زمان كانت الأسر العربية تحرص على اهتمام أبنائها بالدراسة فقط، وتمنعها حتى من ممارسة الرياضة كهواية اعتقادا منها بأنها بدون فائدة، وكانت تحلم بأن يصبح ابنها طيارا أو طبيباً أو مهندساً أو ضابطاً، أو حتى مدرسا، ومع الوقت ظهرت توجهات علمية ومهنية جديدة في اختصاصات الماركتينغ، والتجارة وإدارة الأعمال التي دخلها الكثير من الأبناء، لكن أولياء هذا الزمن توجهت غالبيتهم نحو النقيض، من خلال تشجيع أولادهم الصغار على ممارسة كرة القدم حتى ولو على حساب الدراسة بسبب الاهتمام الكبير الذي تحظى به اللعبة الشعبية الاولى في العالم من وسائل الاعلام، ورغبة من نفس الأولياء في دخول عالم المال والشهرة الذي يحيط باللعبة الأكثر شعبية في العالم أملا في ضمان مستقبل افضل لأبنائهم وأسرهم في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المجتمعات والظروف الصعبة التي تعيشها الأسر والعائلات.
بعض الاولياء بلغ درجة الدفع بأبنائهم الى الأكاديميات المتخصصة في كرة القدم وتحمل نفقاتها العالية استثمارا في أولادهم، بحثا عن عوائد مالية وشهرة عالمية لا يجدونها في وظائف أخرى مصير أصحابها البطالة التي بلغت مستويات غير مسبوقة فاقت 10% في عالمنا العربي، دفعت بالأولياء الى دفع تكاليف ممارسة أبنائهم لعبة كرة القدم التي كانت الى وقت ما لعبة الفقراء بامتياز، يمارسونها مجانا بدون الحاجة الى الإنفاق في أكاديميات نمت بشكل ملفت في العالم العربي، وصارت بدورها مربحة لأصحابها الذين يحصلون على ما يعادل 300 دولار شهريا عن كل طفل لم يقدر على الانخراط في الاندية المهيكلة، ويحلم بممارسة معشوقته وتحقيق طموحاته ورغبات أهله في رؤيته نجما ومصدرا للرزق.
ملايين الأطفال في العالم العربي والعالم الثالث بدورهم أصبحوا يحلمون باحتراف كرة القدم الى أن بلغ عددهم حسب آخر احصائيات للفيفا، 300 مليون طفل ممن يعتقدون أن كرة القدم هي الكفيلة بنقلهم من عالم الفقر الى عالم الرفاهية والنجومية على غرار الكثير من النجوم الذين تخرجوا من الأحياء الشعبية الفقيرة في العالم، كما بينت الاحصائيات والدراسات أن عشرات الآلاف من الأطفال لا يمارسون كرة القدم كهواية بقدر ما يمارسونها بضغط من الآباء كوسيلة للخروج من ضائقة الفقر وتوفير العيش الكريم من خلال امتيازات لا يحصلون عليها في وظائف أخرى لو واصلوا دراساتهم في مختلف الاختصاصات.
أكثر من ذلك فان سحر الكرة ورغبة الأولياء في توجيه أولادهم نحو عالم الشهرة والمال، دفع الكثير من الأولاد الى الهروب من المدرسة والنزوح الى الملاعب لممارسة هوايتهم والاستجابة لرغبات الأباء والأمهات بتأثير من وسائل الاعلام التي صارت تخصص مساحات كبيرة لنجوم كرة القدم وتتحدث عن رواتبهم المغرية وحياتهم الخاصة التي جعلتهم أكثر شهرة من الساسة والفنانين أنفسهم، وباتوا في مصب اهتمام المؤسسات الكبرى للترويج لمنتجاتها عبر ومضات اشهارية تدر عليهم بالملايين. وهو ما رسّخ في أذهان الأطفال والشباب فكرة أن الرياضة، وخاصة كرة القدم، تضمن مستقبلا أفضل مما قد تضمنه الشهادات والدراسات العليا في أكبر الجامعات والمعاهد.
مختصون في علم الاجتماع بدأوا في تحليل ودراسة هذه الظاهرة رغم اقتناعهم بأن الكرة هي معشوقة كل طفل عربي صغير منذ زمن، لكنهم راحوا يركزون على جنون وهوس الأولياء وإصرارهم على توجيه أبنائهم نحو ممارسة الكرة ومتابعتهم في الأندية والأكاديميات الكروية أكثر من متابعتهم في دراستهم، لدرجة تفوق الخيال أحيانا، فتحولت الدراسات من محاولات فهم توجه الأطفال، الى محاولة فهم هذا الهوس الذي أصاب الاولياء وجعلهم ينفقون من أجل توجيه أبنائهم ويحضرون تدريباتهم ومبارياتهم، وقد يحتجون لدى المدربين على عدم اقحامهم في التشكيلات الاساسية للأندية التي يلعبون لها، ويبدون سخطهم وعدم رضاهم على أبنائهم لعدم نجاحهم في الكرة أكثر من حزنهم على فشلهم في الدراسة.
صحيح أن الكرة صارت عالما يدر المال الكثير ويمنح الشهرة والمكانة الاجتماعية اللائقة، ومن حق كل المواهب الكروية أن تطمح لبلوغ العالمية وتحقيق النجومية، ومن حق الأباء أن يحلموا ببلوغ أبنائهم عنان النجومية في عالم الكرة ومساعدتهم على اكتشاف ذواتهم وهوياتهم، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الدراسة ويتحول الأمر الى هاجس يؤرق الأباء والامهات الذين صاروا يرون في الأبناء كنزا كرويا حتى ولو كانت موهبته محدودة ومتواضعة أو حتى منعدمة، ما يؤدي الى نتائج عكسية تجعل الطفل معقدا أمام نظرائه بسبب فشله في تحقيق رغبة والده في احتراف الكرة وفشله في مزاولة دراسته بموازاة ذلك.
إعلامي جزائري
اقولها بكل اسى واسف يا سيد حفيظ دراجي ان الكرة المستديرة لم تعد بتلك الجمالية التي عهدناها في السابق بل اضحت افيونا للشعوب تستغلها بعض الانظمة وخاصة في عالمنا العربي لالهاء الشعوب عن حقوقها الاساسية للعيش بكرامة في هدا الزمن الرديء فمن يقنعني بان لاعبا لا اعتبره خارقا للعادة يمضي عقدا مع فريق يسمى كبيرا بمئة مليون دولار اليست هده هي الحماقة بعينها اضف الى دلك ان عالم الكرة المستديرة دخلته فيروسات السياسة والبزنس والتجارة والاشهار والفساد وغيرها من السلبيات التي شوهت كرة القدم ولم تعد محبوبة لدي شخصيا على الرغم من انني اتابع بعض المباريات الدولية.
ميسي مثلا، يلعب كل أسبوع أمام ثمانين ألف متفرج في الملعب، زائد مئات الملايين من البشر عبر التلفاز، ولا تخلو مبارياته من لمسات فنية تثير إعجاب وتصفيق الجماهير، وقد نقول أنه يستأثر بالأضواء وحده، الشيء الذي يجعلنا نقول أن كل مباراة عنده هي محطة للانتشاء والشعور بالسعادة، وربما جسمه يفرز هرمونات (سعادة) لا يفرزها باقي البشر.