعدم حصول اتصالات بين موسكو وواشنطن، يبدو أنه الأخير، وقد استعدت واشنطن وحلفاؤها الغربيون لذلك بالتهديد بابتكار آليات جديدة لإدخال المساعدات فيما لو أجهضت موسكو القرار.
وكانت المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن غرينفيلد قد زارت المنطقة واطلعت على استعداد المنظمات الإغاثية وحاجاتها فيما لو استخدم الروس الفيتو، الذي كان متوقعاً بعد انقضاء التمديد الأخير.
وأضاف معراوي: كان متوقعًا تدشين الانهيار الكبير بالعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا على كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، ويمكن اعتبار استعمال روسيا لحق الفيتو في مجلس الأمن لإجهاض تمديد آلية ادخال المساعدات لشمال غرب سوريا، بأنه القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد كان انهيار التفاهمات الروسية – الامريكية في سوريا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا واضحاً وجلياً حيث حتى بالكاد بقي أحد الخطوط الساخنة العسكرية يعمل ويشكو الجانبان من مضايقة كل واحد للآخر بعدم التقيد بقواعد عدم الاشتباك السابقة.
وقال: عموماً لا يشكل البرنامج الأممي أكثر من 40% من حجم المساعدات التي تدخل للشمال السوري …وتعهد المانحون في مؤتمر بروكسيل الأخير بإيصال ما مجموعه مليار و600 مليون دولار هذا العام وهناك عدة مقترحات لإيصال تلك المساعدات لمستحقيها، إما كوبونات مالية تصرف من المستفيد، أو سلل إغاثية يتم إيصالها عبر منظمات تثق بها الدولة المانحة، كما استبقت بريطانية الجميع وسست صندوق إنصاف لمساعدة النازحين في شمال غرب سوريا.
ووفقاً للمتحدث فإن آلية وصول المساعدات بالطريقة السابقة كانت تجبر المانحين للخضوع “لابتزاز روسيا، وللامتثال أحيانًا لبعض شروطها كتقليل عدد المعابر واقتصارها على معبر باب الهوى، والضغط الدائم للتوصيل عبر خطوط القتال وذلك بتسليم الكميات للنظام السوري، والضغط على الأمم المتحدة لتفعيل آلية الانعاش المبكر بمناطق نظام الأسد، وقد راقب الجميع كيف تسرق ميليشيات الاسد المساعدات الأممية وعملية بيعها في الأسواق، ما يحول دون وصولها المجاني منها لمستحقيها”.

مؤشر سياسي

سياسياً، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، إن ما حصل هو مؤشر على الانهيار لكل أشكال التفاهم الروسي – الأمريكي، وقال “المنطقة مفتوحة على كل احتمالات هذا الانهيار، حيث كانت التفاهمات السابقة تؤمن نوعاً من الهدوء النسبي وتحديد قواعد الاشتباك”.
في غضون ذلك، أصدرت منظمة “منسقو استجابة سوريا” الأربعاء، بياناً صحافياً حول جلسة مجلس الأمن الدولي، قالت فيه أنها طالبت عدة مرات تحويل أي مشروع قرار يخص العمليات الإنسانية في سوريا إلى الجمعية العامة للبت فيه بعيداً عن التلاعب الروسي في الملف الإنساني السوري، علماً أن القانون الدولي واضح وصريح ولا ينبغي أن يكون هناك حاجة لأي تصريح من مجلس الأمن الدولي لإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين لها.
وأكدت أنها طالبت بتفعيل الفقرة الثالثة من المادة 27 ضمن الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على: ” تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت”، الأمر الذي يمنع روسيا من الاعتراض على أي مشروع قرار خاص بسوريا.
وأدانت ما وصفته بـ “التصرفات غير المسؤولة من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، والاستهتار الواضح بمصير ملايين المدنيين في سوريا”.
وقال البيان: كان من المتوقع أن يستخدم الجانب الروسي حق النقض ” الفيتو” قبل بدء الجلسات العلنية، ومع ذلك أصرت باقي الدول على تقديم مقترح مشروع محكوم عليه بالفشل سابقاً.
واعتبر أن “الولايات المتحدة والدول الأوربية، تصرفت بناء على مصالح شخصية بحتة، دون الالتفات إلى الحاجة الإنسانية المتزايدة للسكان في المنطقة وخاصة في ظل المصاعب الكبيرة والانتكاسات التي تمر بها المنطقة”.
وقالت المنظمة: تحدث أعضاء مجلس الأمن الدولي، عن الدخول في مناقشات جديدة لاعتماد قرار يرضي جميع الأطراف مع العلم أن جميع الأعضاء متفق على القرار الروسي مع بعض التعديلات عليه، وسيرضخ مجلس الأمن الدولي إلى المطالب الروسية من جديد وفق قرار معدل كما حصل في القرارات الأربعة السابقة.
واعتبرت المنظمة أن مجلس الأمن الدولي، والمجتمع الدولي أصبح أحد أكبر الأعباء على كاهل السوريين، وخاصةً في ظل العجز المستمر والخوف من روسيا لتمرير أي قرار، علماً أن الحلول متاحة أمام الجميع بعيداً عن التصرفات غير المبررة لأعضاء مجلس الأمن الدائمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية