هل يمكن أن “يتساهل” أردوغان مع السعودية في قضية خاشقجي؟

حجم الخط
0

إسطنبول- “القدس العربي” إسماعيل جمال: كان إعلان وكالة الأناضول التركية الرسمية، مساء السبت، تفاصيل مهمة عن حادثة اختفاء جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول يوم الثلاثاء الماضي، بمثابة دخول المفاوضات بين البلدين إلى مرحلة أصعب، وربما بدء مرحلة الرد التركي على العملية السعودية التي لم تتكشف – أو تعلن- جميع خيوطها بعد.

فالتفاصيل التي سربتها الوكالة الرسمية التي لا تنشر هكذا أخبار سوى بتوجيه دقيق من أعلى الجهات السيادية في البلاد، كانت بمثابة توجيه اتهام رسمي لفريق رسمي وأمني سعودي بالقيام بمهمة اختطاف أو اغتيال خاشقجي على الأراضي التركية وهو ما يعتبر بمثابة انتهاك مباشر للسيادة التركية.

وعلى الرغم من أن أراضي القنصلية تعتبر بمثابة أرض سعودية تتمتع بالحصانة الدبلوماسية الكاملة، إلا أن تجرؤ الجهات الرسمية السعودية على إعطاء أوامر بتنفيذ هذه العملية على الأراضي التركية يعتبر بمثابة “استخفاف” بالسيادة التركية وانتهاكاً للقانون الدولي، وتجاوزاً للأعراف الدبلوماسية، إلى جانب الاستغلال السلبي للحصانة التي يتمتع بها الدبلوماسيون بموجب القانون الدولي.

لكن ما يهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جميع التجاوزات السابقة، هو مساس هذه العملية بالسيادة التركية، وهو الأمر الذي يجعل من السهل التكهن بطبيعة موقفه الذي سوف يبنى عليه الرد التركي الرسمي على السعودية.

منذ وصوله إلى الحكم عام 2003 يركز أردوغان على موضوع السيادة التركية والاستقلالية في القرار السياسي والاقتصادي، وتدريجياً شدد أردوغان خطابه القومي حتى باتت شعبيته ومكانته في الشارع التركي ترتكز على خطابه القومي الحاد الذي يغذي الشعور الوطني عند الأتراك بقوة بلادهم ومكانتها وسيادتها.

ومن هذا المنطلق، ومع تراجع فرص التوصل إلى صفقة سياسية مبكرة بين البلدين لطي ملف خاشقجي إن كان ما زال على قيد الحياة عبر إعادته لتركيا، يتوقع أن يلجأ أردوغان إلى التصعيد ضد السعودية، وهو ما يعني فعلياً دخول العلاقة بين البلدين في أزمة حقيقية غير مسبوقة.

يتوقع أن يلجأ أردوغان إلى التصعيد ضد السعودية، وهو ما يعني فعلياً دخول العلاقة بين البلدين في أزمة حقيقية غير مسبوقة

وعلى مدى السنوات الماضية، أبدى أردوغان حرصاً تجاه الحفاظ على مستوى “معقول” من العلاقات مع الرياض، ورغم التباعد الكبير في مواقف البلدين من الكثير من الملفات البارزة ومنها الحركات الإسلامية والانقلاب في مصر والأزمة مع قطر، إلا أن أنقرة نجحت في التأكيد الدائم على حرصها على استمرار التعاون السياسي والاقتصادي وحتى الدفاعي والعسكري مع السعودية.

ورغم التزام جانب كبير من الإعلام التركي بالتوجيهات الرسمية بعدم الإساءة للسعودية وتجاهل الأخبار السلبية المتعلقة بها لفترة طويلة جداً، واصل الإعلام السعودي مهاجمة تركيا في كافة المواقف والمحافل وتوجيه إهانات شخصية لأردوغان عبر المقالات ورسومات الكاريكاتير وغيرها.

وبحسب مصادر لـ”القدس العربي” فإن منظومات إعلامية تركية كبرى مقربة من الرئاسة والحزب الحاكم تلقت توجيهات جديدة خلال الساعات الماضية بتصعيد خطابها الإعلامي ضد السعودية والتركيز على ملف اختطاف أو اغتيال جمال خاشقجي، في مقدمة على ما يبدو لتصعيد كبير متوقع في الخطاب الرسمي التركي تجاه المملكة، وهو ما قد يترجم بالفعل في أول خطاب للرئيس التركي متوقع اليوم الأحد.

منظومات إعلامية تركية كبرى مقربة من الرئاسة والحزب الحاكم تلقت توجيهات جديدة بتصعيد خطابها الإعلامي ضد السعودية والتركيز على ملف اختطاف أو اغتيال خاشقجي

وتُجمع الأوساط التركية على أن أردوغان ورغم حرصه الشديد على الحفاظ على علاقات جيدة مع السعودية إلا أنه “لن يتساهل على الإطلاق” في مسألة خاشقجي كونها تعتبر تجاوزاً للكثير من الخطوط الحمراء بالنسبة لقناعاته الشخصية ومكانة البلاد بشكل عام.

فبدرجة أولى تعتبر العملية السعودية انتهاكاً للسيادة التركية بشكل مباشر، عبر قتل مواطن على أراضيها، من خلال فريق وصل المطارات التركية بشكل رسمي، وما يحمله ذلك من “استخفاف” سعودي من رد الفعل التركي على هكذا عملية، يجمع الكل على أنه كان من المستحيل إبقائها طي الكتمان دون تكشف خيوطها ومعرفة الجهة المنفذة لها كونها بدأت من داخل أسوار القنصلية.

وعلى الرغم من أن المعطيات الحالية لا تثبت ضعفاً أو فشلاً أمنياً تركياً بقدر ما هو استغلال سعودي للحصانة الدبلوماسية وأراضي قنصليتها، إلا أن العملية بشكل عام تظهر تركيا وكأنها بلد غير آمن يمكن أن تجري فيه عمليات قتل أو خطف، وهو ما ينعكس سلباً على السياحة التي يعتمد عليها الاقتصاد التركي بشكل كبير.

لكن الأهم من السياحة أيضاً، هو أن هذه العملية توقع الرئيس والحكومة التركية في حرج كبير، عبر إعطائها انطباعاً أن الأمن التركي لا يستطيع حماية آلاف المعارضين العرب الذي يعيشون في تركيا وخاصة في مدينة إسطنبول، وهو ما يضر بشكل كبير الصورة التي حاول أردوغان ترسيخها عالمياً بأن بلاده ما زالت الجزيرة الآمنة للاجئين والمعارين والفارين من الموت في محيط من البلدان التي دمرتها الحروب والخلافات السياسية والملاحقات الأمنية.

ويتوقع أن يتضمن خطاب أردوغان المقبل التأكيد على أن بلاده قادرة على حماية من يلجأ إليها، وقادرة على حماية سيادتها، والرد على أي انتهاك لها، وهو ما يعني البدء بإجراءات قانونية وسياسية تركية حادة تجاه السعودية، سوف تتصاعد تدريجياً خلال الأيام المقبلة لا سيما في حال تمكن الجهات الأمنية التركية من تقدم أدلة قطعية على كيفية وآلية عملية القتل أو الاختطاف التي تمت بحق خاشقجي، الأمر الذي سيضع السعودية في موقف ضعيف جداً أمام تركيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية