في ندوات متتابعة عن هوية الأدب العربي، وعالميته، عقدت في باريس مؤخرا بمناسبة الأسبوع العالمي للرواية، وشاركت في إحداها، كان السؤال الأكثر أهمية الذي طرح، هو: هل الأدب العربي أدب عالمي؟ أي هل هو قابل للتذوق في كل مكان، إن ترجم إلى لغة ذلك المكان؟
في الحقيقة لا بد من حديث قصير عن الأدب العربي، الذي نكتبه بالعربية، ويقرأه بالضرورة قراء يتقنون اللغة العربية بغض النظر إن كانوا عربا أم لا. هذا الأدب إن تم تقييمه محليا، فهو أدب لا يختلف في سيرته وشخصيته عن الآداب الأخرى التي انتشرت، فهو نتاج إنساني ومعرفي خاص ببيئة معينة، مثل الأدب الصيني الذي لديه معرفة خاصة وينتمي لبيئة معينة، والأدب الياباني، والفرنسي وأدب أمريكا اللاتنية، هكذا. لكن تلك الآداب منتشرة في كل مكان، وهناك كتاب كثيرون وصلوا إلى قوائم الأكثر مبيعا في كتبهم المترجمة إلى اللغات الغربية، مثل هاروكي موراكامي وياسوناري كواباتا، وآخرون حصلوا على جوائز رفيعة من ضمنها جائزة نوبل التي تكمل حلم الكتاب بلا شك، خاصة أولئك الذين قدموا أدبا مميزا ويستحق، مثل الصيني مو يان والتركي أورهان باموق.
لو نظرنا إلى أدبنا العربي، الذي ترجم إلى معظم لغات العالم تقريبا، وما زال يترجم باستمرار، فنادرا ما نجد تلك السمعة الجارفة التي تجر القارئ الآخر إليه، وتوقفه ساعات في طابور طويل، أمام مكتبة ليحصل على نسخة من كتاب عربي، تمت ترجمته مؤخرا، وأعلن عن تدشينه في تلك المكتبة. وحتى بعد أن حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل، ورفعنا رؤوسنا قليلا لنتحدث عن عالمية الأدب العربي، لم يحدث تغيير كبير، فقط ازداد عدد الكتب التي تترجم للغات الأخرى قليلا، لكن لا احتفاء ممييزا بكتاب معين، ولا مقالات تفردها الصحف والملاحق الثقافية للحديث عن كتاب وكاتب عربي، بصورة جادة.
إنها كتب توجد هناك في الشرق والغرب، قد يقتنيها قراء، لديهم فضول معين، أو أكاديميون سيدرسونها ويحصلون على شهادات ولا شيء آخر. وفي بعض الأحيان، حين يمر الكاتب بأوروبا أو الصين وتكون له أعمال مترجمة هناك، سيسعى لدور النشر بنية عمل توقيع لكتابه، وهذا سيحدث لكن أيضا، لن تجد ذلك التدافع القوي من أجل الحصول على توقيعه أو إحاطته بالورود. إنها دقائق قليلة فيها نشوة قليلة وابتسامات، وإحساس بتميز ما، ويعود الكاتب إلى واقعه، كاتبا عربيا، بأدب لا يفضله الغرب.
أنا أعتقد أن هذا ظلم كبير للأدب العربي، فهو كما قلت أدب له شخصيته، وأزعم بأنه أكثر تنوعا من آداب كثيرة، بوصفه ليس ابن بيئة واحدة ولكن مجموعة من البيئات. فالدول العربية كثيرة، بعضها في آسيا وتنهل من ميثولوجيا وطباع آسيوية، وبعضها في أفريقيا وتبدو سمات الأدب الذي تنتجه شبيهة بسمات الأدب الأفريقي. ولدينا بيئة الخليج العربي مثلا، إنها بيئة خصبة للكتابة الروائية، بها أساطير خاصة بالبر والبحر، وحكايات عديدة، يمكن كتابتها والتميز بها، كما أنها تمتلك قدرا كبيرا من المرويات التاريخية، والثقافة الإسلامية، ويمكن توظيف ذلك في النصوص الروائية، وبالفعل نجح الأدب الخليجي أن يكون لمعانه، وينتشر، وحصل بعضه على جوائز مرموقة.
نحن إذن لا نتحدث عن معايير الجودة، ولا نحاول أن نكسب شيئا ليس من حقنا حين نصدر أدبنا للخارج، وهذا لا يتم بسهولة كما يعتقد البعض، فالوكلاء الأدبيون الذين يروجون للأدب عموما، لا يعنيهم كثيرا أن يكون في قوائمهم كاتب عربي، وإن حدث فهم يضعونه مجرد اسم خامل قد يحركونه قليلا في لغة هامشية، وقد يتركونه هكذا حتى ينتهي عقده مع الوكالة، ويفر وحده باحثا عن وكالة أخرى. وبالطبع توجد استثناءات، فهناك كتاب حصلوا على وكالات جيدة روجت لهم، وحققوا بعض الانتشار.
