عاموس هرئيل
منذ أشهر طويلة وإسرائيل تلعب في الشمال نوعاً من لعبة “الروليتا” الروسية. آلاف من الصواريخ ومئات المسيرات أطلقها حزب الله على مستوطنات الجليل والجولان، ولم ينجح وحتى الآن في التسبب بحادثة تتسبب بعدد من الضحايا. بلغت الإحصائيات الذروة بعد ظهر أمس في ملعب كرة قدم في البلدة الدرزية مجدل شمس، على منحدرات جبل الشيخ. 12 طفلاً وفتى قتلوا بصاروخ “فلق” ثقيل الوزن أطلقه حزب الله، و29 آخرين أصيبوا، إصابات بعضهم بالغة.
إطلاق حزب الله كان من ناحيته رداً على هجوم إسرائيلي في كفار كلا، الذي قتل فيه قبل فترة قصيرة أربعة من “قوة الرضوان”، قوة كوماندوز في حزب الله. عقد جهاز الأمن مساء أمس جلسة تشاور مستعجلة، وهددت مصادر مجهولة برد شديد على الحادثة في مجدل شمس.
رئيس الحكومة، نتنياهو، شارك في النقاشات عن بعد. تصميمه الزائد والأناني على تمديد زيارته في الولايات المتحدة حتى نهاية الأسبوع أبقاه في واشنطن، في حين أن إسرائيل وحزب الله أكثر قرباً من أي وقت مضى منذ 7 تشرين الأول من الحرب الشاملة. يصعب قول إن هذا كان أمراً غير متوقع.
بعد ساعات من التأجيل والتردد، أعلن مكتب رئيس الوزراء بأنه “أصدر تعليمات لتبكير عودته إلى إسرائيل في أسرع وقت”. وتأخر إظهار الأسف العلني على موت أطفال الجولان، لبضع ساعات، كالعادة، للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. فليس من شأن نتنياهو فضح الإخفاقات. حرصت إسرائيل طوال حربها مع حماس على إدارة المواجهة مع حزب الله كساحة ثانوية. في بداية الحرب، دفع وزير الدفاع غالنت وبعض كبار قادة الجيش نحو توجيه ضربة مسبقة لحزب الله، لكن نتنياهو تحفظ من ذلك، أيضاً على خلفية الضغط الأمريكي الكبير.
منذ ذلك الحين، والطرفان يتبادلان اللكمات في الشمال، لكنهما تجنبا حتى الآن التدهور إلى حرب شاملة. الوسيلة الأشد التي مارستها إسرائيل هي سلسلة الاغتيالات لقادة كبار في حزب الله.
زاد حزب الله بالتدريج من حدة ردوده على هذه العمليات، ومؤخراً أطلق صليات، 100 – 200 صاروخ، وأحياناً كانت موجهة لعمق 40 كم عن الحدود، رداً على كل عمليات الاغتيال. هكذا تصرف أمس أيضاً عندما أطلق عشرات الصواريخ نحو الجليل وجبل الشيخ وشمال هضبة الجولان، وإن لم يعلن عن قائد كبير كان بين القتلى بعد الهجوم الإسرائيلي.
في ظل غياب استراتيجية إسرائيلية ملموسة، تم تسويق الاغتيالات كرد مناسب على عدوانية حزب الله. عملياً، من غير الواضح درجة تأثيرها. من المؤكد أنها لم تكبح حزب الله. الآن، من المرجح أن يقرر نتنياهو وغالنت وجهاز الأمن رداً أكثر قسوة. بعض المشاركين يعتقدون أنه بالإمكان دفع حزب الله إلى الزاوية بواسطة عدد من “أيام القتال” الأكثر كثافة، دون الانجرار إلى حرب شاملة. هذه مقامرة يصعب تقدير نتائجها.
من الواضح حتى الآن أن عدم التوصل إلى صفقة التبادل ووقف لإطلاق النار مع حماس في الجنوب، المطروح على الطاولة منذ فترة طويلة في الجنوب، يعقد الوضع أكثر في الشمال.
