لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده جون هدسون وأنستاسيا غالوكوتشكا قالا فيه إن أوكرانيا تستغل مقامرة الرئيس جو بايدن في القنابل العنقودية. وفي التقرير الذي أعد من منطقة خاركيف، جاء “على بعد أمتار من كومة من القنابل العنقودية الأمريكية الصنع، ينطلق دوي يصم الآذان خمسين مرة في اليوم، وهو آخر وابل من المدفعية الأوكرانية التي تريد وقف تقدم القوات الروسية”.
وقال ستانيسلاف، المسؤول العسكري الأوكراني “عندما نبدأ بإطلاق القنابل العنقودية يختفي الروس تحت ستار قوي، ولا حتى يخرجون أنوفهم”. وتلقى فريق المدفعية الدفعة الأولى من القنابل العنقودية قبل عدة أسابيع، بعد قرار الرئيس بايدن إرسالها في أكثر عمليات نقل الأسلحة إثارة للجدل في رئاسته. فالقنابل محظورة في أكثر من 120 دولة بناء على معاهدة دولية وقعت عام 2008، لكن ليس في الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا. ووصفت منظمة هيومان رايتس ووتش قرار بايدن بأنه مثير “للقلق العظيم”، وعارضت ألمانيا وبريطانيا وكندا وفرنسا وعدد من دول الناتو التحرك الأمريكي، وتحدثت عن ضحايا مدنيين محتملين. ودعم 49 نائبا ديمقراطيا و98 جمهوريا تعديل قانون دفاعي يمنع نقل الأسلحة هذه.
ولكن نشر الأسلحة لم يؤد إلى تردد كبير في داخل الحكومة والجيش بأوكرانيا والتي منحت “واشنطن بوست” فرصة نادرة لزيارة المعدات والجنود الذين يستخدمون القنابل سيئة السمعة وغير الدقيقة. لكن المسؤولين لم يسمحوا لطاقم الصحيفة تصوير القنابل العنقودية.
وعلق ميخاليو بودولياك، المستشار البارز للرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي “هي أمر إيجابي، وتساعد في زيادة الخسائر الروسية بالأرواح والمعدات وبطريقة واضحة”. وتنفجر القنابل العنقودية في الجو حيث تطلق قنابل صغيرة في منطقة الهدف وبمساحة حجمها عدة ملاعب كرة قدم. ثم تنفجر القنابل الصغيرة إلى شظايا حديدية تمزق الأطراف وتؤدي إلى جراح قاتلة. وعادة ما يكون الأطفال هم الضحايا الأكثر عرضة لها، لأن بعض الأجزاء من القنبلة لا تنفجر إلا عندما يطأ عليها شخص بقدمه أو يمسكها، وأحيانا بعد سنوات من نهاية النزاع.
ولكي تطمئن الرأي العام، قالت وزارة الدفاع الأوكرانية إن القنابل العنقودية ستستخدم فقط في محاولات خرق دفاعات العدو، في إشارة إلى متاهة من الخنادق الروسية وحقول الألغام التي أبطأت تحرك القوات الأوكرانية في هجومها المضاد. وبالممارسة، يقول الجنود إن استخدام القنابل العنقودية معقد. فهي لا تستطيع خرق دفاعات العدو الذي يختفي في الملاجئ الأرضية بل وتمثل خطرا على جنود المشاة المكشوفين.
ويقول ستانيلاف إن “المنفعة الوحيدة هي أن العدو خائف الآن من الهجوم”. وبالنسبة للقوات الروسية المدرعة التي تتقدم فإنها توقف حركتها لكي تسمح للجنود البحث عن ملجأ، بل وتتعرف على صفير القنابل في طريقها للهدف، كما يقول ستانيسلاف، الذي يعمل في الكتيبة الآلية 14. وتعتبر القدرات مهمة في ضوء إجبار القوات الروسية الأوكرانية على الدفاع عن مناطق في دونيستك في الشرق وكوبيانسك في منطقة خاركيف، في الشمال، مع أن القوات الأوكرانية منشغلة بالحملة المضادة بالجنوب.
ومن هنا تعمل القنابل على إبطاء التقدم الروسي والحفاظ على القوة. وعندما يتعلق الأمر بالعمليات الهجومية، يستخدم الأوكرانيون الذخيرة لإطلاقها على الغابات الكثيفة عندما لا يمكن تحديد موقع القوات الروسية بشكل دقيق، وضرب العربات غير المصفحة أو نشر القنابل الصغيرة ضد المشاة وإجبارهم على البقاء بملاجئهم تحت الأرض.