أيضا الناشرون عموما لا يقبلون النشر بسهولة، وإن قبلوا يكون ذلك بعد تحرّ كبير ودراسة قوية للسوق، وأسئلة وأجوبة. وأذكر أنني في مرحلة ما راسلت ناشرا إنكليزيا لنشر كتاب لي، وقد أبدى موافقة مبدئية، ثم أرسل لي عشرات الأسئلة، وطالبني بإحصائيات دقيقة عن مسار الكتاب في اللغة العربية، وعدد القراء الذين قرأوه، والمراجعات التي تحدثت عن بسلبية وإيجابية، وعن توقعي لعملية بيعه وانتشاره، إن نشر بالإنكليزية. وكان ذلك شيئا مضجرا صراحة، جعلني أتوقف عن مراسلته، وإلغاء مشروع ترجمة ذلك الكتاب الذي ترجم في ما بعد، ونشر عن طريق ناشر آخر.
الملاحظ أن كثيرين يتحدثون عن العالمية بمجرد ظهور أسمائهم في لغة أخرى، وأظن يوجد خلط بين طرح الكتب في الغرب وبين انتشارها هناك، فلا تستطيع أن تسمي كاتبا بالعالمي ما لم يحدث كتابه تأثيرا واسعا وإيجابيا، أو يثير الجدل في اللغة التي طرح فيها. فالكتاب المنخفض الصوت الذي يربض دافئا في مكتبة في لندن أو باريس أو فرانكفورت أو غيرها من مدن الغرب، لن يسمى كاتبه عالميا. إنها وسيلة منا لرفع المعنويات، ولكن ليست وسيلة صحيحة بلا شك.
وقد ذكرت مرات وما زلت أذكر في كل مناسبة، إننا بحاجة لخدمة أدبنا بصورة أكبر، بحاجة لجهود تلك المؤسسات الضخمة التي تترجم لنا باستمرار ما يسمى روائع الأدب العالمي، أو الكتب الأكثر مبيعا حسب نيويورك تايمز، أن تلتفت التفاتة عكسية، نحو الأدب العربي المحلي، تعمل على ترجمته وتسويقه هناك، وتعثر له على ناشرين جيدين، وقراء حقيقيين. وعند ذلك قد يعترف أحد ما بعالمية الأدب العربي.
*كاتب من السودان
في مقالك وجهة نظر أحاديّة…بصراحة يادكتور لا أتفق مع حضرتك فيما ذهبت إليه.لأنّ التكالب على العالميّة فيه
حنين إلى ( عقدة الخواجة ) بمعنى أنّ المعيار هوالغرب.أوّلًا الأدب العربيّ الحديث والمعاصر؛ وحضرتك تقصد به الرّواية دون غيرها؛ والرّواية جزء من أجزاء الأدب؛ له خصوصيّة.وخصوصيته في اللغة وليس في الفكرة.ورغم أنّ اللغة العربيّة إحدى لغات الأمم المتحدة الستّ لكن نطاقها ضمن البلاد العربيّة إضافة إلى المهتمين بالأدب العربيّ من مراكز الأبحاث والمستشرقين الغربيين وأجهزة أخرى.فلو نظرنا إلى ( توزيع ) المطبوع من الأدب العربيّ؛ وسكان البلاد العربيّة قارب عددهم (500 مليون نسمة ) لا يتجاوز المطبوع في أحسن الأحوال ( خمسة آلاف نسخة ).فإذا لم يأخذ المطبوع الأدبيّ سعته في البلاد العربيّة أوّلًا كيف تريده أنْ يكون عالميًا؟ ليس هناك كتاب منتشر على عموم السكان العرب الإ القرآن.طبعًا نحن نفترض أنّ الغرب كان موضوعيًا في تقييم الأدب العربيّ.والحقّ أنه يكيل بمكيالين وثلاثة سواء في الأدب أوفي السياسة والثقافة…
من جانب آخر أرى أنّ العالميّة الحقيقيّة يادكتور؛ تنبع من المحليّة.وهنا الواجب النظرإلى المستوى الأبداعيّ
للأديب العربيّ المعاصر.هل هو بمستوى يؤهله ليكون ( ساطعًا ) في الشرق والغرب؟ وكما يقــول المثل: ( خبزنا على سعة تنورنا ).لم يولد الأديب العربيّ المعاصر بالحجم ( الساطع ) حتى الآن.وليس لنا إلا القول: { وقل اعملوا } فسيرى النّاس أعمالنا؛ وأذواق النّاس ميــزان للمزاج الجمعيّ في الأدب وفي غير الأدب…أخيرًا: النزوع إلى جائزة نوبل عند الكتّاب العرب اليوم ؛ أصبح ظاهرة تستحق الشفقة أكثر مما تستحق الاهتمام؟ لأنّ خصوصيّة جائزة نوبل ( ترشيحًا واختيارًا ) حتى إعلان النتيجة يتمّ من دون إعلان مسبق.فمثلًا قيل إنّ الرّوائيّ نجيب محفوظ؛ علم بفوزه من صديق سمعها من الإعلام…وتصوّرها ( نكتة أومقلب ) حتى تمّ إبلاغه بها؟ لذلك الأديب والكاتب والشاعروالرّوائيّ وووو
الحقيقيّ ( يكتب بصدق ) كالفلاح يزرع الأرض والله سيرسل المـزن.والحقّ أنّ الأديب ( العربيّ ) الذي استحق جائزة نوبل عن جدارة؛ ولم تنمــح له؛ كان جبران خليل جبران.مع المودّة.
أحسنت يا د جمال البدري في التالي (النزوع إلى جائزة نوبل عند الكتّاب العرب اليوم ؛ أصبح ظاهرة تستحق الشفقة أكثر مما تستحق الاهتمام؟)
اتفق أن هوية الادب العربي في اللغة وليست في الفكرة.