فضلت إسرائيل عدم شن حرب شاملة في جبهتين في الوقت نفسه. وقد تقف الآن أمام التصعيد في الشمال بدون توفير الاستقرار في الجنوب. وعد نتنياهو بالنصر المطلق الذي أطلقه في الولايات المتحدة، وحتى القبعة التي تم عرضها بمناسبة الزيارة، تبدو الآن فارغة أكثر من أي وقت مضى. وربما تدخل أمريكا الحازم وحده القادر على وقف التدهور.
ابتعاد الصفقة
الشخصيات الأمريكية الرفيعة الثلاث التي التقى معها رئيس الحكومة قبل عودته من الولايات المتحدة: بايدن ونائبته هاريس والمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، عرضوا مواقف متشابهة حول إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس. وحسب تصريحاتهم في الفترة الأخيرة، فإنهم يعتقدون أنه يجب إنهاء الحرب قريباً وتحقيق وقف كامل لإطلاق النار، إضافة إلى إعادة جميع المخطوفين المحتجزين لدى حماس.
حتى الآن، احتمالية حدوث انعطافة في المفاوضات ضعيفة، بالعكس، جميع القيادة العليا الأمنية في إسرائيل تتشارك القلق بأن خطوات رئيس الحكومة الأخيرة استهدفت ضمان عدم حدوث تقدم في المفاوضات في الفترة القريبة القادمة. يبدو أن نتنياهو يمهد الأرضية لفشل آخر في المفاوضات، والتصعيد في الجبهة الشمالية الآن قد يفاقم وضع المفاوضات.
أرسلت إسرائيل اليوم ردها إلى الدول الوسطاء على وثيقة حماس الأخيرة حول المفاوضات. وفي الغد، تم التخطيط لإجراء لقاء بين الوفد الإسرائيلي برئاسة رئيس الموساد دافيد برنياع، مع ممثلي الولايات المتحدة ومصر وقطر، هذه المرة في روما (ربما تؤثر التطورات في الشمال على الجدول الزمني).
لكن نتنياهو عني في الأسابيع الأخيرة بإضافة المزيد من القيود على مواقف إسرائيل بخصوص قضايا مثل استمرار السيطرة على ممر “نتساريم” ومحور فيلادلفيا في القطاع. تصميمه في حزيران إلى جانب الضغط العسكري المتزايد الذي استخدمه الجيش في القطاع، ساعد على إحداث مرونة ما في موقف حماس في المفاوضات. وهو الآن يراهن على أن عنتاً آخر سيؤدي إلى تحسين آخر في شروط الصفقة لصالح إسرائيل.
المشكلة أن جميع المشاركين في المفاوضات تحت قيادته يعتقدون أنها مقامرة خطيرة. وفرصة التوصل إلى صفقة ستتلاشى، والحرب ستستمر، وفي هذه الأثناء سيموت المزيد من المخطوفين في الأسر كما حدث لكثيرين منهم في الأشهر الأخيرة، في ظل الظروف الصعبة التي يتم احتجازهم فيها في القطاع. بعض الأمور التي يطلبها نتنياهو الآن تنازل عنها في السابق في المفاوضات في كانون الثاني الماضي، وفي حينه كان يعرف كل فاصلة في المسودات المتبادلة بين الطرفين.
الكثير مرهون بموقف بايدن، الذي وعد في محادثات مليئة بالمشاعر مع أبناء عائلات المخطوفين، بالعمل على التوصل إلى اتفاق قريباً. هذا لم يمنع نتنياهو في نهاية اللقاء البارد مع هاريس أن يقدم إحاطات ضد المرشحة الديمقراطية الجديدة للرئاسة، وأن يبادر إلى هجوم من قبل الأبواق التي تتهمها بإظهار تعاطف مع حماس وإفشال الصفقة، ليس أقل من ذلك. وقد انضم إلى هذا الانقضاض ترامب في نهاية اللقاء بينه وبين الزوجين نتنياهو في فلوريدا أول أمس. يمكن الافتراض أن الهجوم استهدف التذليل له، لكن حتى هذا الأمر يعتبر مخاطرة بمواجهة مباشرة مع المرشحة التي تعدّ احتمالية قدرتها على منافسة ترامب أفضل من بايدن.
