لندن- “القدس العربي”: تساءلت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير أعده آدم تايلور عن الطريقة التي تحولت فيها زعيمة حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في ميانمار، أونغ سان سو تشي، من حائزة على جائزة نوبل للسلام إلى منبوذة دوليا.
وقال إن سو تشي وصفت كفاحها ضد الطغمة العسكرية في البلاد عندما منحتها جائزة نوبل للسلام في 1994 بأنها “مثال من الأمثلة الخارقة عن الشجاعة المدنية في العقود الأخيرة”. وحتى اليوم، وبعدما تلطخت سمعتها بسبب اتهامات أنها غضت الطرف عن مذابح المسلمين الروهينجا في ميانمار، والذين تعرضوا لحملة تطهير عرقي، فهناك قلة تشك في شجاعتها لكنهم يتساءلون عن حكمة سو تشي.
وكان والدها واحدا من أبطال الاستقلال في ميانمار، وتم وضعها تحت الإقامة الجبرية فور عودتها إلى بلادها في عام 1988. وبدلا من الاستسلام والعزلة صمدت وعانت 15 عاما من الإقامة الجبرية وتحولت إلى رمز دولي للديمقراطية. وتم اعتقال سو تشي التي تولت أكبر منصب مدني في البلاد منذ عام 2016 يوم الإثنين بعد انقلاب أبيض نفذه الجيش.
وبعد ثلاثة عقود من نيلها جائزة نوبل للسلام، فلا دعم شعبيا ودوليا لها في الاعتقال الأخير وفي رحلتها من سجينة سياسية إلى سياسية منبوذة.
وعلّق بعض حلفائها السابقين أن سو تشي (75 عاما) تتحمل بعضا من المسؤولية لفشل تجربة الديمقراطية في ميانمار والعنف الأخير ضد المسلمين الروهينجا الذين يعيشون في غرب البلاد.
وفي بيان دعا للإفراج عنها، قال الحاكم السابق لولاية نيو مكسيكو الأمريكية، بيل ريتشاردسون، إن سو تشي كانت “متواطئة في المذابح التي ارتكبها الجيش ضد الروهينجا وغيرهم من الأقليات العرقية وعليها التنحي عن السياسة لو أفرج عنها”.
وقال لاييتا فان دين أسوم، الدبلوماسي الهولندي السابق: “كانت سو تشي أيقونة قبل وبعد الإفراج عنها” لكن سمعتها تضررت لأنها “قررت تجاهل مأزق الروهينجا”.
ولدت سو تشي في 19 حزيران/يونيو 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان والدها أونغ سان زعيما سياسيا ساعد ميانمار المعروفة أيضا باسم “بورما” في شق طريقها نحو الاستقلال عن الاستعمار البريطاني. واغتيل عام 1947 قبل عام تقريبا من استقلال البلاد.
وسيطرت المؤسسة العسكرية المعروفة بـ”تاتمداو” على المحاولات الديمقراطية الأولى في البلاد، وبعد انقلاب 1962 أصبح الجيش هو المسيطر ولعقود.
وكانت والدة سو تشي دبلوماسية، وقضت العائلة معظم وقتها خارج ميانمار. وتعلمت سو تشي في الهند ثم إنكلترا حيث درست في جامعة أوكسفورد التي التقت فيها مع زوجها المؤرخ البريطاني مايكل أريس. ولم تعد إلى بلدها إلا عام 1988 حيث كانت في سن الـ43 عاما بهدف العناية بوالدتها المريضة، ومنذ ذلك الوقت تحولت إلى قوة سياسية مهمة في البلد، وسط الانتفاضة الداعية للديمقراطية المعروفة بـ”انتفاضة 8888″ الدموية أو انتفاضة 8/8/88.
وقالت في خطاب: “هدفنا هو إظهار أن كل الشعب راغب بنظام حكم ديمقراطي متعدد الأحزاب”. شكلت سو تشي حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية وفاز بانتخابات 1990 لكن الجيش رفض التخلي عن السلطة وأبقى عليها تحت الإقامة الجبرية، ودفعت ثمنا باهظا لهذا. فقد شاهدت زوجها آخر مرة في 1995 ورفضت السلطات منحه تأشيرة للدخول إلى ميانمار حتى مات بالسرطان عام 1999. ولم يستطع ابناها زيارتها إلا في فترات متقطعة بعد الإفراج عنها.
وعندما تحركت ميانمار نحو الديمقراطية في 2010، أُفرج عن سو تشي ورُفعت عنها الإقامة الجبرية. ولم تخفت سمعتها الدولية، وبعد عام من الإفراج عنها، قدّم المخرج الفرنسي لو بيسون فيلم “السيدة” الذي عُرض في دور السينما الفرنسية.
وفي الكونغرس، اتفق الحزبان الديموقراطي والجمهوري على دعمها، وكان السناتور ميتش ماكونيل واحدا من أهم داعميها الرئيسيين. ومنحها الكونغرس الميدالية الذهبية في 2012. وعندما زار باراك أوباما يانغون في العام التالي، وصفها بأنها “أيقونة للديمقراطية ألهمت الكثير من الناس، ليس في بلدها ولكن حول العالم”.
ودخلت سو تشي البرلمان في 2012، وفي 2015 فاز حزبها بالانتخابات. ومنحها الجيش منصب مستشار دولة بعد منعها من تولي الرئاسة في الدستور الذي مررته الطغمة العسكرية في 2008.
ولم يكن هناك نقد دولي لها إلا نادرا، لكن الهمهمات بدأت تسمع في داخل البلد، وقال نائبها سابقا وين تين، الذي اعتقل في الماضي أيضا، إن سو تشي متساهلة كثيرا تجاه الجيش أو “تاتمداو” و”تعتقد أنها تستطيع إقناع قادة الجيش بأن يصبحوا أصدقاء لها والوقوف معها”.
ولكن دفاع سو تشي عن حملة الجيش التي شردت نحو مليون مسلم من الروهينجا في 2017 غيرت النظرة عنها. وكشف تحقيق للأمم المتحدة أن تلك الحملة تمت بـ”نية الإبادة”. وبدت سوتشي وكأنها تدعم الجيش ودافعت عنه علنا.
وفي 2019 كانت أول رئيسة دولة تقف أمام محكمة العدل الدولية، حيث رفضت ذكر كلمة “روهينجا”، مكررة كلام الجيش عن المتطفلين الإرهابيين. وأدى موقفها من الروهينجا لتخلي الكثير من الداعمين عنها.
واستقال ريتشاردسون من اللجنة الدولية التي شكلتها ميانمار لحل مشكلة الروهينجا، محذرا من محاولة لتبييض صفحة النظام. وطالبها كاتب سيرتها بالاستقالة.
وقال المسؤول السابق للشؤون الخارجية في إدارة أوباما، بن رودس، في مقال نشرته مجلة “ذي أتلانتك” في 2019: “ماذا حدث لأونغ سان سو تشي؟”.
لكن الغضب الشعبي لم يلطخ سمعتها في الداخل، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، فاز حزبها بـ396 من أصل 476 مقعد في البرلمان البورمي.
ومن المفارقة، أن شعبيتها كانت وراء اعتقالها واتهامها بتزوير نتائج الانتخابات. ويرى فان دين أسوم، الدبلوماسي الهولندي، أنها فازت بدون شك في الانتخابات. ورغم سمعتها الملطخة دوليا، فقد عكست النتائج إرادة شعبية، وتجاهُلها قد يقود لنتائج سيئة.
كما تدين تدان… الظالم يجب أن ينال جزاءه.