هل يناقض الولاء للدين الولاء للوطن؟

حجم الخط
0

ما بال مدعي الثقافة، الذين صنعوا على أعين الغرب، أشد ولاء لماركس وانجلز ولينين وستالين من ولائهم لمحمد بن عبدالله ومبادئه الإنسانية العظيمة، التي يخجلون منها ولا يقيمون لها وزنا، ولم يجدوا حرجا في وصف كل من يتمسك بها بالرجعية والتخلف ومعاداة الحداثة؟
لا ندري إلى متى تستمر هذه اللعبة بين العلمانيين والإسلاميين في عالمنا الإسلامي، وهل صار الالتقاء على كلمة سواء ضربا من ضروب المستحيل؟ هذه الحالة من الصراع كفيلة بإبقاء العالم الإسلامي على ما هو عليه من الضعف والهوان. نعلم أن كلا الطرفين مدان، ويتحمل مسؤولية وصول العلاقة بينهما إلى هذا الحد من العداء والخصام، فقد أجرم غلاة العلمانية والليبرالية واليساريين عندما أرادوا، لحاجة في أنفسهم، عزل الإسلام عن الحياة، وحصره في العبادات، وغضوا الطرف عن قيم الإسلام الداعية لكل تقدم.
وأخطأ حاملو لواء هذا الدين القيم عندما قصروا في تقديم نموذج الإسلام الراقي المتقدم، وفشلوا فشلا ذريعا في تحويل العقيدة إلى عمل. نشعر بالغصة ونحن نرى هذه الحياة التي يحياها المسلمون، وهم على هذا النحو من التردي والتخلف في السلوك والمعاملات، وكأنهم لا يكادون يفقهون قولا من أمور دينهم، أولم يقرأوا في كتابهم الخالد القرآن ‘يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا’، ‘وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما’.
الولاء لمبادئ الإسلام هو ولاء للإنسانية جمعاء، وليس ولاء لوطن كائنا ما كان، وهذا لا ينافي فكرة حب الوطن والانتماء له. نقر بأن ضيقي الأفق من الإسلاميين، الذين جمدوا عقولهم وأفهامهم، جنوا على دينهم أكثر مما جنى أعداؤهم عليه، جنوا عليه بمنطقهم الفج، وتفكيرهم المعوج (على حد قول الجاحظ) وأخذوا منه القشور والمظاهر، وتركوا الجوهر والحقائق.
الغرب على مدى تاريخه سعى- ولا يزال- إلى تفتيت العالم الإسلامي إلى دويلات، ولم يتوقف لحظة في العزف على وتر الطائفية المقيتة، وزرع على حين غفلة منا، جنودا (المرتزقة من الكتاب والصحافيين) ليلبسوا الحق بالباطل، حتى إن بعضهم، يؤكدون في كتاباتهم المغرضة المسمومة، أن إيران وحماس والجهاديين هم العدو، وأن إسرائيل هي الصديقة، ألا ساء ما يصفون! هل لنا أن نتساءل: هل ثمة تناقض حقيقي بين الولاء للوطن والولاء للدين؟
من في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة يصورون الأمر على أنه صراع بين الولاء للدين والولاء للوطن، ولكن في ما نعتقد ليس هناك أدنى تناقض بينهما، لأن الدين قوة دافعة للتقدم والرقي واحترام الآخر والوسطية، وهي القيم التي استبدلناها بلغة السباب والاستعلاء والإقصاء. ما نراه الآن في مجتمعاتنا الإسلامية من تناحر وسباب بأقذر الألفاظ، هو نتيجة طبيعية لنكوصنا عن فهم الإسلام، وخجلنا منه، حتى صرنا أضحوكة في العالمين، ولا يظلم ربك أحدا.
خسرنا – نحن المسلمين- خسرانا مبينا عندما نجح الغرب في نزعنا من هويتنا الإسلامية، وغرس فينا بطرق شيطانية مختلفة لا تخفى، عقدة النقص بالنفس والانبهار بالآخر. حالة العجز والتفرق والهوان التي نحياها، آن لنا أن نفيق منها، ونتغلب عليها، وما ذلك علينا بعزيز، إن حضرت الهمم وصحت العزائم.
ما ينقصنا الآن هو الاعتزاز بديننا، وإعادة الاعتبار له في نفوسنا وأفعالنا، ومحو الصورة السيئة النمطية الكاذبة عنه، وإنه لهدف لو تعلمون عظيم.
ما يجمعنا في العالم العربي والإسلامي أكثر مما يفرقنا، تجمعنا الهموم الواحدة، والدين الواحد، والمصير الواحد، والتاريخ المجيد واللغة الواحدة، أولسنا، كما قال شوقي في قصيدته ويا للعجب في (دمشق) في الشرق والفصحى بنو رحم.. ونحن في الجرح والآلام إخوان؟!

‘ كاتب وصحافي مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية