عمان – «القدس العربي»: يبدو أن المسألة لم تعد برسم الصدفة السياسية. مزيد من الحيثيات، لا بل حتى التقارير المعمقة التي تؤشر على اعتراض أمريكي «ناعم» من طراز خاص خلف الستارة والكواليس على نوع وتركيبة وصنف بعض الاتصالات الرفيعة بين الأردن وبعض المؤسسات الإسرائيلية، في الوقت الذي يدور فيه السؤال بثقله وسط النخبة الأردنية، وأيضاً وسط الصالونات السياسية المحلية، تحت عنوان الدور الإقليمي الأردني في الغياب والحضور، ومن حيث النتائج والمآلات.
مجدداً، يطرح باحثون سياسيون سؤالاً لم يعد معنياً بالشبكة الافتراضية فقط تحت عنوان الحصة الأردنية في الدور الإقليمي، خصوصاً أن النمو الكبير في العلاقات الأردنية – الإماراتية يوازيه نمو أكبر في العلاقات الإسرائيلية – الإماراتية، والإسرائيلية – البحرينية، الأمر الذي يشكل ضغطاً على نحو أو آخر على صيغة كانت مألوفة وتضمن للأردن حصة وافرة من الحضور، وأحياناً الوظيفة، وبالتالي تأمين المصالح في الماضي.
تتدحرج الحسابات الإقليمية بكثافة شديدة، ويعيد سياسي رفيع المستوى من وزن طاهر المصري، التحذير من المساس بمصالح الأردن العليا تحت عنوان تسارع عملية التطبيع ومشروع تصفية القضية الفلسطينية، مؤكداً في الوقت ذاته، أن الأردن معني بعد الآن بقراءة معمقة لمسار الأحداث والبوصلة.
الأهم في سجالات النخبة الأردنية بعنوان «الدور والوظيفة» والإقليم والحصة ومكانها عملياً هو بعض التطورات الحادة، التي تشير إلى أن مستويات متقدمة في الإدارة الأمريكية أبلغت فيما يبدو وزير الخارجية أيمن الصفدي، بأن واشنطن لا تتحمس لإقامة جسر حيوي من العلاقات والاتصالات غير المعلنة بين إسرائيل والأردن من وراء ظهر الولايات المتحدة، أو حتى دون ترتيب معها. وهو واقع يعيد طرح السؤال الذي طرحه الباحث الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة، بعنوان المراوحة ما بين الدور التابع والدور الأساس.
والحديث هنا بالقياس الدبلوماسي عن جرعة محددة من زحف ونمو العلاقات مع الإسرائيليين، يدعمها الأمريكيون بالعادة، لكن شريطة أن تبقى في سياق النافذة الأمريكية، لا بل الإشراف الأمريكي بين الحين والآخر.
يحاجج بعض الساسة الأردنيين هنا بأن المبالغة في الحديث عن مخاوف أمريكية جراء تسارع وتيرة التطبيع والاتصالات في محور عمان-تل أبيب قد ينطوي على مجازفة بالحسابات التقليدية، لكن الخبراء في الإدارة الأمريكية، ومنهم وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، يشيرون إلى أن مجمل قضايا المنطقة عموماً وقضية الشرق الأوسط المركزية، وهي القضية الفلسطينية في خاتمة سلم الأولويات بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي الحالي، بما في ذلك شكوى الأردن أو حتى مصالحه وغيره.
وهو وضع محرج للحلفاء والأصدقاء، بدلالة أن ما يرشح من دبلوماسيين ومسؤولين في البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية الأمريكية تحديداً لا يؤشر إلا على فتور أمريكي رسمي في التعامل مع خطة الأردن المتطورة والفارقة في اتجاه تحديث المنظومة السياسية، والتي تعتبر باكورة رؤية جديدة للتقدم أو الزحف حتى نحو صيغة يمكن التوافق معها، لا بل التحالف معها، بعنوان «الأردن الجديد».
