هل يستطيع جيريمي كوربن نقل العمال من مقاعد الظل إلى الأضواء؟

منذ سقوط حكومة جوردن براون عام 2010 يجلس حزب العمال البريطاني في مقاعد الظل، بينما يحتل المحافظون مكانهم تحت الشمس. انتخابات ديسمبر 2019 تقدم للعمال فرصة ذهبية للعودة إلى الأضواء وتشكيل الحكومة. زعيم حزب العمال الحالي جيريمي كوربن، يؤكد إنها فرصة قد لا تتكرر في أجيال. كوربن يطمح لأن يكون هو القائد الذي يزيح النظام الفاسد، الذي يخدم الأقلية الواسعة الثراء، ويتسبب في زيادة حدة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي.
كثيرون من داخل حزب العمال ومن مؤيديه، يعتقدون أن كوربن مؤهل للقيام بالمهمة، وأن حملته السياسية في انتخابات 2017 تقدم دليلا على كفاءته المشهودة، إذ تمكن من زيادة عدد مقاعد الحزب في مجلس العموم إلى 244 مقعدا مقابل 229 مقعدا قبل الانتخابات، رغم أن شعبية الحزب، في استطلاعات الرأي العام قبل بداية المعركة الانتخابية، كانت وراء المحافظين بنحو 20 نقطة. ومع ذلك، فإن الناخبين، بعد الأداء الباهت لكوربن في برلمان 2017، طبقا لقياسات الرأي العام، يرون في زعيم حزب العمال شخصا ضعيفا مترددا، لا يتمتع بصفات القيادة اللازمة للتصدي للمشاكل والتحديات، التي تواجهها بريطانيا حاليا.
استطلاعات الرأي العام في الأسبوع الأخير من أكتوبر، تظهر أن كوربن يتمتع بثقة 15% من الناخبين، بينما شعبية بوريس جونسون زعيم حزب المحافظين ترتفع إلى 46%. كذلك أشارت الاستطلاعات إلى أن شعبية حزب العمال تقل عن شعبية المحافظين بنسبة تصل إلى 16% في الأسبوع الأول من نوفمبر. لكن نتائج الاستطلاعات تتغير بين يوم وآخر، كما حدث مع المحافظين بقيادة تيريزا ماي عام 2017 عندما خسرت 32 مقعدا في مجلس العموم، رغم تقدمها في الاستطلاعات السابقة للتصويت. من الصعب الاحتكام إلى قياسات الرأي العام، لكن ذلك لا يعني تجاهل مؤشراتها بالمرة. عند المقارنة بين شعبية كل من كوربن وجونسون، فإن الأول يمثل عبئا على حزبه، بينما الثاني يمثل قوة محركة لزيادة شعبية المحافظين في الشارع. ومن ثم فإن تقييم قدرة العمال على الفوز، يجب أن يأخذ في الاعتبار مجموعة من العوامل الرئيسية في مقدمتها، أولا، الخطاب السياسي للحزب، ومدى تطابق أولوياته مع أولويات الناخبين. وثانيا، مدى مصداقية القيادة والثقة في سياسات الحزب. وثالثا، مدى قابلية سياسات الحزب للتنفيذ في الدورة السياسية المقبلة (5 سنوات). ورابعا، مدى تماسك وقوة التنظيم الداخلي للحزب. وخامسا، قوة مرشحي الحزب في دوائرهم الانتخابية. وسادسا، تأثير الأحزاب الأخرى، خصوصا بريكست، الذي قد يخصم من أصوات المحافظين لصالح العمال، والأحرار الديمقراطيين، الذي قد يخصم من أصوات العمال. وقد يتسبب ارتفاع التصويت لكل من الأحرار وبريكست (16% و9% في استطلاعات الرأي العام في 2 نوفمبر على التوالي) في فشل أي من الحزبين الكبيرين في تحقيق الأغلبية، وهو ما يعني زيادة وزن كل منهما في الائتلافات الحكومية التالية للانتخابات. وسوف نقتصر هنا على تناول الخطاب السياسي لحزب العمال، الذي يرفع رايته جيريمي كوربن، في محاولة لبيان مدى توافق هذا الخطاب مع أولويات الناخبين، ومدى قدرته على حشد أغلبيتهم للتصويت لصالح العمال.