وأحيانا يطلق الجنود وابلا من القنابل المدفعية ويجري إلحاقها بقنابل عنقودية، كأسلوب يجبر الجنود الروس على الخروج من مخابئهم. وفي الوقت الذي تقدم فيه القنابل العنقودية تفوقا كميا إلا أنها تقدم تفوقا نوعيا في وقت يحتاج فيه الأوكرانيون للذخيرة لتوسيع مجال الهجوم المضاد. ففي بداية الحملة بحزيران/يونيو زادت الطلقات المدفعية إلى 8.000 جولة في اليوم من حوالي 3.000- 5.000 جولة حسب المحللين العسكريين.
وتقول الصحيفة إنه بدون تدفق القنابل العنقودية من الولايات المتحدة والقنابل المدفعية من كوريا الجنوبية، فلن تكون كييف قادرة على الاستمرار في هجومها المضاد لوقت طويل واستعادة مناطق مهمة. لكن المحلل العسكري في معهد أبحاث السياسة الخارجية، روب لي يرى أن “أوكرانيا تطلق ذخيرة أكثر من المعتاد” و”السؤال الكبير هو إلى أي مدى سيواصلون عمل هذا قبل أن تنخفض كميات الذخيرة لديهم ويجبرون على تخفيض حجم العمليات”.
وتساءل محللون عسكريون عن حكمة استخدام القنابل العنقودية في مناطق سيتحرك فيها الجنود الأوكرانيون، وبخاصة أن أعدادا كبيرة من القنابل الصغيرة لم تنفجر مما يهدد حياة الجنود. ولكن المسؤولين والجنود هزوا أكتافهم بلا مبالاة قائلين إنهم اضطروا للخوض في حقول ألغام متعددة، والقنابل غير المتفجرة تضيف خطرا هامشيا.
وأوقفت الولايات المتحدة إنتاج القنابل العنقودية عام 2016، وسط غضب من استخدام القوات السعودية ذخيرة سي بي يو-105 في مناطق مدنية باليمن. وهو ما أجبر إدارة باراك أوباما على تعليق نقل الذخيرة للمملكة، وهو قرار أثر على أرباح تيكسترون سيستمز المصنعة لها، وأجبرها على وقف الإنتاج في آب/أغسطس من نفس العام متذرعة “بالتحديات التنظيمية”. ولكن القنابل العنقودية التي أرسلتها إدارة بايدن لأوكرانيا أقدم وتمثل تهديدا أكبر على المدنيين، حيث يطلق عليها الذخيرة المزدوجة الغرض التقليدية المحسنة أو دبي بي أي سي أم وتوقف إنتاجها في التسعينات من القرن الماضي. وكلما طال أمد تخزينها زاد خطر عدم انفجارها عند إطلاقها.
وكان قرار بايدن إرسال القنابل العنقودية الذي وصفه بالمعقد تجاوزا لقانون يحظر نقل الذخيرة بـ”نسبة تفجير” أكثر من 1%. وأكدت وزارة الدفاع الأوكرانية التي رحبت بقرار بايدن على أهمية تقييد استخدامها وتسجيله في المحاور المحلية، إلا أن الصحيفة لم تعثر على أدلة للتسجيل، وتلقت أجوبة متناقضة من الجنود الذين يطلقونها. وحصلت إدارة بايدن على تأكيدات من الجانب الأوكراني بشأن تسجيل ومتابعة استخدام الذخيرة، وتقول الإدارة إنها راضية حتى الآن عن طريقة الاستخدام. إلا أن الكثير من تفاصيل نقل الذخيرة لأوكرانيا لا تزال مجهولة، مما دفع منظمات حقوق الإنسان إلى الدعوة للشفافية.
وقالت ماري ويرهام، المتخصصة في السلاح بهيومان رايتس ووتش “لم نخبر عن كمية القنابل العنقودية التي تم إرسالها وإلى متى” و”لا نعرف مستويات التفجير لهذه الذخيرة”. وتخشى ويرهام وغيرها من الناشطين الحقوقيين من تأثير قرار بايدن على جهود بناء إجماع دولي لمنعها، كما أشار منتقدو القرار إلى استخدام أوكرانيا قنابلها العنقودية لاسترداد مدينة إيزوم عام 2022 بشكل تسبب في سقوط مدنيين، وهو ما تنفيه أوكرانيا.