بلا شك ان رجب طيب اردوغان تمتع بذكاء ملحوظ لا يمكن إنكاره، فالرجل ذو التوجهات الإسلامية جاء الى الحكم بعد فشل أكثر من تجرية حكم إسلامية سابقة حاول فيها الزعيم الاسلامي السابق نجم الدين اربكان تطبيق سياسات اسلامية مضادة للعلمانية الاتاتوركية القائمة بالبلاد، ولكن الجيش التركي والقضاء التركي كانا له بالمرصاد ففشلت تجاربة جميعها، ولكن تلميذه النجيب رجب طيب اردوغان تعلم من أستاذه اربكان الدرس وقام بعدة خطوات أتاحت له في ما بعد تطبيق رؤيته الإسلامية في الحكم واهم هذه الخطوات هي: أولا، عمل على كسب الطبقات الشعبية بتحسين ظروفهم المعيشية ورفع معدل أداء الاقتصاد التركي والقضاء على الفساد الذي كان مستشريا فأصبحوا ظهيرا وسندا له في كل إجراءاته وقراراته. ثانيا، سار بتمهل وتؤده لأسلمه النظام التركي فلم يستعجل كما يستعجل إخوان مصر وما لم يستطع تطبيقه عاجلا فانه يؤجله للوقت المناسب حتى يستطيع تطبيقه. ثالثا، قضى على تدخل الجيش والجنرالات في السياسة من خلال تحجيم مجلس الأمن القومي وعزل كبار الجنرالات وحاكم بعضهم في تهم قيل انها محاولات انقلابية سابقة على الحكومات التي كانت قائمة. رابعا، لجم المؤسسات القضائية وحجم تدخلها بل وسيطر عليها مؤخراً لدرجة أنها سمحت بارتداء المحاميات الحجاب في المحاكم. خامسا، فعل كل ذلك ليس بمباركة اغلبيه القوى الداخلية فقط، بل انه اتخذ في بداية عهده من القوى الخارجية، خصوصا الغربية سندا له أيضا في تقليم أظافر الجيش بحجة أبعاد الجيش عن السياسة. نجح رجب طيب اردوغان واستمر في الحكم منذ عام 2002 وللآن فقد سيطر هو على رئاسة الوزراء وسيطر صديقه ووزير خارجيته سابقا عبد الله غول على الرئاسه ونفذ برنامجه الخفي في أسلمة تركيا والقضاء على العلمانية التي كانت بها، ورأينا في عهده انتشارا للتطرف. نجح اردوغان في اسلمة تركيا وكانت اخر قراراته هي حظر إعلانات الخمور، وحظر بيعها ليلا، وبالطبع ان رجب طيب اردوغان ما كان سيتوقف عند ذلك، ولكنها سياسة الخطوة خطوة التي ينتهجها، فاليوم يمنع الإعلانات ويمنع بيعها ليلا وغدا سيمنع بيعها نهائيا. ادانت السيطرة لرجب طيب اردوغان وأغراه بقاؤه في الحكم كل هذه الفترة الطويلة نسبيا في تركيا على المزيد والمزيد من اسلمة كافة اوجه نواحي الحياه هناك، واخيرا قررت الحكومة هناك الاستيلاء على احدى الحدائق العامة التاريخية وتدعى حديقة غازي بميدان التقسيم الجميل والتاريخي في إسطنبول وإقامة عدة مبان عليها منها مسجد كبير. ولكن الجماهير والشباب التركي والأحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري لم يرضوا بهذا التوجه لاردوغان فخرج مئات الآلاف من الشباب ينددون بهذه الخطط في العديد من المدن التركية كاسطنبول وادرنه وأنقرة وازمير وتصدت لهم الشرطة بعنف شديد مما نتج عنه مئات الإصابات، ولكن الشباب لم يتراجع فاضطر اردوغان الى سحب الشرطة ولكن مع تصميمه على استكمال إزالة هذه الحديقة التاريخية ‘هل تتذكروا الان حديقة ميدان العباسية التي اقاموا فوقها مسجد النور والذي عارضه الراحل فرج فودة، هو نفس السيناريو ولكن الفرق بيننا وبينهم كبير’؟ من الواضح ان إغراء السلطة المطلقة التي يتمتع بها اردوغان وحتى وان كانت بناء على اختيار الصندوق في ظل ضعف وتشرذم أحزاب المعارضة جعلته يتخلى عن ذكائه ونهجه الذي عرف به، فبدلا من إلغاء خططه او تأجيلها بشأن هذه الحديقة وجدناه يركب رأسه ويعلن انه لا إلغاء ولا تأجيل لمثل هذه الخطط، وربما تكون هذه بداية ربيع تركي جديد. ربيع تركي يخلع حزب العدالة والتنمية القائم علي أساس ديني (وان كان قد نجح في إخفاء ذلك للان) ويأتي بأحزاب لا تلعب على وتر الدين. ربيع تركي قد يكون مقدمة لربيع عربي حقيقي قد يطيح الحكومات الدينية. مجدي جورج [email protected]