لا يمكن أن نضرب الصفح عما يلوح في الأفق من بداية صراع جديد بين الحركات الإسلامية من ناحية، والأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، بسبب تدخل القوات المسلحة في عزل أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديثة. نعلم أن الحشود التي خرجت للتخلص من الرئيس مرسي ونظامه (نستثني الفلول والبلطجية وزبانية مبارك وكارهي الإسلام) كانت من الكثرة بمكان، ولكن هل قدر السيسي ومن زين له الانقلاب العسكري الذي تم، حجم المؤيدين على الجانب الآخر، وهم من الكثرة بمكان أيضا؟ العداء ـ الذي نتمنى ألا يتجدد – بين الإسلاميين والأنظمة الحاكمة قديم، والاتهامات بين الجانبين كثيرة كذلك، فالحركات الإسلامية تتهم الأنظمة بمحاربة الإسلام من منطلق العداء له، والائتمار بتعليمات القوى الأمريكية والأوروبية. والأنظمة الحاكمة تتهم الحركات الإسلامية بشتى التهم، ما ظهر منها وما بطن، كالإرهارب واستغلال الدين والطائفية، وتهديد الأمن القومي، والجهل وضيق الأفق والتعصب. كنا لا نتمنى ما حدث بعد الانقلاب الناعم الذي قامت به القوات المسلحة من اعتقالات وغلق للقنوات الإسلامية والصحف المؤيدة للتيار الإسلامي، وكذلك الهجمة الشرسة المنادية بإقصاء تلك التيارات والنيل منها بالحق والباطل. في رأيي أن ما حدث كان بحاجة إلى كثير من المراجعة، وتقصي البدائل المتاحة بدلا من الانحياز لجانب دون آخر. بعد يومين من الانقلاب اتصلت بي إحدى قريباتي التي استماتت وكل عائلتها لإسقاط الرئيس مرسي، وقالت إنها تريد تليفون شيخ الأزهر أحمد الطيب، لتسأله عن سر سكوته على امتلاء القنوات الفضائية بعد سقوط الإخوان بالفنانين والفنانات والراقصين والراقصات، والمخرجين الذين لا يخفى عداؤهم للإسلام، والداعين للانحلال والعربدة. الحل الأمني والعسكري في مواجهة الإسلاميين لن يجدي، وضرره سيكون أكبر بكثير من نفعه، والأولى محاورتهم والاستماع إليهم والأخذ منهم، لأنهم في المقام الأول أصحاب قضية وموقف ورسالة، تعرضوا في سبيلها لأقصى أنواع الاضطهاد والعذاب. الهوية الإسلامية لمصر ليست في حاجة إلى تأكيد، لذلك لابد لأي نظام حكم أن يلتزم بتطبيق قيم الإسلام ومبادئه وحدوده وشريعته، التي قال عنها البابا شنودة في جريدة ‘الأهرام’ اذار/مارس 1985 (الشريعة الإسلامية أكبر ضمانة لنا، نحن نتوق لشريعة لهم ما لنا وعليهم ما علينا). نعلم أنه لا توجد وصفة سحرية توقف المواجهات بين الإسلاميين والأنظمة الحاكمة، ولكن الأمر من الخطورة بمكان، لذلك فالتعامل مع الموقف لابد أن يتسم بأقصى درجات الحذر والأمانة وتوخي مصلحة الأمة. الإعلام المصري الآن وقوى عديدة كارهة للإسلام تصور الإخوان المسلمين على أنهم خونة، ولابد من إعادتهم إلى السجون والتخلص منهم، وهذا افتراء عظيم عليهم. نعلم أن الإخوان تعجلوا في دخول غمار السياسة قبل أن يثبتوا أقدامهم في الشارع المصري، ولكننا نختلف مع من يصورهم كأنهم مجرمون. لا نعرف سر هذا العداء الكبير للإخوان، ألأنهم خيبوا آمال المصريين وفشلوا فشلا ذريعا خلال عام كامل، وهم الذين حملوا تركة تنوء بحملها الجبال؟ نظام مبارك الذي جثم علينا ثلاثين سنة كاملة، وأسامنا سوء العذاب، لدرجة أنه ما من بيت مصري الآن إلا وبه حالة من حالات الأمراض الخبيثة، بفعل تلوث الماء والطعام والهواء، لم يقابل بمثل هذه الكراهية المقيتة، والأمر بحاجة إلى علماء علم النفس والاجتماع والاجتماع السياسي. إذا كان الإمام محمد عبده قد قال قديما’ إن الإسلام محجوب عن الدنيا بالمسلمين’، فإنه آن للمسلمين أن يبينوا عن إسلامهم الحقيقي الذي لا يزال يخفى عن العالمين. كاتب وصحافي مصري
إنها حرب على الاسلام، باختصار