سؤال مقال اليوم حساس جداً ولربما استشكالي جداً. وفي عالم قصير النَّفَس مع التساؤلات حول حتمياته ومنعدم النَّفَس عندما تأتي هذه التساؤلات من النساء، يصبح الكلام خطيراً وانتقاؤه عملية حيوية قد يفترق عندها طريق السلامة والأمان. والسؤال هو كيف يمكن للنساء أن يرتبطن بعمق بالنص القرآني وحتى بالأحاديث النبوية وبالفقه الإسلامي ككل إذا لم يكن لهن رأي في هذه المواد المقدسة؟ كيف يمكن أن يحاكي تفسير النص القرآني حيوات النساء ويقترب من حلول مشكلاتهن ومن فلسفة احتياجاتهن إذا لم تكن لهن مساهمة حقيقية فيه، وإذا لم تكن لهن مشاركات في فهم النص القرآني والسنة النبوية وتشكيل الفقه الإسلامي؟
لا بد أن يتسع القلب والعقل المجتمعان لهذا السؤال الخطير، لا بد أن نتحاور حقيقياً وبشجاعة حوله. تخيلوا، السادة الرجال، لو أن تفسير النص القرآني هو عمل بحثي محكور على النساء، وأن النص بين أياديهن فقط دوناً عنكم جميعاً، ليفسروا ويمنطقوا ويستشفوا أحكام الشريعة منه، ترى كيف كنتم ستشعرون؟ أي درجة اتصال روحاني ستكون لكم مع النص؟ وأي درجة ثقة بتفسيره ستكون مستتبة لكم في القلب؟ ترى كيف كان ليكون هذا التفسير؟ هل سيستشعر مشاكلكم، هل سيتفهم منطقكم، هل سيتناول قضاياكم؟ أم أنه سيميل كما التيتانيك لحظة غرقها باتجاه النساء وظروفها وابتعاداً عنكم وظروفكم وإغراقاً لكل اهتماماتك في بحر عميق؟
هكذا تشعر فئة كبيرة من النساء؛ أن تفسير النص القرآني لا يخاطبها، لا يتعامل مع قضاياها بل ولا يحلل من خلال منطقها، المنطق النسائي الذي لا يفهمه الرجل. كيف يمكن تفسير النص القرآني الذي يتعامل مع قضايا نسائية خاصة بحتة لا يمكن لرجل أن يمر بتجربتها قط في حياته من قبل الرجال فقط ودون مساهمة امرأة تقدم وجهة النظر النسائية في الشأن النسائي البحت؟ كيف يفسر ويمنطق ويخلق الرجال فقهاً خاصاً جداً بالنساء، ببيولوجيتهن، بدورتهن الشهرية، بحملهن ووضعهن، بمظهرهن الخارجي، بمشاعرهن وأحاسيسهن، وهم رجال لم يسبق لهم أن حاضوا أو حملوا ووضعوا أو استشعروا مشاعر المرأة المدفونة أسفل جبل من المسؤوليات والواجبات والأحكام الذكورية الصّرفة؟
أتذكر هذا الشعور حين كنت أجلس في قاعة مجلس الأمة الكويتي يوم 16 مايو 2005، ناظرة من المنصة العليا إلى القاعة التي تملأها الدشاديش البيضاء والغتر والعقالات التي كانت ستقرر مصير المرأة في حصولها على حقها في الترشح والانتخاب. طرقتني الفكرة بقوة، كيف يبتون في أمر ولا واحدة من صاحباته موجودة لتدلي بدلوها حوله، لتحكي حول أثر الحق المسلوب والظلم المستمر، لتصف مرار الظلم والتهميش، ولتخبر بالآثار الناهشة للحياة والروح والجسد كذلك لهذا التهميش، والذي بسببه أُهملت المرأة وقضاياها، وعانت زمناً من الظلم والإقصاء السياسي والاجتماعي بلا تمثيل لها في جلس «الأمة»، الأمة التي تشكل هي أكثر من نصفها.
هذا الشعور ذاته يلح يوماً في دول ومجتمعات تجري مجرياتها إلى حد كبير من منطلقات دينية وتقاليدية. حياتنا كلها، وخصوصاً تلك الخاصة بالنساء، مسيرة دينياً، والنساء تحديداً ترسم لهن الأطر وتحدد الواجبات ويضغط على أرواحهن وأجسادهن ويُحملن الأثقال والأحمال دوماً وأولاً باسم الواجب الديني، ورغم ذلك لا لسان لهن ليخاطبن نصه المقدس، لا حق لهن في فهمه وتدبره، لا مكان لهن في مَنطَقة وفلسفة نص يخاطب قضاياهن لربما بدرجة أكبر من أي فئة محددة أخرى في سطوره، فأي تهميش واستحواذ ولي ذكوري لآيات النص المقدس هو هذا؟
لا بد للنساء أن يدخلن وبقوة ووضوح في مجال تفسير القرآن الكريم، ولا بد أن تنتج تفاسير تقدم وجهة النظر النسائية في فهم النص المقدس، وإلا ستبقى التفسيرات مائلة، والمعادلة غير عادلة، والكلام يذهب إلى مشتهيات الرجال لا النساء، والأهم ستبقى النساء محكومات بمفاهيم وتحليلات وتفسيرات الرجال، الذين لم يعيشوا يوماً في أجسادهن، ولم يختبروا يوماً ظروفهن، ولم يعانوا يوماً من أعبائهن وأحمالهن. نريد صوتاً تفسيرياً يفهمنا ويتفاهم معنا ويخاطبنا من منطقنا ويعرف آلية أجسادنا وماهية عقولنا، أليس هذا هو لب العدل؟