برنامج حزب العمال يهدف إلى «تغيير النظام» لا تنفيذ عدد من الإصلاحات التجميلية في هيكل السياسات العامة

يردد جيريمي كوربن شعارات تتعلق بحقوق العمال، وحماية البيئة، والرعاية الصحية، ومعاداة سياسات الخصخصة، وتفضيل العودة إلى التأميمات، وتدخل الدولة في ملكية المنشآت الاقتصادية الخدمية مثل، الكهرباء والمياه والسكك الحديد، إلى جانب تعميق دور الدولة في التعليم والرعاية الصحية. وسيتم تمويل الوعود الإنتخابية بزيادة إيرادات الضرائب عن طريق فرض ضرائب جديدة، منها ضريبة على الثروة، وكذلك عن طريق زيادة معدلات الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة من الأفراد والمؤسسات، وإلغاء المزايا الضريبية التي تتمتع بها الشركات الضخمة. برنامج حزب العمال يهدف إلى «تغيير النظام» وليس تنفيذ عدد من الإصلاحات التجميلية في هيكل السياسات العامة. عندما افتتح جيريمي كوربن الحملة الإنتخابية لحزبه في نهاية أكتوبر، رفع شعار «معا نستطيع أن نسقط النظام الفاسد وأن نبني بلدا عادلا». لقد وضع مدفعيته الثقيلة في المقدمة، وبدأ في إطلاق قذائفه منذ اليوم الأول. على العكس من ذلك، فإن بوريس جونسون بدا هادئا في افتتاح حملته، بزيارات لمدارس ومستشفيات ومراكز تدريب للشرطة، قدّم فيها نفسه لجمهور الناخبين بوصفه القائد السياسي، الذي يمكنهم أن يمنحوه ثقتهم بلا تردد. جونسون، بذلك المنحى، يدخر مدفعيته الثقيلة للأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية. ويهدف الخطاب السياسي لحزب العمال إلى توجيه أربع رسائل رئيسية للناخبين، الأولى هي حق الناخبين في اتخاذ القرار النهائي، بالنسبة للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي. الثانية هي أن قطاع الرعاية الصحية «ليس للبيع» ويجب تعزيزه وتأكيد ملكية الدولة له. الثالثة هي إقامة العدالة الاجتماعية، والرابعة هي تحويل الاقتصاد من الاعتماد على الوقود التقليدي إلى الوقود الأخضر الصديق للبيئة بحلول عام 2030.
في ما يتعلق بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، يقول كوربن، إنه يرفض اتفاق جونسون، ويعتزم التفاوض من جديد مع الاتحاد الأوروبي، للتوصل إلى اتفاق يتضمن اتحادا جمركيا،، ويؤكد حقوق العمال، ويفتح أرضية مشتركة للتعاون في مجالات حماية البيئة. على أن يتم عرض هذا الاتفاق في استفتاء عام يختار الناخبون بينه وبين البقاء في الاتحاد الأوروبي. هذا يعني عمليا استمرار حالة القلق وعدم اليقين، والانقسام بين تياري الانفصال والبقاء. كتلة كبيرة من الناخبين، تتجاوز 40% تعتقد أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي سيكون هو الأساس في تصويتهم.
وفي ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية والخدمية، يريد العمال هزّ النظام القائم من أساسه، بالعودة إلى ملكية الدولة للمرافق العامة، ومشاركة العاملين في ملكية المؤسسات الخاصة في الشركات، التي يبلغ فيها عدد العمال 250 عاملا، أو أكثر بنسبة 10% على الأقل، ومجانية الرعاية الصحية تماما، بإلغاء الرسوم على صرف الأدوية، وإلغاء عقود الشركات الخاصة التي تدير حوالي 7% من خدمات الرعاية الصحية، ومجانية