شهد هذا الأسبوع دينامية غير عادية بين الجانبين الجزائري والإسباني، وذلك على خلفية تغير الموقف الإسباني من قضية الصحراء، وانعطافه تجاه إسناد المقترح المغربي للحكم الذاتي.
الجزائر التي بدت غاضبة من هذا التحول، تدرج موقفها بشكل ملحوظ، وذلك من الاعتقاد بوجود تآمر إسباني عليها (خيانة)، إلى الجنوح للغة القانون الدولي، والحديث عن تنصل من التزامات دولية إسبانيا في الصحراء بصفتها دولة لا تزال تتحمل مسؤوليتها في الصحراء بوصفها دولة متصرفة، إلى التمييز بين الدولة والحكومة، والحديث عن وجود صداقة بين الجزائر وبين الشعب الإسباني، وأيضا مع الدولة الإسبانية وليس مع الحكومة الحالية.
الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون في لقائه مع الصحافة، عبر عن هذا التحول في الموقف، ولم يكشف على وجه التحديد ماذا يقصد بالتمييز بين الحكومة والدولة الإسبانية، وإن كان ألمح لوجود اختلاف في الداخل الإسباني، لم يرد أن يفصل فيه، خوفا من أن يحسب كلامه على التدخل في الشأن الداخلي الإسباني، لكن في المجمل، حمل تصريحه بأن الجزائر لن توقف إمداداتها من الغاز نحو إسبانيا، قرار الجزائر الاستراتيجي، الذي وإن انتقد الحكومة الحالية، فإنه يؤمل في الدولة الإسبانية، أو بلغة أوضح، يؤمل في الحكومات القادمة، لتصحح الموقف، وتستمر في رعاية التزامات إسبانيا تجاه قضية الصحراء، وتدرك حجم الأهمية التي تمثلها الجزائر (الشريك الاستراتيجي) بالنسبة إلى مدريد.
هذا التحول، الذي ينسب إلى قدر من العقلانية في التعاطي مع تحولات الوضع الدولي والإقليمي، لاسيما ما يرتبط بتحولات العلاقات الإسبانية المغربية، لم يدم طويلا، إذ برز موقف جديد للجزائر، تم الإعلان عنه من وزير الطاقة والمناجم الجزائري السيد محمد عرقاب، بأن الجزائر، ستقدم على توقيف إمداداتها من الغاز نحو إسبانيا في حالة ما إذا أقدمت على بيع الغاز الجزائري إلى المغرب، وسمحت بالتدفق المعكوس له عبر خط الأنابيب المغاربي.
توجد إسبانيا في موقف صعب، فبقدر الطمأنة التي حصلت عليها من الجزائر، تم تخوف من بعض الأوساط، من أن تستغل الجزائر الإمداد المعكوس للغاز نحو المغرب كذريعة لاستعمال ورقة الغاز ضدها
والواقع، أن هذا الموقف لم يغير كثيرا من الموقف الذي عبر عنه الرئيس الجزائري في حديثه لوسائل الإعلام الجزائرية، وإن كان السياق الذي اندرج فيه، هو الذي أعطاه هذا الزخم الإعلامي، فقد جاء التصريح عقب رسالة إلكترونية، بعثت بها وزيرة الطاقة الإسبانية تيريزا ريبيرا، تخبر الجزائر بعزمها استعمال خط الأنابيب بشكل معكوس، لتزويد المغرب بحاجياته من الغاز.
رسالة وزير الطاقة الجزائري كانت تحذيرية أكثر منها تصعيدية، فالجانب الإسباني سبق له أن أعلم الجانب الجزائري، بأن العلاقات التجارية مع المغرب، تسير في اتجاه مساعدة المغرب على معالجة الغاز المسال الذي اقتناه من السوق الدولية، وأن المغرب، سيقوم بتفريغ الشحنات في مصنع إسباني، لتتم المعالجة فيه، وتتكلف إسبانيا بمقتضى عقد تجاري مع المغرب، بتحويله في مصنع إسباني إلى غاز طبيعي، وإمداده إياه عبر الخط المغاربي ، ولذلك لم تكن هذه الرسالة من الجانب الجزائري، أكثر من تحذير خشية أن يقع التحايل من قبل مدريد، ويتم تيسير الإمداد المعكوس للغاز الجزائري إلى المغرب.
