هل يمكن أن تبدأ تركيا بإعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق المعارضة في الشمال؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
1

إسطنبول- “القدس العربي”: في تصريح مفاجئ، قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو إن بلاده تعمل حالياً بـ”تعاون أفضل” من المجتمع الدولي لضمان العودة الآمنة للاجئين إلى بلدانهم وخاصة سوريا، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول مدى عزم أنقرة القيام بهذه الخطوة لا سيما في ظل تزايد الاحتقان الداخلي في تركيا حول ملف اللاجئين ومساعي حزب العدالة والتنمية الحاكم لنزع ورقة اللاجئين من يد المعارضة قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة والمقررة منتصف عام 2023.

وأوضح جاوش أوغلو أن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، قدم إلى تركيا مؤخراً، حيث يتم العمل مع المفوضية للإعادة الآمنة للاجئين إلى بلدانهم، وخاصة سوريا، قائلاً: “بدأنا نشهد الآن تعاوناً أفضل من المجتمع الدولي بشأن إعادة اللاجئين بشكل آمن إلى بلدانهم”، ولفت إلى أن “تركيا هي البلد الذي يستضيف العدد الأكبر من السوريين”.

وبينما أكد ضرورة تنفيذ مشاريع التعليم والصحة والتوظيف للعائدين كما في إدلب “بدلاً من دفع الناس قسراً إلى العودة”، عقب على رفض أوروبا إعادة إعمار سوريا بالقول: “صحيح، إعادة إعمار بلد أو أي مكان تستمر فيه الحرب أمر غير واقعي.. لدينا جميعاً موقف واضح حيال النظام، لكن تلبية الاحتياجات الأساسية على الأرض لا تعني إعادة بناء الدولة”.

وعلى الرغم من أن هذه التصريحات لم تأت في سياق مباشر للحديث عن إجراءات قريبة ضد اللاجئين السوريين، وإنما جاءت في إطار مؤتمر انعقد بولاية انطاليا حول التعاون بين تركيا والأمم المتحدة في ملف اللاجئين، إلا أنها أثارت مخاوف واسعة في صفوف اللاجئين السوريين لأسباب مختلفة أبرزها أنها تأتي بالتزامن مع تفاعلات متسارعة لملف اللاجئين في الداخل التركي وإجراءات فعلية بدأت تتخذ بحقهم مؤخراً.

أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي مخاوف واسعة في صفوف اللاجئين السوريين لأسباب مختلفة أبرزها أنها تأتي بالتزامن مع تفاعلات متسارعة لملف اللاجئين في الداخل التركي وإجراءات فعلية بدأت تتخذ بحقهم مؤخرا

فقبل أيام فقط، أعلنت وزارة الداخلية التركية حزمة من القرارات الجديدة الصارمة لـ”تنظيم” أوضاع اللاجئين السوريين في العاصمة وذلك بعد أقل من شهر على أعمال عنف شهدتها المدينة بين أتراك ولاجئين سوريين وهو ما ولد خشية واسعة في أوساط اللاجئين من أن تكون مقدمة لإجراءات مشابهة مشددة في عموم تركيا تساهم في دفع شريحة من اللاجئين نحو ترجيح العودة إلى بلادهم.

وتضمن القرار وقف منح أي طلبات جديدة لأوراق الحماية المؤقتة في أنقرة بشكل نهائي، ومنع إقامة أي سوري غير مقيد بشكل قانوني في المدينة وإعادته إلى الولاية التركية المقيد فيها رسمياً، إلى جانب منع مزاولة أي أعمال تجارية بدون أن تكون مسجلة بشكل قانوني كامل ولديها سجل ضريبي، كما تشمل القرارات ملاحقة كافة اللاجئين الموجودين في أنقرة بشكل غير قانوني وغير مسجلين بشكل رسمي لدى دائرة الهجرة، حيث يتضمن القرار توقيفهم وإرسالهم إلى مراكز إعادة اللاجئين التابعة لدائرة الهجرة تمهيداً لترحيلهم إلى خارج البلاد، وهو القرار الذي يمكن أن يفتح الباب لإعادة سوريين إلى مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا.

