واشنطن بوست: السعودية شريك لأمريكا وليست حليفا.. والعلاقة معها تحتاج لتوازن

إبراهيم درويش
حجم الخط
1

لندن– “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا مشتركا للمفاوض السابق آرون ديفيد ميلر وريتشارد سكولسكي وكلاهما زميلان في وقفية كارنيغي للسلام العالمي، طالبا فيه المعلقين الأمريكيين التوقف عن وصف علاقة الولايات المتحدة مع السعودية بالحليف وتسمية الأشياء باسمها أي أنها “شريك”.. “فنحن نريد العمل مع السعودية ولكن علينا عدم التظاهر بأنها حليف”.

وقالا إن الرئيس جوزيف بايدن حسب بيان البيت الأبيض عن أول مكالمة له مع الملك سلمان الأسبوع الماضي أكد على “الشراكة الطويلة بين الولايات المتحدة والسعودية” وتحدث عن “الطبيعة التاريخية للعلاقات”. وقال أنتوني بلينكن وهو يناقش الرد الذي تخططه الإدارة على تقرير المخابرات الأمريكية بشأن الدور الذي لعبه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جريمة قتل صحافي “واشنطن بوست” جمال خاشقجي 2018 إن “العلاقات مع السعودية هي أكبر من أي فرد”.

ورفضت إدارة بايدن فرض عقوبات على محمد بن سلمان بناء على رأي عفا عليه الزمن وهو أن السعودية حليف لأمريكا، مع أنها في أحسن الحالات شريك غالبا ما تتعارض مصالحها مع واشنطن ومن النادر أن تتلاقى قيمها مع قيم الولايات المتحدة. وبعيدا عن دعم المصالح، الأولويات الأمريكية في الشرق الأوسط عقدتها السعودية وبخاصة في السنوات الماضية.

ومع ذلك فالدعم متواصل بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب ودعم جهود التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. وعلى مدى عقود وافقت الولايات المتحدة على بيع أسلحة متقدمة للسعودية فيما تقيم شركات تصنيع السلاح الأمريكية علاقات قوية وطويلة مع صناعة النفط السعودي. إلا أن العلاقات بين البلدين عانت من الضغوط وعدم اليقين وتحديدا بعد هجمات 9/11 وحرب اليمن وسجلها في مجال حقوق الإنسان.

وبدا الغراء الذي ثبت العلاقة الأمريكية – السعودية وعلى مدى عقود بالتساقط. فلم تعد أمريكا بحاجة للنفط السعودي ورغم صفقات السلاح بمليارات الدولارات لم تعد السعودية تثق بأمريكا كضامن لأمنها وحتى لو قال بايدن “لدينا مصالح مهمة مستمرة ولا نزال ملتزمين بالدفاع عن السعودية”. ولكن الجدال الذي يرى أن السعودية مهمة جدا للمصالح الأمريكية الإستراتيجية بحيث لا يمكن المخاطرة بانتقادها أو الضغط على شريك أمريكي مهم، لا يصمد أمام التمحيص العميق.

الجدال الذي يرى أن السعودية مهمة جدا للمصالح الأمريكية الإستراتيجية بحيث لا يمكن المخاطرة بانتقادها أو الضغط عليها، لا يصمد أمام التمحيص العميق

فمن ناحية لم تستورد الولايات المتحدة نفطا من السعودية في الأسبوع الأول من هذا العام ولأول مرة منذ 35 عاما. ومن يقولون إن العلاقات الأمريكية- السعودية مهمة جدا ولا يمكن إفشالها يشيرون إلى سوق النفط العالمي الذي يعتمد على النفط السعودي وأي عرقلة لتصديره قد تؤدي إلى عدم الاستقرار أو نزاع مستمر في الخليج، هم محقون لدرجة معينة لكن خريطة النفط العالمية تغيرت وبشكل جوهري في السنوات الماضية.

 ولأن السعودية تعتمد على النفط لدفع اقتصادها وإبقاء الغطاء على السخط السياسي والاقتصادي، فمن مصلحتها العمل على استقرار أسعار النفط بعيدا عما تفضله أمريكا. والسعودية لا الولايات المتحدة مهتمة بدفع القرارات المتعلقة بإنتاج النفط وتسعيره. وبالتأكيد فالسعودية والولايات المتحدة في حالة تنافس في سوق النفط العالمي كما أظهرت التجربة الأخيرة وازدهار القطاع النفطي الأمريكي.

 ففي 2014 غمرت السعودية الأسواق بالنفط الرخيص لمنع صناعة الزيت الصخري الأمريكي من الحصول على حصة في السوق. وفي 2020 تدخل الرئيس دونالد ترامب من أجل وقف حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا والتي هددت بآثار كارثية على صناعة النفط الأمريكية.