ما يوضح أن التصريح هو مجرد رسالة تحريرية فقط، ولا يندرج ضمن أي خطوة تصعيدية من جانب الجزائر، أن الرد الإسباني، لم يتأخر طويلا، إذ جاء مباشرة بعد رد الفعل الجزائري، يوضح بالتفصيل، طبيعة العلاقة التجارية مع المغرب، وأن الأمر يتعلق بعملية شفافة، يمكن لأي دولة أن تطلع على بياناتها، بحكم أن المغرب أعلن دخوله إلى السوق الدولية للمحروقات، وأن الغاز الجزائري ليس معنيا مطلقا بهذه العملية، وأن ما ستقوم به إسبانيا، على غرار ما تقوم به دول أخرى تمتلك تقنيات تحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي، هو معالجة الشحنات المقتناة من السوق الدولي من قبل المغرب، والتي سيفرغها في المصنع الإسباني من أجل نقلها إليه عبر الأنبوب المغاربي.
ينبغي الانتباه، في هذا السياق إلى الدينامية النشطة التي اشتغلت بها الدبلوماسية الإسبانية في التفاعل مع ردود الفعل الجزائرية، سواء تعلق الأمر بالرد على تصريحات الرئيس الجزائري، الذي استنكر ما اعتقد أنه تنصل إسبانيا من التزاماتها اتجاه الصحراء، فجاء الرد الإسباني، بأن موقف مدريد سيادي، ويندرج ضمن قرارات الشرعية الدولية المؤطرة للنزاع حول الصحراء، أو تعلق الأمر بتفعيل آلية الإخبار المسبق (رسالة وزيرة الطاقة الإسبانية)، أو تعلق الأمر بسياسة التوضيح التفصيلي، لطبيعة العقد التجاري الذي يربطها بالمغرب بخصوص الغاز (تصريحات وزير الخارجية الإسباني)، وأن الغاز الجزائري ليس معنيا بهذا الموضوع، وأن مدريد لا يمكن لها أن تحول الغاز الذي تورده لها الجزائر إلى طرف ثالث.
تفاعل هذه التصريحات وردود الفعل المسجلة بصددها يشير إلى وجود توتر بين الجانبين، كل واحد من الطرفين ينظر إليه بنحو مختلف، فالجزائر تحاول أن تطوقه وتمنعه من الوصول لنقطة التصعيد، اعتقادا منها أن الموقف الذي اتخذته حكومة بيدرو سانشيز من قضية الصحراء هو موقف مؤقت، وأن الدولة الإسبانية، سرعان ما ستستفيق من غفوتها، وتدرك أنها قدمت مكاسب مهمة للرباط، وخضعت لضغوطها، وفرطت في شريك قوي، لم يشأ أن يستعمل الغاز كورقة ابتزاز سياسي في سياق دولي ملتهب. أما مدريد، فتحاول أن تفصل المسارين، مسار علاقتها التجارية بالجزائر، ومسار موقفها من قضية الصحراء، وأنها في المسار الأولى ملتزمة بمقتضيات العقود المبرمة، وبشكل خاص تعهداتها اتجاه الجزائر بعدم توريد الغاز إلى أي طرف ثالث، بينما تتمسك في المسار الثاني، باحتفاظها بقرارها السيادي، الذي لا يخرج عن إطار الشرعية الدولية في التعاطي مع النزاع حول الصحراء.
ثمة اعتبارات أخرى، ربما أملت على مدريد هذه السياسة، بعضها أمني، يرتبط بتقديرها للحاجة إلى الشراكة مع المغرب، لحماية منظومتها الأمنية، وربما بعضها استراتيجي، يدخل فيه طبيعة التفاهمات الاستراتيجية غير المعلنة، التي حصلت بين الرباط ومدريد، حول العمق الإفريقي، وأيضا حول الثروات الطاقية الواعدة، التي تم الإعلان عنها مؤخرا في المغرب من قبل شركات التنقيب، سواء ما يرتبط بالغاز أو النفط.
ما يعزز هذه الفرضية هو التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الإسباني، بخصوص الإعلان عن وجود احتياطات مهمة في المحيط الأطلسي في الجانب الجانب المقابل لجزر الكناري، والتي طمأن فيها إسبانيا، بأن الاحتياطات المذكورة، على الرغم من عدم ترسيم حدود بحرية بين البلدين، إلا أن إحداثيتها تؤكد أنها تقع في الحدود المغربية، وأن التنقيب عن النفط في هذه المنطقة لا يثير أية حساسية إسبانية.
عمليا، توجد إسبانيا في موقف صعب، فبقدر الطمأنة التي حصلت عليها من الجزائر، من أعلى سلطة في البلاد(الرئيس عبد المجيد تبون)، تم تخوف من بعض الأوساط، من أن تستغل الجزائر الإمداد المعكوس للغاز نحو المغرب كذريعة لاستعمال ورقة الغاز ضدها، إذ تقرأ هذه الأوساط استباق الرئيس الجزائري للتصريح، بكونها إعلان نوايا مبدئيا صريحا، يبرئ ساحة الجزائر، وأن اضطرارها لقطع الغاز المحتمل، سيتم تعليله بعدم التزام إسبانيا بالعقود التجارية المبرمة معها لرمي الكرة في ملعبها.
التقدير أن هذا التخوف الذي تغذيه بعض الأوساط الإسبانية، يصعب مسايرته، لأن الأمر لا يتعلق فقط بعلاقة ثنائية (مدريد والجزائر) أو ثلاثية، بين عواصم ثلاث، مدريد والجزائر والرباط، وإنما الأمر يتعلق بسياق دولي جد ملتهب، يعتبر فيه قطع الغاز عن إسبانيا، بمثابة قرار استراتيجي جزائري للدخول في حرب ضد الغرب، الذي يدبر حاليا أزمة النقص الطاقي في أوروبا، ويتعامل بجدية مع التهديدات الروسية بقطع الإمدادات من الغاز عن بعض دولها (بولندا وبلغاريا)، ويشتغل على إيجاد بدائل للغاز الروسي، بالتعويل على زيادة الإمدادات الكلاسيكية (مثل إمداد الجزائر لأوروبا) وعلى خيارات أخرى، لنقل الغاز المسال إليها.
٭ كاتب وباحث مغربي
على قدر شجاعة المسؤولين الجزائريين في حسم معركة الغاز مع إسبانيا المخادعة المنافقة يكون القرار أو الفرار يا شطار
الصحراء مغربية مغربية مغربية مغربية
المغرب ?? العظيم بتاريخه، بأبناءه برجاله، لا يهدد، لايرد، لا ينزلق بل ينفد…ينفد مشروعه التنموي…ببرودة اعصاب، بتأن، بتريث و بدراسة استراتيجية و جيوسياسية قل نظيرها في حكومات العسكر العربية…
قولكم :”قل نظيرها في بلاد العسكر العربية”!! لا..
بل لا وجود لها.. لا في سابق السنين، ولا في مقبلها..
مع التحايا..
تتعرض شعوبنا العربية العسكرية خصوصًا لغسيل أدمغة شرسة.
حبذا لو تدافع الشقيقة الجزائر على مصالحها اولا، و تنفذ اجندتها التنموية رابعا، و عاشرًا تدافع عن مصالح مسلمي البورما، الويغور، البوسنة، الشيشان….
اسبانيا ?? شريك استراتيجي وازلي للصهيونية إسرائيل ?? لماذا لا تقطعون عنها الغاز يا ألغاز ؟
المغرب ?? فالح في ترويض الكبار مثل المانيا امريكا و اسبانيا…
. وهذه حقيقة، المغرب لا يرد لا يهدد و لا يتكلم بل ينفد بصمت. وبخطوات مدروسة للغاية.
من دون غاز من دون بترول منتصب القامة نمشي مرفوع الهامة نمشي…
مجرد تساؤل.
ماذا يعرف العالم عن الجزائر!!! ؟؟؟
صراحة وثبات مواقفها، إلتزامها بتعهداتها، غيرتها على سيادتها، دفاعها على القضايا العادلة.
جاء في المقال ما نصه:
” بأن الجزائر، ستقدم على توقيف إمداداتها من الغاز نحو إسبانيا في حالة ما إذا أقدمت على بيع الغاز الجزائري إلى المغرب” انتهى الاقتباس
عندما رفضت الجزائر عدم تجديد عقد الأنبوب المار عبر المغرب في 31/10/2021، واصلت تزويد زبائنها في المغرب بالغاز إلى غاية 31/12/2021، تاريخ نهاية تعاقداتها. وتعهدت لإسبانيا قبل أن تنقلب على عقبيها من قضية الصحراء، أن الحجم المتفق عليها سيصلها عبر أنبوب ميد غاز أو بواسطة البواخر.
وبعد تغيير موقفها، طمأن تبون الإسبان يوم 23/04/2022، أن الجزائر ستفي بتعهداتها مهما حصل وذلك ليس حبا في الإسبان أو خوفا منهم بل إلتزاما بتعهدات الجزائر.
أخيرا، عقد تزويد أسبانيا بالغاز تم إبرامه قبل قطع العلاقات مع المغرب وقبل توقف الأنبوب المغاربي، ومن بين بنودها عدم بيع إسبانيا الغاز الجزائري لطرف ثالث.
مما يعني أن الطرف الثالث لم يكن مقصود به المغرب.