والشهر الماضي، وقعت أحداث عنف في حي ألتين داغ بأنقرة عقب مقتل شاب تركي على يد لاجئ سوري وهو ما أعقبه أعمال عنف غير مسبوقة هاجم خلالها مئات الأتراك مساكن ومحلات السوريين وجرى إلقاء الحجارة على المناطق وحرق سيارات ومحلات تجارية تعود للسوريين، جاء ذلك في ظل احتقان كبير لملف اللاجئين بالداخل التركي مع تصاعد الخطاب العنصري بمستويات غير مسبوقة من قبل شخصيات سياسية معارضة تهدف لاستغلال ملف اللاجئين لإنهاء حكم حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقبلة.

وفي ظل سيطرة ملف اللاجئين على أجندة الانتخابات، يتوقع أن تتبع الحكومة التركية خلال المرحلة المقبلة مجموعة من الإجراءات لتثبت للشارع التركي جديتها في معالجة ملف اللاجئين ويمكن أن يشمل ذلك إعادة جانب من اللاجئين السوريين إلى مناطق المعارضة شمالي سوريا ونقلهم من المحافظات الكبرى إلى المحافظات الجنوبية الحدودية التي لا تتوفر فيها الكثير من فرص العمل وهو ما قد  يدفع اللاجئين لترجيح قرار العودة للداخل السوري.

يتوقع أن تتبع الحكومة التركية خلال المرحلة المقبلة مجموعة من الإجراءات لتثبت للشارع التركي جديتها في معالجة ملف اللاجئين ويمكن أن يشمل ذلك إعادة جانب من اللاجئين السوريين إلى مناطق المعارضة شمالي سوريا

وما أعطى هذا التصريح زخماً أكبر تزامنه مع حديث وسائل إعلام عراقية وتركية عن لقاء مرتقب بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان ورئيس مخابرات النظام السوري علي مملوك في الأيام المقبلة في بغداد، حيث تكهنت مصادر تركية بأن يكون ملف اللاجئين على رأس أجندة المباحثات بين الجانبين على أمل التوصل إلى صيغة تسمح لضمان عودة آمنة للاجئين إلى الداخل السوري.

لكن مقابل هذه التخوفات، تبدو سيناريوهات “الإعادة الآمنة” للاجئين السوريين إلى شمالي سوريا شبه مستحيلة عملياً، في ظل انعدام الأمن وعدم اعتراف تركيا أو الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي باستقرار الأوضاع الأمنية لاعتبار أي من مناطق الشمال السوري آمنة وقابلة لعودة اللاجئين لا سيما وأن الحديث يدور عن قرابة 3.7 مليون لاجئ سوري مسجلين رسمياً في تركيا تشير التقديرات إلى أن عددهم مع غير المسجلين يتجاوز الـ4 مليون، ولا يتوفر في الشمال السوري غير الواقع تحت سيطرة النظام مساحات ولا مساكن ولا مرافق صحية أو تعليمية يمكن أن تستوعب أي جزء من هذه الأرقام الكبيرة.

وبعيداً عن حسابات السياسة التركية الداخلية، فإن الأمم المتحدة لن تقبل بتصنيف مناطق الشمال السوري على أنها مناطق آمنة بدون أن يتم التوصل إلى تفاهمات عسكرية وسياسية جديدة يمكن أن تغير بالفعل من الواقع هناك، حيث تبقى محافظة إدلب ومحيطها منطقة عمليات عسكرية دائمة وتشن روسيا والنظام السوري غارات وهجمات بشكل شبه يومي، كما أن شبح عملية عسكرية جديدة ضد المحافظة يلوح بالأفق منذ أسابيع مع تكثيف هجمات الطيران الروسي وحشود النظام البرية.

وبالتالي فإن سيناريو إعادة لاجئين من تركيا إلى شمالي سوريا سيبقى في إطار محدود جداً وربما يقتصر على عشرات الآلاف الذين يرغبون في ذلك بأنفسهم أو إجبار من يزورون مناطق الشمال في فترة الأعياد على البقاء هناك بمبرر عودتهم الطوعية، إلا أن أي عودة لأرقام أكبر ستكون مرتبطة بمدى تحقيق تحول كبير في الأوضاع العسكرية والسياسية خلال الأشهر المقبلة، وهو أمر لا يتوقعه أحد في ظل الجمود الذي تمر به العملية السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء:

    بعد أن استخدمتهم كورقة ضد النظام السوري وانتهت مهمتهم ستعيدهم للأسف الشديد حقيقة مرة

إشترك في قائمتنا البريدية