لندن- “القدس العربي”:
“لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة تجنب الشرق الأوسط؟” يجيب كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد فون دريل قائلا: “تعتبر سجلات الثورات الكارثية والانتفاضات التي اجتاحت الشرق الأوسط في عام 2011 من بين الأسوأ الآن”. مضيفا إلى أن ما أطلق عليه الربيع العربي قام بتشويش أنظمة الطغيان، وهذا أمر جيد باستثناء عندما كان البديل هو الفوضى.
ففي تونس، مهد الانتفاضات، أدت الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي قبل تسعة أعوام إلى حكومات شعبية فاشلة، مع أن القصة التونسية تظل ناجحة مقارنة مع مصر التي قايض فيها المصريون ديكتاتورا بآخر، أما اليمن وليبيا وسوريا فقد دخلتا في حروب أهلية قاتلة.
ويقول الكاتب إن الربيع العربي قاد إلى تحولات وانحرافات، وتحول إلى كابوس على الحدود السورية- التركية. فهناك حوالي مليون سوري معظمهم من النساء والأطفال يعانون من البرد القارص، في وقت تحاول فيه تركيا عبر تحالف السيطرة على جبهتها السورية.
وأدت الفوضى لوضع حلف الناتو على الحافة، في وقت تهدد فيه روسيا بإعادة أزمة اللاجئين التي وضعت الاتحاد الأوروبي أمام نقطة الانهيار.
وبالعودة إلى الانتفاضة السورية، فقد هزت نظام بشار الأسد، لكنها لم تستطع إخراجه من السلطة. واتسمت محاولات الأسد في سنوات الحرب الأهلية واستعادة السيطرة على البلاد بالعنف الوقح والوحشية، من الهجمات الكيماوية التي استهدفت المدنيين، إلى الغارات على المستشفيات والمدارس. وظل حلفاؤه الرئيسيون هم الإيرانيون والروس.
وأدت حرب الأسد الطاحنة إلى تشريد نصف سكان البلاد، وهناك حوالي 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا بشكل زاد من الضغوط على مصادر هذا البلد، وهناك أكثر من مليون لاجئ وصلوا إلى أوروبا مما أدى لانتشار المشاعر المعادية للمهاجرين.
ويخوض الأسد الآن مواجهة ضد الجماعات التي تدعمها تركيا في معقلها الأخير في إدلب وأجزاء من محافظة حلب، شمال غرب البلاد. وأدت الحملة التي بدأت في كانون الأول/ ديسمبر إلى فوضى مروعة. وقالت الأمم المتحدة إن “هناك أعدادا كبيرة من الناس تم تشريدهم إلى منطقة صغيرة وفي فترة زمنية قصيرة ولا مكان أمامهم للهرب إليه”.
ومخاطر تعرض المدنيين للخطر مرتفعة جدا، في وقت يتم فيه تجاهل القوانين والأعراف الدولية. وهم عرضة للظروف الجوية الباردة والمصاعب الاقتصادية. وفرّ الكثيرون بدون أي شيء ولم يكونوا قادرين على جلب المواد الأساسية معه، فيما هرب آخرون بكل شيء استطاعوا حمله معهم، وحملوا ما يمكن حمله؛ لأنهم لا يتوقعون العودة إلى بيوتهم. وفرّ عمال الخدمات الإنسانية والجهات التي تقدم الدعم. وتحطمت البنى التحتية ومنشآت الإمدادات التي تقدر قيمتها بملايين الدولارات.
وحملّت تركيا عضو الناتو في الأسبوع الماضي، روسيا مسؤولية الهجوم الذي أدى لمقتل 33 من جنودها، مما رفع من مستويات الكارثة.
ورد فلاديمير بوتين بإسال بوارج حربية من البحر الأسود عبرت الشواطئ التركية ومضيق البسفور باتجاه إدلب. ومع تزايد مستوى التوتر، تتوقع تركيا دعما من الغرب. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن فتح الحدود أمام اللاجئين السوريين من إدلب والسماح لهم بالمرور إلى أوروبا.
ويرى الكاتب أن القارة الأوروبية عانت لاستيعاب موجة سابقة للاجئين السوريين، فماذا سيكون حالها في ظل تدفق مليون لاجئ سوري فقراء وجوعى وسط اندلاع موجة فيروس كورونا. وسيكون وصولهم بمثابة السيناريو الذي ينتظره المعادون للمهاجرين، وسيكون تهديدا حادا للاتحاد الأوروبي القائم على التجارة الحرة، ويواجه معضلة خاصة وهي خروج بريطانيا من الاتحاد.
وربما يفهم الرئيس دونالد ترامب اليوم السبب الذي جعل وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس يصر على الاحتفاظ بالقوات الأمريكية الخاصة في سوريا كقوة داعمة للاستقرار. ولماذا استقال احتجاجا على قرار الرئيس سحب القوات الأمريكية من هناك.
ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ارتكب الرؤساء الأمريكيون الخطأ الفادح بعد الآخر، من سحب القوات الأمريكية من المنطقة، ليعودوا إليها مرة أخرى ورسم خطوط حمر لم يلتزموا بها والترحيب بسقوط طغاة في المنطقة ثم التعاون ودعم آخرين فيها.
ويرى الكاتب: “حاولنا كل شيء ولكن بدون استراتيجية”. ويعتقد الكاتب أن الشرق الأوسط يربك الخطاب الأمريكي “فسواء كنا نروج للتدخل الأجنبي أو ننتقده فإننا نقيس أفعالنا بناء على إجراءات خيالية من الطهورية الأخلاقية. ونريد الوقوف مع الأخيار ضد الطغيان وأن نكون نورا ضد الظلام. وفي النهاية نريد انتصارا مرتبا وأي شيء غير الهزيمة”.
وفي النهاية تظل المنطقة وهماً خيالياً، وبعودة ترامب مرة أخرى إلى الأزمة السورية فيجب أن يكون الدرس هو أن الولايات المتحدة لا تستطيع الفرار من الشرق الأوسط، فهو على مفترق طرق الكرة الأرضية وجذع الدماغ للثقافة الإنسانية. وستظل مشاكله حاضرة على أجندة العالم، في المستقبل المنظور، وسيتم التعامل معها وإدارتها وليس حلها. و”قد تدفعنا خيبات الربيع العربي لأن نتركه مرة وللأبد ولكن فشل الثورة يعني أن لا مفر من الشرق الأوسط”.