ما كان لاسبانيا ان تغامر بتغيير موقفها من النزاع الذي افتعله بومدين حول الصحراء سنة 1975، لو لم تحصل على ضمانات دولية تتعلق بتزويدها بالغاز في حال قطعه عنها من طرف حكام الجزائر. و لا شك ان اسبانيا ستسعى الى الاستغناء عن الغاز الجزائري كما استغنى عنه المغرب .
الجزائر كانت أول دولة في العالم تسيل الغاز الطبيعى وكانت أول شحنة لها لبريطانيا سنة 1975 وأول دولة تنشئ خط أنابيب ضخم تحت البحر لنقل الغاز كانت الجزائر مع ايطاليا سنة 1983
الخبراء الاقتصاديون يصفون الجلبة التي حاول الحكام بالبلد الجار إثارتها حول تأثير قطع تصدير غازهم للمغرب مجرد عاصفة في فنحان لأن هذه الخطوة ليس لها تأثير على التوازنات الجيوسياسية في المنطقة , حقيقة أن المغرب كان يغطي نصف حاجياته من الغاز باستيراد ما يقارب ٥٥٠ مليون متر مكعب سنويا من الجزائر, لكن البديل عنه متوفر فقد أمنت له شركة التنقيب العاملة محليا في شرق المغرب في عقد يمتد من ٢٠٢٢ إلى ٢٠٣٢ ما قدره ٣٥٠ مليون متر مكعب سنويا, البقية أي ٢٠٠ مليون متر مكعب سيقتنيها من نيجيريا أو قطر كغاز مسال يتم معالجته في إسبانيا (مؤقتا حتى يتم إنجاز محطات في الموانئ المغربية تفي بالغرض) ونقله عبر انابيب الغاز التي أصبحت ملكا للمغرب بمقتضى بنود نهاية عقد عبور الغاز الجزائري للاراضي المغربية. مضاعفات هذا التحول على الرهانات الاستراتيجية للمغرب لا وزن لها وتبقى هامشية خاصة بعد اكتشاف حقول جديدة للنفط والغاز بالشواطي الاطلسية للمغرب مطلع هذه السنة.
نقطة عابرة تثبر الانتباه في تصريح المسؤول الجزائري عن كون موقف اسبانيا من الحكم الذاتي كحل واقعي وذو مصداقية لقضية الصحراء هو موقف رئيس الحكومة السيد شانسيز وليس الدولة الإسبانية يكشف محدودية الفهم عند البعض لطبيعة الانظمة الديموقراطية في أوروبا! فرئيس البلد فيها أو رئيس الحكومة المنتخبين في انتخابات حرة ونزيهة هم ممثلي الدولة ومسيري دواليبها, ليس الحال كما في الأنظمة الاستبدادية أو الهجينة التي تكون فيها الحكومة مجرد ديكور يزين المشهد في حين السلطة الفعلية بيد دوائر نافذة تسير الدولة من الدهاليز المظلمة بجهاز التحكم عن بعد. لا بد من التمييز بين الحالتين لنستوعب ميكانيزمات اتخاذ القرار في البلدان الديموقراطية ولا يمكن أن نسقط أوضاعنا البائسة في البلدان العربية على الحكومات الأوروبية.
اعجبني كلامك .. ان شاء الله لن يكون حصان طروادة من اجل اكتساب بعض المصداقية ..او لدرأ الشبهات ..
.
كي تبدأ بعد حين ممارسة دورك على اكمل وجه .. و الدي ابنت عليه في مناسبات عديدة .. و الامر وااااضح ..
.
هناك مثل جيد في المغرب يقول “تمسكن .. حتى تتمكن .. ” ..
.
ان اكملت على هذا المشوار .. فلا مانع لذي ان تستعمل صورتي بالصحراء المغربية كذلك .. ?
.
ملحوظة: ان بدأ الهجوم مرة أخرى .. ساطلب من احبابي كلهم ان يعقبوا بلقب ابن الوليد .. ما رأيك ؟
يظهر أن هناك أزمة أسماء…وليس أزمة غاز…حتى أصبح البعض يعمد إلى استعمال إسم معلق آخر…لغاية في نفس في نفس المستعمل…ولاعلاقة لها بيعقوب عليه السلام… الأخ ابن الوليد…وهو من خيرة الوطنيين الذين يمثلون الجالية المغربية بألمانيا… مرتبط بالتعليق والمساهمة المتميزة بهذه الصحيفة المحترمة منذ سنوات طويلة….واسلوبه وطريقة تعليقه لا تخطأهما العين… حتى ولو كثر التقليد…والتقليد والانتحال نفسه دليل على نجاح الأصل…ولايصح إلا الصحيح.