لكن الأردني ليس بعد في حالة تعريف حقيقية وجذرية وعميقة للأردن الجديد في مئويته الثانية، ولا الأمريكي يظهر اهتماماً بالقضايا والمصالح الأردنية، وهو ما يؤشر عليه الدكتور المعشر في كثير من محطات النقاش.
إلا أن المعلومات التي يتداولها بعض السياسيين الأردنيين على شكل تسريبات، حالياً، تشير إلى أن واشنطن لا تبدو في حالة ترحيب بإقامة حوارات خاصة جداً بعيداً عن مجساتها وحساباتها بين الأردن والإسرائيليين، وإن كانت الأدلة والقرائن على تطور كبير في الاتصالات والعلاقات ليست على سطح الحدث إلا في مجال اتفاقية التطبيع التي دعمتها دولة الإمارات، ودعمها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، تحت عنوان الطاقة وتبادل خدمات الكهرباء والمياه بين الجانبين.
إلى ذلك، لدى الأمريكيين حسابات تبدو متعاكسة ومتقاطعة أحياناً بشأن مستقبل حكومة نفتالي بينيت الإسرائيلية الحالية، ومن باب الحرص على الأردن ومصالحه واستقراره العام باعتباره ثابتاً من الثوابت الأولى في السياسة الأمريكية لا تريد بعض المستويات في واشنطن أن تجازف عمان بوضع البيضات كلها في السلة الإسرائيلية لحكومة آيلة للسقوط.
وهو ما دفع رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة للقول أمام «القدس العربي» بأن بلاده تجيد قراءة الأرقام والمعطيات والحسابات، ولا تدير مواقفها وسياساتها ومصالحها بناء على الأوهام. لكن حبل التطبيع الخليجي الإسرائيلي المتسارع والمتفاعل يُبقي الأردنيين بكل الأحوال في حالة وهم.
نفتالي بينيت يرتع سياسياً وبقوة في البحرين، ووزيرة الطاقة الإسرائيلية لاقت ترحيباً كبيراً في أبوظبي؛ بمعنى أن دولاً فاعلة في منظومة النادي الخليجي لم تعد معنية بالتحدث لا في القضية الفلسطينية ولا في الشأن الإسرائيلي عبر أو مع الأردن. وهذا وضع جديد يؤشر على حالة تموقع غير معتادة سياسياً، وحتى في السياق الجيوسياسي بالنسبة للاعبين الأردنيين، إضافة إلى أنه تموقع يحد من قدرات الأردن وهوامش المناورة أمامه، دبلوماسياً وسياسياً، في الجلوس على الطاولة الإقليمية.
إسرائيل تتسارع في علاقتها مع المنامة وأبوظبي، وتحقق تقدماً في معادلتي العراق والسودان بشكل كبير، مما عزل العلاقات الإسرائيلية مع عمان، ودفع عمان للبحث عن مكان في الخريطة الإسرائيلية، يقابله بحث واشنطن عن مكان ملائم لعمان في ظل معادلة إسرائيلية سياسية داخلية مفتوحة الاحتمالات وحمالة أوجه. وبالتالي، الوضع مربك، لا بل محبط سياسياً في كثير من المحطات، وتنتج عنه تساؤلات أكثر مما تنتج إجابات.
صح لسانك أخي الكريم كل الاحترام والتقدير لك.
يوسف أبو ناصر بني عامر
المرونه في السياسه الاردنيه تجعل الأردن على تواصل مع جميع الأطراف اما بالاتفاقيات المبرمه او بالمصالح المتبادل او بالضغط المتاح الذي يمارسه وهذا يجعل الأردن منفتح على جميع الخيارات وهذاالدور حسب قدرة الأردن لكن انجرار الأردن الى التحيز بقوة إلى خيار يبقى واردا في هذه السياسه حتى لو كان خيار المقاومه