سياسياً، نتنياهو قريب جداً من شاطئ أمان مؤقت، العطلة الصيفية للكنيست التي ستضمن استقرار حكومته في الأشهر الثلاثة القادمة. يبدو أن العطلة تضع أمامه احتمالية لمسار عمل جديد، والمضي بالمرحلة الإنسانية في الصفقة التي تشمل إطلاق سراح النساء وكبار السن والمرضى والجرحى من بين المخطوفين. وربما حتى يمكن التوصل إلى تفاهمات مع شركائه في اليمين المتطرف: حزب “قوة يهودية” وحزب “الصهيونية الدينية”، حول انسحابهما بشكل مؤقت من الائتلاف والعودة بعد 42 يوماً إذا فشلت المفاوضات عقب عدم الاتفاق (المتوقع) مع حماس حول تنفيذ الجزء المتبقي من الصفقة.
في هذه الأثناء، لا يظهر نتنياهو أي إشارات على أنه متسرع في التوصل إلى اتفاق حول المخطوفين. من الواضح أن القرار بيده، وأن الاعتبار الرئيسي يتعلق باحتمالية بقائه السياسي. الكابنت الأمني، الذي عبر كثير من أعضائه عن دعم الصفقة، تم إبعاده عن عملية اتخاذ القرارات. هناك شخص واحد يوجه مسار الأمور، وهو الذي سيتخذ القرارات المهمة مثل قرار شن الحرب.
الثقة النسبية التي يشعر بها الائتلاف رغم التوتر بين نتنياهو وبن غفير يمكن ملاحظتها في العودة إلى أجندة ما قبل 7 تشرين الأول. في هذه المرة، وبدون ضجة كبيرة، عاد الوزراء وأعضاء الكنيست لقوانين الانقلاب النظامي والانشغال بتشريع مصالح، وبالطبع تجاهل كل احتياجات الجمهور. وأظهرت الاستطلاعات في نهاية الأسبوع حدوث تحسن ما في وضع نتنياهو الانتخابي، بعد تسعة أشهر ونصف على المذبحة في فترة ولايته (الحقيقة التي حرص على التملص من ذكرها في خطابه في الكونغرس). حتى لو انهارت حكومته بشكل ما، فإنه غير بعيد عن تحقيق طموحاته مثل خلق عدم شرعية للشراكة السياسية مع “راعم” بشكل يمنع خصومه من تشكيل الائتلاف القادم بدون الليكود، وضمان المزيد من التعادل الذي يسبب الشلل في الانتخابات القادمة عندما ستجرى في النهاية.
المقابلات مع “أخبار 12” حصلت على اهتمام في نهاية الأسبوع. عيدنا موشيه من كيبوتس “نير عوز”، التي تم اختطافها ثم أطلق سراحها في صفقة تشرين الثاني، تحدثت عن العنف والشتائم التي يتعرض لها المخطوفون الذين تم يطلق سراحهم من مؤيدي نتنياهو عندما يتجرأون على المطالبة بإطلاق سراح باقي المخطوفين. وقد رفضت إظهار تأثرها من بلاغة رئيس الحكومة في خطابه الذي ألقاه في الكونغرس، وتساءلت كيف سيقرب الخطاب الصفقة وإنهاء الحرب. رونين ناوترا، مواطن إسرائيلي – أمريكي، الذي اختُطف ابنه الجندي عومر في 7 تشرين الأول أثناء المعركة في الغلاف، شارك في اللقاء بين نتنياهو وأبناء عائلات المخطوفين في واشنطن وأيضاً في اللقاء المشترك مع بايدن، وقد اشتكى مثل آخرين من المعاملة التي تتسم بالاغتراب من جانب نتنياهو، ومن عدم الرغبة في الدفع بالصفقة قدماً.
هذه الأمور قد تجعل الإسرائيليين يسارعون للخروج إلى الشوارع من أجل التظاهر والمطالبة بالتوصل إلى اتفاق في أقرب وقت. لم يبق سوى رؤية ما الذي سيفعله رؤساء جهاز الأمن، باستثناء الإحاطات المجهولة المتواترة في وسائل الإعلام لعرض الحقيقة على الجمهور حول المفاوضات، ومحاولة دفع نتنياهو إلى الزاوية، وربما الدفع قدماً في نهاية المطاف بالتوقيع على الصفقة. من الآن فصاعداً، باتت الأمور مرهونة بالتطورات في الشمال، وقد أصبحت أكثر تعقيداً. من المؤسف قول ذلك، لكن ربما ضاعت الفرصة.
هآرتس 28/7/2024