وفي الوقت الذي تحتل فيه السعودية المرتبة الثانية في قطاع إنتاج الطاقة العالمي والمرتبة الأولى كأكبر مصدر للنفط، فإن أمريكا انضمت كـ “منتج مرجح” قادر على تعويض التقلبات الشديدة في أسعار النفط. وبالإضافة لهذا هناك احتياط واسع للنفط حول العالم يمكن استخدامه كوسادة تمنع صدمات أسعار النفط. وببساطة فتوقف في تدفق النفط السعودي لن يترك أثره على أسعار النفط كما في الماضي. وثبت هذا في أيلول/سبتمبر 2019 عندما تعرضت المنشآت النفطية السعودية لضربات اتهمت إيران بشنها وأدت إلى تخفيض الإنتاج اليومي بنسبة 5% وبعد زيادة قصيرة في أسعار النفط لم يتأثر سوق النفط كثيرا.

إدارة ترامب تعاملت مع السعودية كزعيمة تحالف مكون من دول سنية لمواجهة تأثير إيران الشيعية، لكن أفعال السعودية في السنوات الماضية قوت من تأثير إيران ولم تضعفه

ويقول الكاتبان إن إدارة ترامب تعاملت مع السعودية كزعيمة تحالف مكون من دول سنية لمواجهة تأثير إيران الشيعية، لكن أفعال السعودية في السنوات الماضية قوت من تأثير إيران ولم تضعفه. فقد قادت تحالفا ضد قطر وفرضت عليها المقاطعة مما ترك آثارا على العلاقات القطرية – الإيرانية وقوتها. وفي اليمن قاد السعوديون حملة بدعم من إدارتي باراك أوباما ودونالد ترامب وحتى التغير الأخير في سياسة بايدن، أدت لأكبر كارثة إنسانية في العالم، وفتحت فرصا أمام التوسع الإيراني من خلال دعم المتمردين الحوثيين. وتحدث السعوديون كثيرا عن مواجهة التأثير الإيراني الإقليمي الخبيث ولكنهم لم يفعلوا إلا القليل لمواجهة الجماعات الوكيلة لإيران في لبنان وسوريا ولبنان.

وفي الوقت الذي قدم فيه السعوديون معلومات أمنية مهمة عن القاعدة وفروعها ونسب إليهم الفضل في تحذير الأمريكيين من هجمات محتملة، لكن لا يعرف الكيفية التي سيدعم فيها السعوديون وأجهزتهم الأمنية الولايات المتحدة لمواجهة إيران. وبالتأكيد لو وجد السعوديون وإيران طريقا لتخفيف التوترات والتفاوض على “تسوية” فإن هذا سيخفف من الأعباء على الجيش الأمريكي ويعزز من مصالح أمريكا في الخليج لا إضعافها.

كما أن العجز في القيم المشتركة يؤثر على فكرة تحالف حقيقي بين الولايات المتحدة والسعودية. ولم يهتم ترامب بشؤون حقوق الإنسان في المملكة، لكن بايدن الذي تعهد بجعل السعودية تدفع الثمن، تردد حتى هذا الوقت بفرض عقوبات على ولي العهد مما وضع مصداقية أمريكا على المحك. ولوح محمد بن سلمان بإصلاحات اجتماعية واقتصادية لكنها أرفقت بالقمع وملاحقة المنافسين في الداخل والخارج. ومع كل هذا فللولايات المتحدة رهان في استقرار السعودية، ذلك أن العالم يعتمد على النفط السعودي، ولكن العلاقات في ظل ترامب أصبحت غير متوازنة ويجب إعادة كفة الميزان من جديد، وهي بحاجة لإصلاح لا لتمزيق.

ويمكن لإدارة بايدن عمل الكثير من أجل موازنة العلاقات عبر المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين والناشطات النسويات. وعليها التأكيد على ضرورة وقف ملاحقة ولي العهد للمعارضين في الخارج ووضع الضغوط على الرياض والحوثيين أيضا لوقف الحرب في اليمن. وعلى إدارة بايدن التوضيح أنها قد تفرض عقوبات على السعودية وولي العهد لو لم تتغير السياسات السعودية وسلوك محمد بن سلمان. ولدى الرئيس الكثير من أوراق النفوذ، وسواء استخدمها أم لا فعليه الاعتراف أن السعودية كشريك أصبحت تهمة وليس رصيدا للمصالح والقيم الأمريكية. ولدى بايدن فرصة للاعتراف بهذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بيبرس:

    امريكا لم تعد بحاجه للنفط السعودى لانها منذ 26 عام وهى تسرق النفط العراقى بمساعدة الحكومه الطائفيه الفاسده مقابل بقائها فى السلطه غير ان اهمية السعوديه تكمن بانها اكبر مستورد للسلاح فى العالم وعموما كل ممالك وامارات النفط مهمه لامريكا حتى تكون كل مصادر الطاقه تحت ايديها ووصايتها لذالك اصبحت ممالك وامارات النفط مليئه بااقواعد الامريكيه والفرنسيه والبريطانيه وهى كذالك ساتبقى .

إشترك في قائمتنا البريدية