التعليم الجامعي، والتضييق على التعليم الخاص، وزيادة الضرائب على شريحة الـ5% الأعلى دخلا، وصولا إلى إقامة مجتمع عادل يرعى جميع مواطنيه بلا استثناء، بمقدار وبنوعية متساوية. هذه السياسة سوف تلقى آذانا صاغية لدى أصحاب الفئات الأقل من الدخل. ومن المرجح أن يرتفع التصويت للعمال في المناطق الفقيرة، التي لم تصوت للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، ذلك أن موقف الحزب من أوروبا، قد يعوق التصويت له في مناطق فقيرة، في وسط وشمال شرق انكلترا، صوتت للانفصال. معركة حزب العمال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية تمثل النقطة المضيئة القوية في برنامجه الانتخابي، لكن هذه المعركة قد تكلف الحزب أيضا نسبة كبيرة من أصوات الطبقة الوسطى، التي لا تميل للسياسات الاشتراكية حاليا، باعتبارها وصفات قديمة لمشاكل جديدة، وأن ما كان يصلح لمجتمع ذوي الياقات الزرقاء، لا يصلح بالضرروة لذوي الياقات البيضاء.
ومن القضايا التي تفرض نفسها، مطالبة إسكتلندا بالاستقلال. ورغم أن الموقف الرسمي لحزب العمال ما يزال غامضا بشأنها، فإن نيكولا ستيرجن زعيمة الحزب القومي الإسكتلندي، لا تستبعد إقامة تحالف سياسي مع العمال، إذا تعهد جيريمي كوربن، بأن يوافق، في حال فوزه بالأغلبية أو بالأكثرية، على منح اسكتلندا حق إجراء استفتاء جديد للانفصال عن المملكة المتحدة. كوربن لم يرد فورا باستبعاد ذلك، وهو ما يضعه على المحك في ما يتعلق بوحدة المملكة.
وقد يستفيد حزب العمال من حيث لا يحتسب، في حال اشتداد حدة الصراع بين نايجل فاراج زعيم حزب بريكست وبوريس جونسون. فاراج توعد جونسون بتقديم مرشحين في كل الدوائر لمنافسة المحافظين، على أرضية الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق. وقال إن الحل الوحيد لتجنب ذلك، هو أن يتعهد جونسون بإسقاط اتفاقه، وقطع صلة بريطانيا تماما بكل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. فاراج يتمتع بدعم دونالد ترامب، الذي يدعو جونسون للتحالف معه. وقد رفض جونسون عرض فاراج ودعوة ترامب، وحذر الناخبين من أن التصويت لحزب بريكست، يعني فوز جيريمي كوربن بالأغلبية. وهذا احتمال وارد بقوة.
انتخابات ديسمبر 2019، حسب تقييم كل الخبراء تقريبا، ستكون واحدة من أصعب الانتخابات في تاريخ بريطانيا، نظرا لأنها تجري في تحد صارخ مع الطبيعة في برد الشتاء ونهاره القصير، حيث يصعب على كبار السن التوجه إلى صناديق التصويت، وفي تحد مع الميول الاجتماعية، حيث ينصب اهتمام المواطنين في ديسمبر على الإعداد للاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، وفي تحد مع الظروف السياسية التي تظهر انقساما حادا بين الناخبين، في ما يتعلق بالموقف من القضايا التي ستقرر نتيجة الانتخابات.
كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول .Dinars. #TUN.:

    ما أصيبت به مصر من ترد على جميع الأصعدة في جزء منه كان للإتحاد الأوروبي دور لدعم الإنقلابي بلحة لذا وجب العمل على تفكيك هذا الإتحاد الغاشم ولو بكلمه كما يجب تشجيع كل محاولات انفصال الدول عن الإتحاد الأوروبي.

إشترك في قائمتنا البريدية